الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-05-02

تعالوا لنعيش معًا في حبٍّ ووئام - بقلم: د: سعد العثمان


حديثان عظيمان، نطقَ بهما سيِّدُ ولد آدم عليه الصَّلاة والسَّلام، رويتُهما على مسامعِ المؤتمرين في المؤتمر الأخير في إسطنبول، الذي عقد بتاريخ 18 أبريل – نيسان 2013م، وكان شعار المؤتمر: سورية للجميع، أديان من أجل السَّلام، ونالَ الحديثانِ إعجابَ السَّامعين، وراقَ لهم لدرجة أنَّ البعض طلب مني كتابتُهما لهم، وطلبَ الغالبيةُ شرحَ الحديثين لهم، فبدأت بشرحهما وبيان معانيهما، وآخرُ الإعجاب بالحديثينِ طلبَ منظِّمُ المؤتمرِ كتابةَ مقالةٍ حول الحديثين الشَّريفين وتعميمها للجميع، ونشرها في وسائل الإعلام المختلفة، فصلَّى الله عليك يا علم الهدى، يا من أوتيت جوامع الكلم، ما أحلى أن نقدِّم الإسلام لطالبيه كما هو، من غير رتوش ولا خدوش، ومن غير تدخلات بشرية تحْرِفه عن مساره الصَّحيح، تَلوْتُ القرآن الكريم في ذلك المؤتمر، واخترت التلاوة من سورة البقرة، من آية الكرسي وما بعدها، فكان لوقع آيات القرآن الكريم على المنصتين تأثير كبير.


قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " العلم نقطة، كثَّره الجهلاء ". العلم قرآن وسنة بفهم سلف الأمة، قدِّموه هكذا يا دعاة الإسلام، مصعب بن عمير رضي الله عنه داعية الإسلام، وسفير خير الأنام في المدينة المنورة، كان لا يزيد في دعوته على تلاوة القرآن العظيم على من يرغب السَّماع، ولا يجبر أحدًا على الاستماع، فدخل غالبية سكان المدينة المنورة في الإسلام طواعية واختيارًا وحبًّا وإجلالًا، افهموا حقيقة الإسلام، غوصوا في اللباب، عيشوا روح الآيات والأحاديث، تعلموا مقاصد الشريعة الغرَّاء.

إنَّ أعظم وأخطر أمرٍّ يسئ للإسلام، هو تصرُّف المسلمين الخاطئ الغير مسئول، ومحاولة البعض منهم لوي أعناق النُّصوص الشَّرعية؛ لتأييد موقفه الخاطئ المتشنِّج تجاه قضيَّة ما، فخذوا على سبيل المثال لا الحصر، ممارسة البعض لفريضة الجهاد في سبيل الله، الكثير يمارس هذه الفريضة دون أن يعلم أحكامها وفقهها، وهذا خطر كبير محقَّق على الفرد الممارس وعلى الأمة جمعاء، ولذلك تحدث بممارسته الجاهلة الغير متبصِّرة عظامٌ ومدلهماتٌ ونكباتٌ، وعندما تقع المصيبة يقول بكلِّ بلاهة: ما كنت أعلم حكم هذا، ولو علمته لما أقدمت على فعله، العذر أقبح من الذَّنب، وما ينفع الاعتذار عقِب ذهاب النَّفس وحصول الألم والمصيبة، ما نفع أسامة بن زيد رضي الله عنه جهله، عندما قتل من ألقى إليه السَّلام، حتى أنَّ أسامة رضي الله عنه تمنَّى لو أنَّه لم يسلم قبل ذلك اليوم، لما رأى الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله.

فرض الجهاد في سبيل الله تعالى لرفع حالة الإكراه عن عقل وتفكير الإنسان، ولإزالة النُّظم والحكومات التي تكره شعوبها على الاستعباد لها، ومنعها من حرية الاختيار للدين الذي تطمئن إليه. ويخطئ كثيرًا من يقول أنَّ الإسلام انتشر بالسَّيف، بل كان هدي النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه عندما يصبِّح القوم يعرض عليهم ثلاثًا: أن يدخلوا في الإسلام بدون إكراه وضغط، فإن أبوا الإسلام طوعًا، تركهم وما يدينون به، بشرط دفع الجزية مقابل حمايتهم والدِّفاع عنهم، فإن أبوا ذلك، فالسَّيف بينه وبينهم، حتى يحكم الله بينهم، وهو خير الحاكمين، فالإسلام يريد أن يرفع الإكراه عن النَّاس، فيعتقد كل واحد ما يشاء ويريد، ولا يكره أحد على معتقد لا يريده.

إنَّ الجهاد في سبيل الله، حركة تغيير سريعة وعنيفة، تفقد اتزانها إذا لم تضبط بالشَّرع والشُّورى، فبالشرع يعرف المجاهد الحقَّ؛ فيقف عنده، وبالشُّورى يعرف المصلحة؛ فيعمل بها، ولذلك على الدُّعاة والعلماء أن يبينوا للمجاهدين الحقَّ والمصلحة الرَّاجحة، حماية للمجاهدين من الوقوع في أخطاء تجلب على الأمة مفاسد هي بغنى عنها.
بعد هذه المقدِّمة المهمَّة أعرض عليكم الحديثين اللذين رويتهما للمؤتمرين:

الحديث الأول:
روى الإمام مسلم في صحيحه، عن مُوسَى بْن علَيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ بنُ شدادٍ الْقُرَشِيُّ، عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ ). فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ. قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالاً خمسًا، وهي:
1-           أَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ.
2-           وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ.
3-           وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ.
4-           وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ.
5-           وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ.

شرح الحديث:
خصال عظيمة في الرُّوم ذكرها الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه، يؤكِّد فيهنَّ سبب كونهم عندما تقوم السَّاعة أكثر النَّاس، وهذه الخصال تدل على أهمية أخلاق التضامن الاجتماعي، وأخذ الأمور بأناة، والتماسك عند نزول المحن، ووضع خطط مواجهة الأزمات، وتوفر مؤسسات الرحمة بالضعفاء، وهي استنباطات ذكية واعية حضارية غاية في الأهمية. وما أروع كلمتَه رضي الله عنه: وأمنَعُهُم من ظُلم الملوك، مما يدل على منظومة مؤسسات سياسية، تحاسب وتراقب وتشرف على تحقيق العدل في الحكم، ومنع الظلم والجور والتسلط في البلاد. وهذه الخصال الخمسة، قد رغَّبت وحثَّت عليها الأديان السماوية كلُّها، ومن عمل بها، وحافظ على الضروريات الخمس المعروفة حكم العباد والبلاد، وساد وعلا شأنه وارتفع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية  رحمه الله في الفتاوى 28/63: ( فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّ عَاقِبَةَ الظُّلْمِ وَخِيمَةٌ، وَعَاقِبَةُ الْعَدْلِ كَرِيمَةٌ، وَلِهَذَا يُرْوَى: " اللَّهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ، وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً. وَلَا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً " .

الحديث الثاني:
روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى عليه وسلَّم: (أنا أولى الناسِ بعيسى ابنِ مريمَ في الدنيا والآخرةِ، والأنبياءُ إخوةٌ لِعَلَّات، أمهاتُهم شتَّى، ودينُهم واحدٌ).

شرح الحديث:
قال جمهور العلماء: معنى الحديث أصل إيمانهم واحد، وشرائعهم مختلفة، فإنهم متفقون في أصول التوحيد، وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف .شرح النووي على صحيح مسلم: 15/120.

فهذا الحديث يوضح أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كالإخوة لأب, أمهاتهم مختلفة، وأبوهم واحد, فقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقهم في التوحيد والإسلام وأصول الإيمان باشتراك الإخوة لأب في أب واحد.

ومثل اختلافهم في فروع الشرائع باختلاف هؤلاء الإخوة في أمهاتهم, إذا فدين الأنبياء عليهم السلام واحد, ودعوتهم واحدة, وهي الإسلام بمعناه العام, الذي يعني الاستسلام لله عزَّ وجلَّ وتوحيده وإفراده بالعبادة دون ما سواه, قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) آل عمران: 19.

 كما أن هناك أموراً أخرى اتفقت عليها جميع الأديان والرسالات ودعت إليها, وهي الأخلاق والقيم التي فطر الله الناس عليها, فقد تضمنتها دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, ولا يمكن أن يعتريها تبديل أو تغيير أو نسخ.

مثلها مثل التوحيد وأصول الإيمان, ومن أمثلة تلك الأخلاق والقيم, بر الوالدين, وإقامة القسط بين الناس, وتحريم الفواحش والظلم وقتل النفس بغير حق, وغير ذلك من محاسن الأخلاق, وما عدا ذلك فقد جعل الله لكل رسول شريعة خاصة به لقومه. قال سبحانه:  (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) المائدة: 48 ، حتى ختم الله جميع الرسالات والشرائع بما أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, من الرسالة الخالدة, والشريعة الكاملة الشاملة, التي كتب الله لها البقاء والخلود والقيام بمصالح العباد في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الأمثال على كمال هذه الرسالة, وكيف أن الله ختم بها جميع الرسالات, روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي؛ كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين).

ففي هذا الحديث مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموكب الكريم موكب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتعاقب إرسالهم إلى الناس بالبيت الذي أسست قواعده، ورفع بنيانه, وقد اعتنى صاحبه عناية شديدة بعمارته وتزيينه، حتى بلغ الغاية في الحسن والجمال, ولم يبق له إلا موضع حجر في زاوية، به يتم هذا البناء، ويكتمل حسنه وجماله, فشبه النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وما بُعث به من الرسالة الخاتمة بهذا الحجر الذي اكتمل به هذا البنيان, فبمبعثه عليه الصلاة والسلام ختمت الرسالات, وتمت الشرائع, وقامت الحجة على العباد, وجمع الله عز وجل في هذه الشريعة ما تفرق في الشرائع السابقة من الخير والهدى, فجاءت بجميع مصالح العباد الدنيوية والأخروية, منظمة لنواحي حياتهم المختلفة, مغنية لهم عما سواها في جميع شؤونهم, ولو طال بهم الأمد, واختلفت الأحوال والظروف, حضارة وثقافة, وقوة وضعفاً.

وضع الإسلام للعلاقات بين بني آدم قواعد تسعة، فعلى كل إنسان يريد العيش مع بني الإنسان مراعاة هذه القواعد، كي يعيش معزَّزاً مكرَّمًا، وهي على النَّحو الآتي:

القاعدة الأولى: تكريم جنس الإنسان واحترامه وتقديره، قال الله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر و البحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) الإسراء: 70.

القاعدة الثانية: الرأفة والرحمة واللين والرفق، قال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء: 107. وقال صلَّى الله عليه وسلَّم:( في كل كبد رطبة أجر) رواه البخاري.

القاعدة الثَّالثة: العدل والقسط، قال الله تعالى: (إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان)النحل:90. وقال تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) المائدة:8. والعدل أساس الملك والحكم. يقول ابن خلدون: (الظلم مؤذن بخراب العمران).

القاعدة الرَّابعة: المساواة، قال الله تعالى: (إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات: 13. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على أعجمي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر؛ إلا بالتقوى) رواه أحمد.

القاعدة الخامسة: المعاملة بالمثل، وعدم التعدي والزيادة عن المثل، قال الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) البقرة: 194.

القاعدة السَّادسة: التَّمسك بالفضائل، ونبذ وترك الرَّذائل، قال الله تعالى:(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) فصلت:34.

القاعدة السَّابعة: منح الحرية المنضبطة لا المطلقة، قال الله تعالى :( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا  أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)يونس:99. وقال الله تعالى:(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)البقرة 256.

القاعدة الثَّامنة: التعاون على الخير، قال الله تعالى:(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)المائدة: 2.

القاعدة التَّاسعة: الوفاء بالوعد والعهد، قال الله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)المائدة: 1. وقال الله تعالى:( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) الإسراء: 34.
إذا راعى كل إنسان القواعد التسعة السابقة، ونفَّذها بإخلاص ورغبة، وعمل على نشرها وتعليمها غيره، وتربية أولاده ومن يلوذ به عليها، ودُرِّست وعُلِّمت ووضِّحت في المعاهد والمدارس والجامعات، نتج لنا في القريب العاجل جيل يعيش حياته بأمن وأمان وسعادة ووئام، خاصة والعالم اليوم قرية واحدة، ولا بد من أن نعيش في هذا الكون وكأنَّا في بلد واحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق