الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-05-14

كيف كشف آل الأسد (عورات) الطائفة؟ وهل كانت حقاً بحاجة لذلك؟ - طريف يوسف آغا


     
لاشك أن كل فئة، أغلبية كانت أو أقلية، دينية كانت أو سياسية، لها ماأسميه (عورات) اجتماعية أو عقيدية أو تاريخية تحاول التكتم عليها وإبقائها في الظل وممارستها بالسر وخلف أبواب مغلقة. ومثال ذلك استشارة المنجمين لكشف المستور ومعرفة المستقبل واستعمال التعويذات (جمع تعويذة أو حجاب) لمنع الحسد، وطرد الشياطين واللجوء للسحر لجعل هذا يكره أو يحب هذه وغير ذلك. لاشك أن بعض هذه العادات أو المعتقدات (العورات) تعود لمئات، وحتى آلاف السنين، ولكن الملفت للنظر أن فئات وشرائح كثيرة من الناس مازالت تؤمن بها وتمارسها حتى اليوم في عصر الفضاء والذرة وثورة الاتصالات. والملفت للنظر أكثر، أن طائفة واحدة بعينها، وهي (العلوية)، قد جمعت أكبر عدد من تلك (العورات) على مدى أكثر من اثني عشر قرناً ولاتزال شريحة كبيرة منها مصرة على الاحتفاظ بها وممارستها، سراً أحيانا، وعلناً أحياناً اخرى.


     ليس هدفي هنا في هذا المقال الحكم الديني على معتقدات (الطائفة الكريمة)، تاركاً ذلك لعلماء الدين، بل سأشير إلى أصول تلك المعتقدات وانعكاساتها السياسية والاجتماعية والقانونية على أصحابها ومحيطهم. والجدير بالذكر أيضاً بأن تلك (العورات) كان يمكن أن تبقى من (خصوصيات) أبناء الطائفة دون أن يؤذون بها أحداً، أو يؤذيهم بسببها أحد، لو أن زعمائهم عبر التاريخ، وخاصة آل الأسد،  كانوا أكثر حكمة وحرصاً ونصحوهم بالتعايش السلمي والايجابي مع محيطهم، لا أن يكونوا أداة هدم وقتل كلما سنحت الفرصة منذ نزوحهم إلى سورية وحتى اليوم.

     العورة الأولى: تأليه الزعيم. كما سبق وأشرت في مقالات سابقة، فالطائفة العلوية، والتي كانت تدعى (النصيرية)، ولسوء حظها وحظ محيطها، قد ولدت ولادة (انتحارية) غير قابلة للتعايش مع أي مجتمع في ذلك الزمان، وربما في أي زمان. فكافة الديانات السماوية الثلاث المعروفة حينها والمعروفة اليوم، وليس الاسلام فقط، كانت وماتزال وستبقى تكفر من يؤمن بأن روح الرب تنتقل من زعيم لمن يأتي بعده بالوراثة. وإذا عدنا إلى أصول هذا المعتقد بالذات لوجدنا مايشبهه في أساطير الحضارات القديمة كالفينيقية والبابلية وبعدها الاغريقية وغيرها، حيث جعلوا لكل ظاهرة طبيعية إلهاً خاصاً بها. فكان هناك إله البحر والمطر والحب وغير ذلك، وحيث كان لكل إله مغامرات عاطفية مع بني البشر حيث ينتج عن تلك المغامرات مواليد أنصاف آلهة من أمثال هرقل وغيره. لاشك أن هذه الأساطير تشكل مادة ممتعة وغنية للقراءة وللتعرف على طبيعة الحضارات القديمة. ولكن أن يأت مؤسس الطائفة (ابن نصير) ويقتبس منها مجيزاً تأليه البشر ليستأثر بالحكم فهذا أمر آخر، أصاب فيه أتباعه بلعنة مازالت آثارها المدمرة عليهم وعلى محيطهم واضحة اليوم.

العورة الثانية: تناسخ الأرواح وانكار القيامة. أي عودة الأرواح بعد الموت في أجساد مواليد جدد إذا كان إلههم راض عنهم، أو عودتها في أجساد حيوانات إذا لم يكن راض. وهذا المعتقد ينفي وجود يوم القيامة، وبالتالي فهم لايعتقدون بأنهم سيحاسبون على أعمالهم التي ارتكبوها. وهذا أيضاً يخالف الديانات السماوية الثلاث، وليس الاسلام فقط. أما إذا عدنا إلى أصول هذا المعتقد، سنجد له جذوراً في ديانات الحضارات القديمة كالفرعونية والهندوسية والبوذية وغيرها التي ظهرت منذ آلاف السنين.

العورة الثالثة: السماح بالشذوذ الجنسي. وهذا ماأباحه (ابن نصير) في تعاليمه لرجال الطائفة باعتباره دليلاً عن (الحب والتذلل للمحبوب) وأنه متعة، وكل متعة مباحة. هذا المعتقد، كسابقيه، يخالف كافة الديانات السماوية الثلاث، وأيضاً معظم القوانين الرسمية المعمول بها شرقاً وغرباً، ناهيك عن رأي الطب فيه. ولكن هذا الأمر، كسابقيه أيضاً، سنجد له أصولاً في قصص الكتب المقدسة كقوم لوط ومملكتي سدوم وعمورية. وسنجد له أيضاً أصولاً في الحضارات والممالك القديمة كالاغريقية والفارسية، وعادة ماينتشر حين يميل المجتمع باتجاه العسكرة والتمحور حول الجيش ويغرق في الصراعات والحروب المتواصلة لضمان بقائه. وهذا ماحصل في مملكة (إسبرطة) اليونانية في القرن العاشر قبل الميلاد والتي أجدها أقرب نموذج من التاريخ القديم لما أراد (الأسد الأب) أن ينسخ طائفته ومملكته عليه، (وهذا يبدو مايفسر عشق العلويين للبوط العسكري). الفرق بين الحالتين أن (إسبرطة) لم تعمل لصالح قوى خارجية، بل على العكس، صدت غزو (الفرس) عن اليونان في ذلك الوقت.

العورة الرابعة: عبادة العضو التناسلي للمرأة كرمز للخصوبة. كما هو الحال في الأمور السابقة، فقد كان علي البحث عن أصول هذه الممارسة، فوجدتها قد ظهرت في الحضارة الفارسية، وأيضاً قبل ذلك في حضارات أقدم ازدهرت في الهلال الخصيب وشرق البحر المتوسط في أفاميا ومصياف والسلمية حيث وجدت تماثيل ومنحوتات تجسد تلك الظاهرة وتصورها على الأعمدة والجدران.

العورة الخامسة: احتقار المرأة بذاتها وحرمانها من ممارسة طقوس الدين. طالما نظرت الطائفة لنفسها عبر التاريخ  كطائفة ذكورية، بينما نظرت للمرأة على أنها ضعيفة العقل وعديمة الروح وبالتالي لاتصلح إلا كسلعة وكأداة للاخصاب والولادة فحسب. ولهذا ازدرتها ومنعتها من تعلم وممارسة طقوس العبادة وكذلك من حقوق أساسية كالوراثة من والدها في حال وجود إخوة ذكور، وجعلتها مشاعة ضمن الطائفة كما وأباحت زواج الرجال من المحارم من أخت وابنة وغيرها. كما وعرف عندهم ماقد عرف في روما القديمة من حفلات صاخبة تجري في الظلام يتبادل المشاركون فيها النساء دون تحديد، ولهذا نراهم اليوم يستسهلون انتهاك الأعراض على أنها أمور عادية وللتسلية فحسب.

العورة السادسة: تقديم القرابين البشرية. فوجئ الشعب السوري والعالم بممارسات شبيحة الطائفة خلال الثورة الحالية بذبح وحرق المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ الأغلبية السنية، بالرغم من قدرتهم على قتلهم باطلاق الرصاص عليهم. ولكن وبالعودة إلى التاريخ القديم، فقد عرفت حضارات كانت تقدم القرابين البشرية للآلهة طمعاً في رضاها وجلب الخير عليها أو دفع الكوارث عنها، كحضارة الفراعنة والبابليين والمايا والأنكا وغيرها. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فقد عرف عن بعض الأقوام أيضاً إعدام أعدائهم وأيضاً الكفرة والزنادقة منهم حرقاً بالنار، كالفرس الذين قدسوا النار وعبدوها.

    كما قلت في البداية، فان هذه (العورات)، ماعدا تلك التي تبيح القتل وتعطيه صفة الطقوس الدينية، كان يمكن أن تبقى (أموراً شخصية) لأفراد الطائفة لولا أن (آل الأسد) دفع بهؤلاء الأفراد إلى الواجهة واستعملهم كأداة لجلد الشعب السوري على مدى الأربعة عقود الماضية، مما أسقط عنهم ورقة التوت التي كانت تستر تلك العورات أمام غالبية الشعب لقرون مضت، مما أدى لتسليط الضوء عليها وفضحها، أو التذكير بها كونها كانت معروفة لدى العلماء. ولكن، وكما ذكرت في الماضي، فمن أتيحت له منهم فرصة التعلم والاحتكاك بالمجتمعات المتحضرة، فقد رفض تلك المعتقدات المهترئة والخرافية جملة وتفصيلاً، ووقف ضد هذا النظام الوحشي وعارضه حتى ماقبل الثورة، مما جعله يعاني من السجون والتعذيب والقتل، مثله مثل غيره، وإن كان هؤلاء منهم قلة.

     لاشك أن مافي هذا المقال لايسر أفراد (الطائفة الكريمة) ممن مازال منهم على (الأصول)، فهم أنفسهم يعترفون بغرائبية معتقداتهم، ولذلك يمارسونها بالسر ويصنفون بالمجمل مع الفرق (الباطنية). ولكن الخبر السار لهم هو أن الكثير من المجتمعات الآن، وخاصة الغربية منها، أصبحت (علمانية) بكل معنى الكلمة (وليس بالاسم) بحيث يمكن أن تتقبل فيها أي فئة من أي معتقد مادامت هذه الفئة لا تذبح ولا تحرق ولا تغتصب أحداً، فإذا رضيت أن تعيش تحت ظل القانون الذي يسري على الجميع، فلتعبد حتى الشيطان بعد ذلك لو أرادت.   

بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
الاثنين 3 رجب 1434، 13 أيار، مايس 2013
هيوستن / تكساس
http://sites.google.com/site/tarifspoetry

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق