قال تعالي : " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ
الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " البقرة 179 ، قاعدة ربانية اختطها الله
تعالى لما يصلح به حال عباده ، وبغيرها لن تكون حياة بل موت وفساد ، وبتطبيقها لا
يعتدي مخلوق على مخلوق ، ولا يتجاوز أحد على أحد ، لأنه سيعلم إن هناك جزاء ينتظره
جراء عدوانه ، أو سرقته ، أو تطاوله على غيره بغير الحق ، فيرتدع هو أو يرتدع غيره
من حملة " جينات " الفساد والمصابين بـ " فيروسات " العدوان والظلم
، في حال أقيم القصاص بحق أحدهم، وإذا أقيمت الحدود واقتص من المعتدي حل العدل
وأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وبيوتهم ، وبهذه القاعدة الربانية التي يقتص فيها من
الشريف قبل الغني عاشت الأمة الإسلامية تحت ظلال العدل الوارفة ، عزيزة كريمة
خالية من الأحقاد والضغائن ، سادت على الأمم جميعها.
والقصاص هو أساس الحكم الذي دعا القرآن إلى إقامته ؛ الذي سيصل بنا إلى
العدل وأداء الأمانات إلى أهلها ، يقول عز وجل : " إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ
أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ
أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ " النساء 58 ، وبهذا نصح الفاروق رضي الله عنه أميره
سعد بن معاذ : " وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من
عدوكم ، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم ، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم
لله ، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ، لأن عددنا ليس كعددهم ، وعدتنا ليست كعدتهم
، فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة ، وإلا ننصر عليهم بفضلنا
ولن نغلبهم بقوتنا " ، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : في
الفتاوي : " فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل
كريمة ، ولهذا يروى : الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة
الظالمة وإن كانت مؤمنة ".
ولما أهملت هذه القاعدة الربانية اختفى العدل ، وتحولت الحياة إلى موت ،
وحل مكان القانون شريعة الغاب ، وساد الظلم ، وأكل القوي الضعيف ، وطبقت الأحكام
على الضعيف وترك الشريف ، فكان هلاكا وموتاً ، وفتنة في الأرض وفساد كبير ، ثم منّ
الله على الذين استضعفوا في الأرض بأن استخلفهم فيها ومكن لهم ، لينظر كيف يفعلون
، ولكنهم ما رعوا هذا التمكين حق رعايته ، وإنما أطاعوا الغرب فيما ذهب إليه ، فأقروا
على أنفسهم عدم محاسبة الظلمة مقابل وصولهم إلى الكرسي ، مفرطين بعدم رد الحقوق
إلى أهلها ، فزادهم الله هواناً أكثر من الهوان الذي كان قد ران على من سبقهم ، وذلاً
لم يكن ، وازدادوا هلاكاً وموتاً، وزاد المفسدون في إفسادهم وإرجافهم بعد إن امنوا
العقوبة ، وحدث عما يجري في بلاد الثورات من فتن لم تعهد من قبل ؛ ولا حرج .
وهذا ما يجب إن يفهمه الشعب السوري حتى لا تتكرر التجربة نفسها بعد سقوط
نظام المجرم الأسد ، ويصل كرسل الحكم إلى غير أهله ، وأن يقدم من فوره على القصاص
من القتلة والمفسدين ، ورد الحقوق إلى أهلها ، وإحباط مخططات الغرب الساعية إلى تصنيع
أنظمة كما في السابق ، والتي ستمنع إقامة القصاص ، وتعمل على تضيع الدماء ، حتى لا
تعود الأمة الإسلامية إلى الحياة من جديد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق