فكرة يحاول البعض ترويجها لإخراس الألسنة عن نقده، أو
نقد حزبه، أو تفنيد أخطاء ساسته، فيزعم إن السياسي هو وحده الذي يفهم بها، وكذلك
القانوني هو الوحيد الذي يفهم بالقانون، ولا يمكن لهم الخطأ، ولا يحق لأحد
انتقادهم، ومن الجريمة أي يجرى أي تعديل بعد سيادته.
فيسوغ له جهله، إلى إن يذهب إلى إن الميكانيكي لا يمكن إن
يفهم إلا بإصلاح الآلات، والبستاني لا يمكن له إن يفهم إلا بتقليم الأشجار، بينما
يجوز لنفسه حتى وإن كان زبالاً، ادعاء الفهم بكل شيء، والقدرة على تقييم من يكون
سياسياً، أو قانونياً، حتى يحق له عندها الانتقاد .
وهذا ما لم يفعله عمر – رضي الله عنه – عندما وجد أن من
مصلحة الأمة أ، يحدد لها مهورها، حتى لا يصبح غلاء المهور عبء على الشباب فيعزفون
عن الزواج إلى الرذيلة، فخرجت امرأة تذكره بقول الله – عز وجل – : " وَآتَيْتُمْ
إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً "، فلم يصر عمر على ما ارتئ أنه يصلح أمر الأمة، وعاد
عن رأيه إلى ما أمر الله به، وقال قولته المشهورة : " أصابت امرأة واخطأ عمر
.. كل الناس أعلم منك يا عمر "، ولم يقل لها أنتي أمية جاهلة ما أدراك بأمور
السياسة، ولم يأمر شرطته بالقبض عليها بتهمة التدخل السافر بشؤون السياسيين أو الفقهاء،
أو يزج بها في غياهب السجون للتحريض على رد ما ارتآه أمير المؤمنين للأمة، وهو الفقيه
الزاهد خليفة خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – معلقاً على
القصة : " هي دليل على كمال فضل عمر ودينه وتقواه ورجوعه إلى الحق إذا تبين
له، وأنه يقبل الحق حتى من امرأة، ويتواضع له، وأنه معترف بفضل الواحد عليه ولو في
أدنى مسالة، وليس من شرط الأفضل أن لا ينبهه المفضول لأمر من الأمور ".
كم هو صعب على الإنسان إن يضع نفسه تحت الحق – إلا ما
رحم ربي – مع علمه أنه قد تجاوزه وتعدى عليه، مزيناً له شيطانه وهواه الكمال
والعصمة، وأنه لا يجوز لأحد أن يعترض عليه، لأنه يكون قد وقع في موقع من يسفه رأيه،
فيلجأ إلى تكميم الأفواه بهذه الحجة، بدل إن يلزم نفسه الحق .
وفي الاختلاف كل شيء يرد إلى الله وإلى رسوله، فإما إن
نكون أهلاً للمكان الذي وضعنا فيه، نعود إلى الحق متى تجاوزناه، وإلا فلندعه لمن
هو أهل له فلا عصمة لأحد بعد الرسل !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق