نحن
من دون دون رؤية نسير إلى العراء. العالم يحاول طحن قمحه في الطاحونة التي يريدها....وكل
يعمل ليمتلك رؤاه ومصالحه. لكن أين رؤيتنا
في قيادة الثورة السورية سياسيا وواقعيا، خصوصا بعد كل هذه الدماء والتضحيات؟ وماهي
مصلحتنا، لكي نعمل عليها؟ نحن في ظل كل الضجيج حولنا.. مازلنا، للأسف، نكتفي بأن نسمع جعجعة ولا نرى طحينا.
حاول الطرفان الروسي والأمريكي في
اللقاء الصحفي الذي جمعهما ضمن مصلحة ورؤية حاصة بهما، تمثيل الود واصطناع الوفاق، بالمراوغة، من أجل حماية
مصالحهماـ للخروج بما يناسبهما من حل سياسي،
للأزمة السورية وتشكيل الحكومة الانتقالية الموسعة ذات الصلاحيات، والمكونة من نظام
بشار ومن المعارضة. واقترحا لذلك مؤتمرا دوليا نهاية شهر أيار يبحت ويدبّر هذا
الأمر... فلماذا يغعلان ونكتفي نحن بالثرثرة في هامش الأفعال وردات الأفعال الانفعاليّة؟
أمريكا وحلفاؤها يبحثون عن مصالحهم ولا يهمهم
من سوريا إلا ماسيحصدون من مكاسب وما سييتخطّون من خسائر. وهم يخافون من عدة أمور ،
ويحاولون اللجوء إلى المراوغة لحل الأزمة.
فهم يخافون انتصار الثورة السورية؛
فانتصارها خطر، سيعمل على بناء كيان ثوري متين سيؤثر عل كل بلاد الشام، وعلى المحيط
السوري والقضية الفلسطينة، بما يهدد المصالح الاستراتيجية للدول المحيطة والدول الكبرى
التي تضرب عميقا في المنطقة. وهم يخافون، أيضا،
تفكك الدولة السورية وتقسّمها في ظل
عجز الدولة على حكم البلد ومسك زمام الأمور فيه وإدارته . مما سيجعل القوى غير المنضبظة المتحركة على الأرض تتوسّع وتقوى. حتى الوصول إلى
مرحلة تنتشر فيها جزر قوى كثيرة غير قابلة للضبط والسيطرة.
ميليشيات وأحزاب من الصعب حكمها، وليس
مستبعدا أن تصب في غالبيتها ضد إسرائيل لأنها العدو الأقرب والمغتصب، وهو محتل لأرض
سورية. ومن المخيف لهم أن تتواجد مقاومة شعبية
حقيقية إسلامية وغير إسلامية معادية للمصالح الغربية؛ فهذا له تبعاته على فلسطين والعراق
وعلى كل المحيط. كما سيكون لكثير القوى الإثنية
تأثيرها على الجوار القائم على قشّة توازن؛ مثل الكيان الكردي في حال حضوره والكيان العلوي في حال وجوده في تهديد أمن تركيا واستقرارها.
وفي ظل هذه المخاوف؛ فالأمثل بالنسبة
لأمريكا وحلفائها هو السير في حل سياسي يحافظ على الدولة ككيان شكلي متماسك، ويعطي
العلويين والأقليات وحلفاء روسيا حصة كبيرة بما يخلق توازنا مؤقتا مرضيا. وبمثل هذا
الحل سيتجنبون التقسيم الخطير بما فيه من فوضى،
وسيكبحون جموح امتداد التطرف الثوري الذي يهدد الجوار في حال توسعه وتمكنه.
نجاح هذا الحل ضعيف جدا، بل ومحكوم عليه بالإعدام.
فالشعب السوري لن يقبله؛ فكيف يمكن للشعب الذبيح الباحث عن الحرية أن يشاطر الأسد وجماعاته
المجرمة الحكم بعد أن قتلوا ما قتلوا من الشعب ودمروا مادمروا وشردوا ما شردوا.واستعبدوا
عقودا قوى الثورة والمعارضة التي ترتبط بها
وتمثلها لن تقبل أيضا السير قي حل سياسي مالم يتنح الأسد عن الحكم.
لامفر في النهاية من الحسم العسكري، وهذا يتطلب قرارا واضحا جريئا، بحيث
تعمل أمريكا وحلفاؤها على إيجاد بديل. والبديل
في التسليح؛ فتبحث عن قوى سياسية معتدلة
وبراغماتية للتفاهم معها وتدعم التسليح وتفتحه على مصراعيه وفق توافقات ما
.. وبالطبع هذا قرار خطير؛ لأنّه قد يفتح باب
الحرب الإقليمية؛ ففي حالة التدخل الغربي بالحسم العسكري سيكون هناك خاسرون. وقد تضطر
هذه القوى لخوض حرب مع إسرائيل. دول الخليج المعنية بالشأن السوري، ستسير مع الخط القائم
على التسليح، قطعا لنفوذ إيران.
وفي النهاية ليس سهلا على روسيا محاربة أمريكا.
وقد كانت ضربة إسرائيل إشارة لحلف روسيا أن
أمريكا قادرة على التدخل في لحظة نا قبل انفلات الأمور من قبضتها. ويصب وعندما يقول
وزير الخارجية الروسي أن النظام جاهز للذهاب إلى جنيف. ويهاجم المعارضة. هذا دليل على
اتخاذ روسيا موقف سابق على نتائج المؤتمر. وهذا معناه أن روسيا مازالت على موقفها كليا. مع أنها أثبتت ضعفا واضحا في الرد
عندما ضربت إسرائيل حليفها السوري. حيث لم يفعل الحلف المضاد شيئا أكثر من الشجب
والتنديد والتهديد المؤجّل. صحيح أن أمريكا
كدولة استعمارية مهيمنة باتت أضعف مما سبق، بسبب الفشل في حروبها استعمارية في العراق،
وبسبب الأزمة الاقتصادية التي تواجهها؛ لكنّها ليست منهكة لتقف عاجرة أمام المخطط الروسي
الذي يصب في معاداتها؛. وروسيا دولة مهلهلة
وقد نخرها الفساد والاستبداد، وهي تنفست فقط عندما تراجعت أمريكا. صحيح أن أوباما ضعيف
بحكم كونه من الأقليّة المحاربة عنصريا، ومضطر أن يخاف على حكمه وأن يجبن عن اتخاذ
قرار خطير؛ لكنه سيكون مضطرا لأن يتخذ قرارا
في التدخل عاجلا أو آجلا تحت ضغط معارضيه..
إن الحالة الجيو سياسية في سوريا
هي في غاية النعقيد وهي تشبك المنطقة كلها.
وعلى معارضتنا أن تبني رؤى سياسية
استراتيجية وبرامج عمل إبداعية لتكون يمستوى مايحدث من تآمر وتقاسم الصفقات. الجلجلة والجعجعة لا معتى لهما من دون غيث وفعل
يرقى لمستوى التضحيات والتّحديّات . بل قد يصم الضجيج الآذان ويفسد الإدراك ويعمي البصيرة...
د. سماح هدايا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق