المستقبل
- الخميس 9 أيار 2013 - العدد 4682 - شؤون لبنانية - صفحة 5
http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=570033
لا يخفى ما للسيد حسن نصر الله من
تأثير في العالم الإسلامي عموماً، ولدى الشيعة خصوصاً. الأمر نفسه- وأكثر- ينطبق على
العلامة يوسف القرضاوي، أحد أكثر الرجال الذين يتأثر بهم المسلمون في هذا العالم، لما
له من مكانة علمية، ومن تاريخ سياسي وجهادي عريق (منذ حرب العام 1948). الأمر لا يقتصر
على ذلك، فالرجل الأول؛ أي السيد حسن نصر الله، هو أمين عام أهم تنظيم شيعي في العالم؛
"حزب الله". أما الثاني؛ القرضاوي، فهو بمثابة الأب الروحي لجماعة لها وجودها
الفاعل في أكثر من 80 بلداً حول العالم؛ جماعة "الأخوان المسلمين"، ما يعني
أن لحُسن أو سوء العلاقة بين الرجلين تأثير على العالم الإسلامي عموماً، فضلاً عن تداعياتها
السياسية.
أثناء حرب تموز 2006، صدرت مواقف
"حذرة" من "حزب الله"، بناءً لـ "عقيدته ولارتباطه بإيران"،
وذلك من مراجع علمية معتبرة في المملكة العربية السعودية وغيرها، فوجد القرضاوي أن
الأمر يحتاج إلى أكثر من موقف مقابل، فأفتى بـ "وجوب دعم حزب الله"، معتبراً
أن "المقاومة اللبنانية جهاد شرعي، وتمثل أشرف مقاومة على الأرض مع شقيقتها بفلسطين،
وأن الشيعة جزء من الأمة الإسلامية وواجب على كل مسلم نصرة هذه المقاومة ضد العدو الإسرائيلي".
لم يعبأ القرضاوي يومها بموقف النظام المصري، الذي يحمل جنسيته، ولا بموقف أية دولة
خليجية يقيم فيها، وشكّل موقفه هذا رافعة قوية للدعم الشعبي الذي تلقاه الحزب خلال
حرب تموز من الأمتين العربية والإسلامية.
بعد انتهاء الحرب راجع كثيرون القرضاوي
في موقفه، انطلاقاً من أن الحزب سرعان ما انقلب على الحكومة اللبنانية، وأنه جزء من
المشروع الإيراني، لكن القرضاوي أكد على الدعوة إلى التقريب بين المذاهب، وأضاف:
"أؤيد حزب الله في مقاومته... حسن نصر الله متمسك بشيعته ومبادئه، ولا يمكن أن
ننكر هذا، ولكنه أفضل من غيره من القاعدين والمتخاذلين" (2-9-2006).
في هذه المرحلة لقي القرضاوي كثيراً
من المديح والإشادة من المرتبطين بالمشروع الإيراني، لكن تعظيم القرضاوي انقلب إلى
عكسه في العام 2008 عندما أطلق سلسلة مواقف متلاحقة حذّر فيها من "تمادي الغزو
الإيراني الشيعي للمجتمعات الإسلامية السنية". يومها حاول أقرب المقربين منه أن
يقللوا من حدة كلامه، لكنه أبى، بل عتب على بعض تلاميذه المصريين جراء ذلك، وقال:
"لقد أردت أن أنذر قومي، وأصرخ في أمتي، محذراً من الحريق المدمر الذي ينتظرها".
تعرض القرضاوي لهجمات قاسية جراء تحذيره
من المشروع الإيراني، وصلت إلى حد مطالبة وكيل المرجعيات الشيعية في الكويت محمد باقر
المهري إلى "خلع عمامة القرضاوي الدينية ومنعه من الظهور إعلامياً، لأنه يسيء
إلى جميع السنة وعلمائهم الشرفاء، ويفرق جماعة المسلمين ويخدم الصهاينة وأعداء الاسلام"،
ولم يصدر عن السيد نصر الله أي موقف دفاعاً عن القرضاوي، الأمر الذي اثار استياء الأخير،
وقد عبر عن هذا الاستياء علناً عندما سئل لاحقاً عن رأيه بنصر الله.
مع انطلاقة مرحلة "الربيع العربي"
قام القرضاوي بدور كبير في تزخيم الثورات العربية، لكنه رفض إقحام الحراك الشعبي في
البحرين في عدادها، حيث اعتبر أن الاحتجاجات هناك ذات طابع مذهبي مرتبط بالخارج، الأمر
الذي أخرج السيد نصر الله عن صمته في احتفال جماهيري خُصص لدعم الثورات العربية (عدا
بدايات الحراك في سوريا والثورة الخضراء في إيران)، حيث استغرب كيف "يدعو البعض
(قاصداً القرضاوي) أهل مصر للنزول إلى الشارع، وفي ليبيا يدعوهم لقتل القذافي، وعندما
تصل الأمور إلى البحرين ينكسر القلم ويجف الحبر ويخرس الصوت" (18/3/2011)، لكن
الامتعاض الأشد من القرضاوي جاء على خلفية مواقفه من النظام السوري، وقد جر عليه هذا
الأمر في بدايات الثورة مواقف حادة، أسهم إعلام "حزب الله" في بثها وترويجها.
مع تزايد قمع النظام السوري لشعبه،
زاد القرضاوي من حدة مواقفه تجاه هذا النظام وتجاه داعميه، لدرجة أنه دعا إلى اعتبار
إيران وروسيا والصين أعداءً للأمة الإسلامية، وقد حض ملايين الحجاج المسلمين في موسم
الحج على الدعاء على هذه الدول. (13 -10-2012)
خلال العام الحالي سجل القرضاوي مواقف
لافتة جداً. سئل عن بشار الأسد، فوصفه بالمجرم، لكنه أضاف موقفاً في غاية الخطورة،
قال: "بشار الأسد، والمالكي، وحزب الله -الذي يأتي برجاله ليقتل الرجال والنساء
والأطفال- هؤلاء لا يخافون الله، وهم أول من يجب أن يُقتلوا وأن يحاسبوا؟"
(7/3/2013). سئل عن البوطي، فقال: "هو الذي فقد هويته، وفقد عقله... كنا نحسبه
من العلماء، وكنا نحسبه ممن يملكون عقلاً ويملكون رشداً ويملكون علماً، إذا به يفقد
هذا كله ويسير في ركاب الظالمين". أضاف رداً على سؤال: هؤلاء الذين يعملون مع
السلطة (النظام السوري) يجب أن نقاتلهم جميعاً، عسكريين، مدنيين، علماء، جاهلين، الذي
يكون مع هذه السلطة الظالمة الجائرة المتجبرة في الأرض التي قتلت الناس بغير حق، هو
ظالم مثلها، يأخذ حكمها. فكل من يقاتل عليه أن يقاتل هؤلاء". (17/3/2013)
لم يكتف القرضاوي بمواقفه من الأحداث
الراهنة؛ بل قدّم مراجعة لطروحه السابقة، فأعلن الشهر الماضي ما يأتي: "كنت قديماً
من دعاة التقريب (بين المذاهب)، وبقيت سنوات في هذه المسيرة، ولكني في الحقيقة وجدت
أن الذين يستفيدون من عملية التقريب هم الشيعة (يقصد إيران)، أما السنة فلا يستفيدون
شيئاً. لقد ذهبنا إلى سوريا (مؤتمر)، ودعونا للتقريب، فكانت النتيجة ان فتحوا عشرات
الحسينيات في أماكن ليس فيها شيعي واحد، ويقولون نحن سوا سوا"! أضاف: "نحن
لا نعلّم (أبناءنا) ما عند الشيعة حتى لا ندخل في الفتنة، لكن أصبح الآن لزاماً أن
نعلّم أبناءنا ما عندهم". (8/4/2013)
في خطابه الأخير (30/4/2013) رد نصر
الله للمرة الثانية على القرضاوي، دون أن يسمسه أيضاً، معتبراً القرضاوي مسؤولاً عن
"القتل والاستنزاف، وأبشع أنواع القتال أيضاً، من ذبح وقطع رؤوس وإلقاء من على
الأسطح، وصولاً إلى استدعاء التدخل الدولي العسكري، استدعاءً سياسياً وميدانياً...
يؤيد هذه الاتجاه أو جزء من هذا الاتجاه علماء وقيادات وجماعات، وهناك من أصدر فتاوى
حادة، ما زالت تذاع حتى الآن على الفضائيات وموجودة في مواقع الإنترنت بالصوت والصورة.
حتى بعض ممن يعدّون من كبار العلماء ويصنفون في خانة الاعتدال أصدروا فتاوى غريبة عجيبة،
حتى بالمنطق الشرعي"، مستنتجاً –أي نصر الله-: "يعني الموظف في الدولة السورية
الذي يريد أن يصلح الكهرباء نتيجة الانقطاع في هذه المحافظة أو تلك، الآن يُقتل بهذه
الفتوى" (فتوى قتال السلطة السابق ذكرها).
لم يتأخر رد القرضاوي؛ فأوضح أنه لم
يُفتِ بقتل الناس كما استنتج نصر الله، موضحاً: "هناك من يتخفون بثياب مدنية،
هؤلاء هم الشبيحة، وهم يجب أن يُقتلوا. نرفض قتل المدنيين وإذا قُتل بعضهم فهذا من
ضروريات الحرب ونحتسبهم من الشهداء"، أضاف القرضاوي: خلال خطبة الجمعة
(3/5/2013): "إن هذا الحزب (حزب الله) ما من مكان فيه للخير والدين والله، لأنه
يقاتل في سبيل الطاغوت بسوريا...حزب الله لا ينصر أهل الظلم، هذا حزب الشيطان، حزب
الشر، حزب الطغيان".
بهذه المواقف؛ يبدو واضحاً أن القرضاوي
قطع شعرة معاوية مع نصر الله ومع المشروع الذي ينتمي إليه، بعدما انتقل من مناصرته
إلى ما يشبه الدعوة إلى قتله، وتالياً فقد خسر "حزب الله" ظهيراً سنياً غاية
في الأهمية والتأثير.
وبنظرة أكثر عمقاً؛ يمكن أن يظهر بوضوح
كم أسهمت الثورة السورية في تغيير واقع الأمة، والعلاقات البينية بين مكوناتها السياسية
والمذهبية، وكم بات المشروع الإيراني خطراً على المنطقة، على اعتبار أن الخاصة قبل
العامة باتوا ينظرون إليه بصفته مشروعاً معادياً... فضلاً عن أن كثيراً من المسلمين
الشيعة باتوا يتحسسون المخاطر التي يجنيها عليهم ربطهم بإيران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق