من أخطر الأمور التي ابتليت بها الثورة
السورية، المقارنة بين إسرائيل والنظام السوري حيث قيل بأن إسرائيل أرحم منه .. واليوم
هناك من يقول أن إسرائيل بما فعلته الليلة من قصف مواقع عسكرية هو أكثر مما فعله العرب
والمسلمون لنصرة الثورة وأهم وهذا وهم ما بعده وهم .. في الحقيقة إن هذه النظرة للأمور
جد خطيرة لمستقبل الأمة وكينونة تفكيرها ومنطقها إن تحدثنا بهذا المنطق منطق المقارنة
بين النظام السوري وإسرائيل أو بين إسرائيل وما يقدمه العرب والمسلمون للثورة .. أخطر
منطق هو منطق المقارنات من زاوية المساندة "إسرائيل والعرب " لأحد الطرفين
الشعب والنظام .. أو مدى الرحمة أو الإجرام بين نظامين "إسرائيل والنظام السوري"
.. لاحظوا أنه في كلا المقارنتين فإسرائيل هي العامل المشترك الذي يحظى بالتفضيل!!!!!
التفضيل على النظام السوري في رحمته بالعدو!! واليوم موقف التفضيل على العرب في مساندة
الشعب المظلوم!!، ولعمري فهذا من أخطر الأمور التي تحصل فيها المقارنات، فما من واقع
أسوأ مما نحن فيه وما من سبب أساسي لهذا إلا وجود هذا الكيان الإسرائيلي الذي يلعب
بالمنطقة كما يشاء بتخطيطه ومنظومته القوية .. مستفيداً من كل حدث بالمنطقة ليقلبه
لصالحه ..
أولاً : إن إسرائيل ليست بأرحم من
النظام في تعاملها مع عدوها، ولكنها أذكى منه بكثير والنظام في السوري في أقصى درجات
الغباء، فعندما قامت الانتفاضة منذ سنة والمظاهرات ضد إسرائيل لم تستخدم معه الأسلحة
والطائرات والبراميل كما فعل النظام بشعبه وإنما اكتفت بغازات مسيلة للدموع ثم تفرقوا
دون حاجة لأكثر من ذلك .. وهذا عين الذكاء فهي تحفظ مقدراتها وطاقاتها لما هو أهم
.. بينما غباء النظام السوري في تلك الفترة نفسها كان بحيث استعمل الرصاص وصولاً للصواريخ
والأسلحة الكيميائية ضد عزّل !! ولم يحمي مقدراته بل تركها عرضة للانتهاك من القوى
الحقيقية التي ليست هي الشعب الأعزل (الذي جعله العدو الأول!!) فدخلت إسرائيل واستعملت
طائراتها لقصف الأسلحة التي قد تصبح عدوة في يوم من الأيام وبهذا فالبلد السوري الذي
سيعود لشعبه لن يكون قادراً في يوم من الأيام بعد سقوط النظام وذهاب هذه الثلة الحامية
لإسرائيل لن يكون قادراً .. حيثما وقع وأينما وقع في أي يد كانت لن يكون قادراً بأسلحته
على مجابهتها .. هي تفكر بأمنها فحسب ولا تفكر أبداً بشعب مسكين أعزل .. هذا من أرسخ
الأمور وأرجو أن يكون حلقة في الأذن لا تزال .. إنها تفكر بأمنها وبنفسها فحسب .. هي
تنظر للبعيد فالنصر القادم هو للشعب الذي سيقوم باسترداد بلاده ويجب ألا يبقى في بلاده
أي قوة تقارع إسرائيل .. يجب أن تفنى كل قوة فيه حتى إذا وقع في أي يد أخرى غير النظام-
الذي حماها والآن انتهت صلاحيته أو على وشك الانتهاء- فلن يكون خطراً عليها وقد دمرت
كل مقدراته وأسلحته..
لم يكن شن الغارة رفعاً لمعنويات المعارضة
كما يدعي النظام .. ولكن الظروف خدمتها (وهي من ضمن حسابات إسرائيل أيضاً) الزمان والمكان
المناسب دون خسائر .. ولو كانت صادقة في إنهاء المعاناة أو الانتصار للشعب فما أسهل
ذلك -وقد أصبحت استخباراتها في قلب البلاد- أن تقصف رأس العصابة وقد قيل أنه نزل إلى
الجامعة في حي البرامكة وألقى كلمة في نفس اليوم ظانّاً أنه يرفع هو معنويات مؤيديه
بعد انتصار المجزرة بحق الأطفال والنساء في بانياس..
إسرائيل مكرها بذكاء والنظام مكره
بغباء .. إسرائيل المجرم الذي يتستر وراء رأس النظام .. والنظام بغبائه يتصدر قائمة
إرهاب لم يشهد القرن له مثيلاً .. إسرائيل تجرم في حق الشعب من وراء وهو أداتها في
الإجرام تستخدمه .. سواء برضاه أو بسخطه وسواء اتفقت معه على ذلك أو لم تتفق .. ولا
أتكلم من منطق المؤامرة والتآمر أبداً .. لا بل أتكلم من منطق السياسة التي تتبعها
وتكون فيها هي الرابحة دائما .. ولكن انظروا استفادتها كيف تكون .. ولأقرب المثال سأصغره
قليلاً وأطبقه على مثال قريب من الأذهان لنا جميعاً:
إن شن غارات إسرائيلية على مراكز القوى
للأسلحة التابعة للنظام في الوقت الذي افتعل فيه المجازر ضد شعبه مصعداً من إجرامه
ليس خدمة للثورة أبداً .. أليس كان من الأحرى -لو كان ذلك صحيحاً- أن يقصفوا قصره أو
مكان وجوده وما أسهل ذلك عليهم؟! هذا أكبر دليل على أن إسرائيل سعيدة بوجوده ويهمها
بقاؤه حتى ينفذ آخر أهدافها حتى نهايته فيدمر مقدرات وبنى سورية ثم عندما تنتهي مهمته
تقوم بإنهائه أو الاستفادة من نهيته وترتيبها وما بعده كما فعل تماماً مع البوطي
.. استنفذ كل فوائده وخدماته ثم عندما انتهت مهمته وأراد أن تكون نهايته ورقة رابحة
افتعل طريقة موته بتدبير .. نفس السيناريو تفعله إسرائيل معه الآن كونه حليفها الوفي
الذي حقق كل مصالحها ثم وفي لمحة عين عندما تنتهي كل مقدرات البلاد وترى أنه حان الوقت
للانتهاء منه بتقديرها يمكن لها أن تنهيه أو تستفيد من نهايته .. ولا أقول هذا من منطق
أنها هي من تحكم العالم أو تديره أو تأمر وتنهي .. وإنما قوتها وذكاؤها في التعامل
مع الأحداث وتسييس الأمور ودراستها ومخططاتها جديرة وكفيلة بتحقيق ما تريده .. فإن
أرادت كان بحسن تدبيرها ..
أتكلم في هذا المقال من منطق التدبير
والتخطيط .. والاستفادة من كل الأحداث والظروف بشكل ذكي لصالح الذي يخطط .. إن النظام
يتعامل تعامل المنتهي والذي أخرج كل ما لديه من قوة وأخطاء بحماقة وعنجهية على أعزل
.. أما إسرائيل فتفعل فعلها فعل الباقي المنتصر الذي لم يتكبد أي خسائر .. هي تحرص
على خسائرها بينما النظام لا يحرص على شيء بما في ذلك طائفته التي حكم عليها بالإبادة
وعلى بلاده بالدمار إضافة إلى انتهائه .. هو حكم بغبائه على الجميع بالدمار بينما هي
تستفيد من هذا الحكم وترى ون زاوية أنه لا يجب أن يكون عدوي قوياً مهما كان ومن كان
.. إسرائيل تعرف متى وكيف وماذا تستخدم .. أما النظام يضرب ضرب الراحلين المنتهين
.. النظام أداة في يد إسرائيل من هذا المنطلق .. النظام يحقق لإسرائيل حلمها وللأسف
فهناك من يصدق أو يقول بالمقارنة التي افتتحت المقال لأجلها في سذاجة لا يعلم أبعاد
ذلك وخطورته .. على العقل والتفكير أولاً وبالتالي على العقل الجمعي ثانياً وعلى الواقع
الحالي في حربنا التي أضحت متعددة مع تعدد القوى التي هدفها المشتركة فيه جميعاً :
كبت حرية هذا الشعب وإرادته لأنه باختصار .. "شعب يخشون حقيقة انتصاره"
وأخيراً .. لله جنوده والكل عبيده
وتحت أمره وفي دائرة علمه وحكمه وتدبيره وإرادته وقد ينصر الله دينه بفاجر.
بقلم: شام صافي
5-5-2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق