انقطاع الشبكة السورية عن العالم هذه
المرة كانت مدعمة بقطع جميع وسائل الاتصال الخارجية نهاراً وقد بدأ حوالي الساعة العاشرة صباحاً من تاريخ
15-5-2013 .. كان التفاعل هذه المرة مع الانقطاع ضعيفاً وهو ما تم توقعه رغم أن الانقطاع
كان كاملاً عن العالم الخارجي ، الفترة الوجيزة (نهار كامل) وعدم حدوث كارثة ذلكما
مفاده أن يتم الاعتياد أكثر فأكثر وهدفه أن يحدث هذا البرود تجاه فصل سورية عن العالم
الخارجي .. ويوماً ما قد تحدث الكارثة.
صحب ذلك في اليوم ذاته اجتماع للمسؤولين
في ذلك المكان الذي يعقد فيه الاجتماع
تم أيضاً تقطيع أوصال الطرقات وقطع الطرقات على المارة .. في هذا التاريخ أصبحت حياة
المسؤولين من الوزراء في خطر!.. الاستعدادات لذلك والسيارات الأمنية المعدة والتي بنوعيتها
لم تكن موجودة قبل الثورة تنقلهم واحدة واحدة في طريق متاح لهم فقط! .. وبتفتيش للمارة،
المشهد موحش ويعبر تماماً عن دولة احتلال لا أمان فيها ولا كرامة للإنسان، حينما يقف
رتل طويل جداً من السيارات في شارع مجاور أبعد قليلاً لا يؤبه براكبيها ولا بوقتهم
ولا بإنسانيتهم ويضيقون عليهم السبل حتى في تنقلاتهم، بالمقابل تكون شوارع عديدة مفتوحة
لبضع سيارات تخص المسؤولين هؤلاء.
مظهر الفقر يسود المكان .. لا نظافة
على الأبنية ولا في الشوارع وأما الناس فبين مستلق على الأرض ملتحف بقماش لا تعرف له
شكلاً .. إلى متسولين ومحتاجين ومهمومين بثياب رثة .. قد ترى أنصاف أجساد مغطاة لا
تعرف من تحت غطائها أهو حي أم ميت! .. والناس تسير وكأنها مخدرة لا ترى من بقربها
.. لا بسمة ولا اعتناء بالمظهر على العموم .. حياة بؤس تبدو على الوجوه والوجوم يسود
المكان .. ضحكة تراها على وجوه الجنود أو عناصر الأمن المسلحين فقط وهم يتغطرسون على
الناس وكأنهم من فئة أخرى وكأن مفهومهم عن المهمة التي يقومون بها مفهوم ملؤه حطام
إنساني محض .. فلا نظرة ولا كلمة تعبر عن إنسانيتهم .. النظرة نظرة وحوش أو استهزاء
.. والكلام كلام فاسد وفساد .. واستهتارهم استهتار من ليس له مبدأ ولا لعمله قيمة يؤمن
بها .. رتل المدنيين المحكومين من قبل العصابة له وصف الآخر فهناك عِبرة وعَبرات
.. الانتظار الطويل يخرج ما في النفوس المضغوطة المقهورة من مكنونات .. كل يعبر عن
ذاته .. لكنها بالمجمل لا تسر أو تسعد .. أصوات عالية من شجار بين اثنين .. ومن ينتظر
لا يشعر بقيمة الوقت الذي يمر .. شعب مذبوح بالمساوئ التي تراكمت والفساد الذي فاض
حتى طفح وشدة تُفقد العقل إن بقي منه شيء .. فمن ذا الذي يمكن له أن يصارع كل ما يحدث
ليخرج بثمرة إيجابية مما يحدث ويكون أقوى من الظروف فيحولها لصالحه؟! .. قلما يمر على
البشرية أشباه هذه الحوادث ولا بد أن فيها حكمة ومن يتمكنون من اجتياز العاصفة بحلة
جميلة قليلون .. فالفساد استشرى حتى أفرز ثلة متسلطة بمفاهيم رضخت لها أكثر الناس فصدقت
تلك الثلة نفسها واعتقدت بأنها على حق .. ولما سادت تلك المعتقدات سلمت الناس بذلك
واعتبرته الحق حقاً ! فزاد الفساد وترسخ وانبنى عليه فساد آخر حتى تحجّر..
أي انتهاك للإنسانية أكثر من هذا بحق
المسؤولين أولاً الذين بدوا كالدمى التي تحركها قوات حفظ النظام (الأسدي) فهي التي
تحرك كل شيء، توقف وتسيّر ،، تمنح الطريق أو تمنعه ،، عدة طرق فارغة من كل وسيلة نقل
لأنها مغلقة، فقط شوارع معدودة مفتوحة لتمر منها أرتال وزحمة مرور .. لا توازن كما
ليس لهذا النظام أي توازن ... أأناس مدنيون يخوفون عصابات الأسد! نعم .. لا ثقة في
الدولة الأمنية بأحد وكأنك تعيش مع عدو محتل .. تماماً وكأنك في دولة محتلة ..
هذا النظام قد امتهن الإنسان إلى أقصى
الدرجات حتى عندما يؤمّن الوزراء فهو يؤمّنهم من أهلهم!! الذين من الممكن أن يكونوا
في ذلك الرتل المصطف المزدحم على الشارع المجاور!!، أي ازدراء ارتضوه لأنفسهم حينما
يُنقلون في أقفاص مغلقة لا تراهم من وراء زجاجها المعتم .. أي امتهان وأنت تشاهدهم
خلف قضبان المكان الذي يخرجون منه وكأنهم سجناء يقادون إلى بيوتهم .. السجين يقوده
السجّان والمسؤول هذه الأيام يسوقه أيضاً أشخاص .. يمشي معهم الوزير المسؤول مرغماً
كي لا يفكر بالتحرك خارج إطارهم الذي رسموه له هو سجين محاصر ينتظرهم عند كل وقت يفترض
فيه أن يكون جاهزاً .. لا حرية لحركته ولا تحركاته .. نعم إنه كالسجين .. لا يخرج من
البناء الذي يجتمع فيه مع الآخرين (الذين لا يشترط أن يتآلف معهم لا منطقه ولا عقله
ولا فكره أو مخططه وتخطيطه لأجل الدولة لأن المخططات والأوامر جاهزة والتنفيذ سار به
وبدونه .. فهو معطل الوجود إلا من صورته وعليه النطق فقط بما يؤمر) .. لا يخرج من مكانه
إلا عندما تأتي وسيلة النقل الخاصة به لتنقله في شارع فارغ من كل الناس إلا من مرافقيه
.. هو كالسجين الذي يذهب أخيراً إلى قفصه الذهبي .. كائن محكوم أنت يا أيها المسؤول
الأسدي .. كائن لا يمكنك الكلام إلا بما يقال لك ولا النطق بما تريد .. لأنك تلقّن
الكلام تلقيناً وتلقم التعاليم .. وممنوع عنك الرحيل إلا بأوامرهم وإن قضوا عليك بالدك
فليكن هكذا حكمك على علم منك ورضى وتسليم!! .. إما محكوم العمر بين قضبانهم أو يقضى
عليك لأنك مسجل على قائمتهم وكنيتك أصبحت كنيتهم .. إنك اليوم من عائلة الأسد شئت ذلك
أم أبيت .. سواء تلطختَ بدماء شعبك أم مرّرت تلطيخهم وكثرت سوادهم وكنت من أركان دولتهم
اعتبارياً .. من سيغفر لك يوم تتحقق إرادة الشعب؟ فأنت من الآن تعلن للناس وفاة وجودك
على أيدي دولة العصابات الأسدية الضاحكة عندما أحدهم يذل أخاه أو يورطه لوا يأبه به
.. إنها المسؤولية يا مسؤول!!!! .. فكم أنت مسكين .. كالمساجين يسير أحدكم وراء الآخر
لينتظر دوره في شارع صامت لا حراك فيه .. كم أنت ممتهن ولو كان هناك أناس ينظرون لكم
على أنكم مسؤولين لكنكم اليوم لستم بذاك البريق ولا أولئك الناس ينظرون لبريقكم إنهم
اليوم يلتقطون لقطات تكون عبرة لهم في قادم الأيام .. ويكأن الله يسلب الرزق ممن يشاء
ويقدر ونحن نرى قدره فيكم من اليوم .. اليوم يلتقط أولئك الناس لقطات تكملها مشاهد
الغد .. قارون أصبح الذين يتمنون مكانه بالأمس يقولون الحمد لله أن لم يجعل لنا ما
جعل لقارون .. بسطاء الناس اليوم ينتظرون في أرتال نعم، وأنتم تساهمون في صناعة الأرتال
بعدما أضحت إدارة الحياة من أشباه المستحيل ..
على أي حال .. تلك الصورة التي رسمت
اليوم هي الأزمة في الكرامة وهي الأزمة الإنسانية بكل معانيها لقطة أخيرة منها هذه
أحرفها : نصف إنسان في نفس الشارع الفارغ الذي يمر منه مسؤول مقاد إلى سجنه الذهبي
! .. نصف إنسان على الأرض ملتحف بأشباه قماش لا يظهر منها رأسه .. تمر بجانبه سيارة
مغلقة لا ترى خلف زجاجها الأسود أحد، أخجلاً .. أذوباناً .. أخوفاً من نصف إنسان؟؟!!
.. ثمة مسؤول باع أهله ووطنه لثلة سلمها كل شيء بما فيها ضميره الذي بات نصف ضمير مشلول..
فهل ترى هذه اللقطة يا من جعلت شباكك ساتراً عن أعين الناس؟ فهل تستطيع أن تستر الحقيقة
؟ أحتى لا يراك نصف الإنسان الملقى على الأرض رغم أنه أخفى رأسه خجلاً بك أو زهداً
برؤيتك .. أو ربما يكون قد ستر نفسه عنك وانتقل إلى ديار الحق دون أن يدري أحد بمن
فيهم أنت أيها المسؤول..
بقلم : شام صافي
16-5-2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق