الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-05-24

الشيخ خزعل الكعبي ونجل السفير - بقلم: أيهم نور الدين


كنت تلميذاً في الصف الرابع الابتدائي عندما سقط الشاه وبدأ حكم آيات الله  دام ظلهم وبرهانهم وخمسهم وتفخّذهم أجمعين .

أجمل ما في دروس الصف الرابع مادة التربية الوطنية , أوَ لسنا أشبال البعث , ومشروع أسود صغار لذلك المستأسد الذي يحكم دمشق .

في الفصل الأول من ذلك العام الدراسي , لم يكن الخميني قد وصل من باريس بعد , وبالتالي فإن الشاه العميل هو من كان يحكم .

تعاليم البعث وحتميته التاريخية وممانعته تنضح من كل صفحة في المنهاج , فما بالكم بدروس التربية الوطنية .


التباكي على فلسطين وسيناء والجولان ولوائنا السليب شربناه حتى آخر قطرة , أما عربستان , ذلك الأقليم العربي الذي التهمه بكل جشع وصفاقه أجداد الشاه العميل , فقد أخذ نصيبه كذلك من التباكي .

فصل كامل عن بطولات الشيخ خزعل في سبيل تحرير إقليم عربستان ( الأحواز )  وإعادته لحضن الأمة العربية أثرت بعقلي الصغير , فقد ألهبت داخلي – بعمق - فروسيته واقتحامه عتبات الموت المضمخة بغبار المعارك ورائحة البارود وهو يقود المجاهدين على صهوة جواده العربي الأصيل , لكن الحقد الفارسي , مدعوماً بحاطبي الليل في الاستخبارات البريطانية سرعان ما أوقف هذا المد العروبي الأصيل , ثم أغتالت يد الغدر : الشهيد البطل خزعل الكعبي مسدلة الستار على أنصع صفحات النضال العربي في سبيل الحرية .

لقد أكد لنا كتاب التربية الوطنية أن سيرة نضال الشيخ خزعل كانت المنارة التي أشعلت لهيب الثورة في الأحواز العربي كله , وأن عربستان ستعود يوماً لحضن الأمة العربية طالما أن كل أحوازي أصيل هو الشيخ الشهيد خزعل ...

انتصرت ثورة آيات الله , وهلل النصيرون وكبروا لوصول الخميني لسدة الحكم , إثرها مباشرةً نشأ ذلك الحلف الصفوي – النصيري الذي مهد لرهن سورية برمتها لصالح قم , ودخل النظام السوري بحلف استراتيجي مع آيات الله ضد عدوهما التقليدي المشترك  " العراق " .

على الفور قام النظام السوري بإرسال الشيخ خزعل ونضاله وعروبته وجهاده إلى مزبلة التاريخ .

تغيرت المناهج الدراسية على الفور , وكان لزاماً علينا في الفصل الثاني شتم مشيخات الخليج " عملاء بريطانيا , وصنيعتهم الشيخ خزعل الكعبي وهدفه الذي لا يخفى على عاقل : تقسيم المقسم وتجزئة المجزّئ لخلق شوكة في خاصرة الدولة الإيرانية المسلمة والصديقة , حيث تعمل الدويلة التي سعى هذا العميل لخلقها على الحدود الشمالية الغربية لإيران كطابور خامس لصالح الإمبريالية العالمية ...

في تلك الأيام كان علينا أن نشتم – ع البيعة – كامب ديفيد والسادات ومشروع فهد.
كان الملك الراحل " فهد " وزيراً لخارجية المملكة العربية السعودية حينها , وتقدم وقتذاك  بمشروع سابق لعصره بعشرين عاماً على الأقل , وهو ما لم يعجب المناضلين في دولة البعث  فبدؤوا بإسقاطه ومشروعه علناً عبر الشعارات البذيئة التي اشتهر بها نظامنا العروبي الممانع .

لم يشفع لدول الخليج المليارات الأربعة التي تصبها في جيوب الأسد ونظامه سنوياً تحت بند " دعم دول المواجهة " , ولا احتضان السعودية لمئات الآف السوريين الذين رفدوا خزينة الدولة التي أفلستها سياسيات البعث واشتراكيته البغيضة بمليارات الدولارات .
الأستاذ – نفسه – الذي دمعت عيناه وهو يحدثنا عن بطولات الشيخ الشهيد خزعل الكعبي في الفصل الدراسي الأول , هو من كان يشتم العميل المأجور خزعل الكعبي وأسياده في مشيخات الخليج ولندن وواشنطن .

بدا وكأن ثأراً شخصياً ما  بين الأستاذ المناضل والعميل خزعل , فقد كان يتشنج وتجحظ عيناه كلما تلفظ باسمه , ويريد أن يغسل لسانه سبع مرات إحداهن بالتراب تطهيراً للسانه من ربق هذا الاسم .

تشنج الأستاذ في إحدى المرات وكاد أن ينفجر أكثر من أي مرة , حينها بالذات فُتح الباب ليطل رأس المدير نصف الأصلع ووراءه طالب أنيق الهندام , خجول بعض الشيء.

تحدث المدير مع الأستاذ قليلاً ثم التفت إلينا قائلاً : هذا زميلكم عبد الرحمن من السعودية , أتى ليتابع دراسته معكم , وقد اخترت له شعبتكم لأنها الأكثر تفوقاً بين الشعب الأخرى .

ثم استدار وخرج تاركاً الطلاب يتنافسون في تقديم مقاعدهم لعبد الرحمن .
حسم الأستاذ الموضوع بأن أجلسه قرب أيمن , أحكم طلاب صفنا وأكثرهم هدوءاً .
أنقذ حضور عبد الرحمن الشيخ خزعل من مسلسل الردح والشتائم , أراد الأستاذ استعراض منجزات البعث كلها أمام عبد الرحمن فبدأ بالحديث عن الفقر المدقع في السعودية , وعن شركة آرامكو التي تمتص دماء البشر هناك كأي دراكولا , ثم هاجم مشروع فهد وبدأ بالشتم والتلفظ بمفردات لا يصح التفوه بها أمام طلاب الصف الرابع الابتدائي .

علائم الحيرة والارتباك وعدم الفهم تلوح على وجه عبد الرحمن , والأستاذ الذي لم يرحمه قيد شعرة كان يزيد العيار تدريجياً ثم تحول ليلعب دور شرلوك هولمز .

استنتج الأستاذ بكل بساطه أن والد عبد الرحمن هو أحد السعوديين الكادحين – ضحايا آرامكو – ولأنه شريف ونزيه فأنه لا يملك قوت يومه ولا يستطيع بالتالي إتمام تعليم ولده في ظل الغلاء الفاحش في السعودية , فلم  يكن أمامه إلا إرساله لسورية الأسد ليعب فيها من العلم المجاني العقائدي ما شاء له أن يعب .

أدرك الأستاذ أن عليه إثبات صحة فراسته بعبد الرحمن الكادح ابن الكادح أمامنا , فسأله متعالياً بأبوّة  وعلائم الشفقة تلوح على وجهه : قل لرفاقك , ماذا يعمل والدك الكادح ولا تخجل , فجميعنا هنا أبناء الكادحين , وأنت يا بني في دولة الكادحين .
رد عبد الرحمن بصوت خافت : السفير السعودي في دمشق.

بدا وكأن عشرين جنّاً قد تلبسوا الأستاذ , فقفز من مكانه نصف متر وقد احمر وجهه لدرجة الانفجار .
صرخ بلا وعيه مدمراً كل  إحساس له بالكرامة : منشان الله يا ابني لا تجيب سيرة لأبوك.

ساد الهرج والمرج الصف ورن الجرس , لم يترك الأستاذ لحظة من الفرصة تمر دون تقية , فقد أكد على عبد الرحمن أن ما قاله يقصد به الإشادة  بدور المملكة العربية السعودية الريادي في تعزيز ودعم صمود شقيقتها سورية في مواجهة المخطط الصهيوني الشوفيني.
عبد الرحمن غير المعتاد على هكذا نوع من المصطلحات التقدمية لم يفهم شيئاً من المديح الذي كاله الأستاذ , كما أنه لم يفهم شيئاً من السباب كذلك , وكان هذا لحسن طالع الأستاذ ...

أتم عبد الرحمن العام الدراسي معنا , وبينما كان زملاؤنا في الشعب الأخرى يسقطون الشيخ خزعل والسادات ومشروع فهد في حصة التربية الوطنية , كان صفنا , وبناء على تعليمات مشددة من شعبة الحزب الأولى , يركز على الدور الريادي الهام للمملكة العربية السعودية في تعزيز صمود شعبنا العربي السوري استعداداً لمعركته المصيرية القادمة مع الكيان الصهيوني .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق