الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-06-21

على رصيف في شارع عربي (1) - بقلم الدكتور عامر أبو سلامة


-        لماذا أنت متشائم دائماً، لا يعجبك شيء، تتململ بصورة مستمرة.
-        بالعكس، أراني اليوم متفائلاً أكثر من أي زمان مضى.
-        هل من جديد يا سيادة الفيلسوف؟؟!!
-        كثيرة هي الأشياء الجديدة, والجميلة.
-        الله.....الله........لغة غير مألوفة, قل لي ما الخبر؟
-        ( الربيع العربي) آتى أكله, وأينعت ثماره, وحان قطافها, والشعب العربي في بلاد الربيع أصحابها.
-        تحولت إلى شاعر بين عشية وضحاها, وغيرت قناعتك في الربيع, ...................أسمع منك عكس ما كنت تردد.


-         مشكلتنا في وسائل التشويش, التي تمارس الدجل, فتحول الأسود أبيض، والأبيض أسود، ولا تنس القوى الظلامية، التي تفعل فعلتها في أذية الأجيال، وتغييبهم عن المشهد الحقيقي للصورة الصحيحة.
-        تعني...
-        أعني, أولائك الذين ما زالوا يرددون الكلمات الميتة، التي كانت تردد في الخمسينيات والستينيات، وأثبتت الدلائل والوقائع وما تحمله الأيام من كواشف، أنها فعلاً ميتة، ولا أجد لها تعبيراً يمثل حقيقتها أجمل من هذا التعبير.
-        لم أفهم شيئاً.
-        هناك قوم من قومنا، لا يفهمون إلا بلغة القوم، ولا ينطقون بغير الغيرة على القوم، وحولوا القوم إلى أقوام، والقوم إلى نوم، والنوم قوم، والقوم نوم، ولا نرى منهم صحوة إلا على المنابر، فهم قوم المنابر، ويريدون أن يكونوا منابر القوم، ومشكلتهم أنهم نوم، فأنى لنائم أن يوقظ النائمين.................أريد أن أقول لك كلاماً صريحاً، ولا تغضب، ولا تتألم، ولا تزعل مني.......
-        قل...قل....يا فيلسوف اليوم.
-        الحقيقة!! أن أبناء القوم، هم الوجه الآخر للحاكم المستبد، وهم الذين روجوا التصفيق له، وهم الذين علموا الأجيال لغة التفاعل مع الشعارات الجوفاء, وهم من دائماً يغرد خارج السرب، وهم الذين عودوا الأمة على تحويل الهزائم إلى انتصارات، والنكسات إلى نجاحات، وهي عبارة عن مسكنات، لأمراض مؤلمات موجعات.
-        لكن حققوا خيراً كثيراً للأمة، وقي عهدهم انتشرت الديمقراطية!!!!
-        والحرية...............والوحدة..........والعدالة الاجتماعية..........
-        لا تسخر فأنا أتكلم بجد.
-        تكلم كيف تريد، وبالطريقة التي تحلو لك، ولكن عليك أن تحترم عقلي وفكري وإنسانيتي.
-        وهل أهنتك لا سمح الله.
-        الإهانة، أشكال وألوان، وليس بالضرورة أن تكون سباباً مباشراً.
-        طيب.....أنا آسف، تفضل وأكمل حديثك.
-        كم أثرت في نفسي من لواعج الألم والحسرة، وأنت تتحدث عن الحرية، هذه الكلمة الطيبة، والقيمة العظيمة, والمقصد السامي.
-        وأين الألم، وأين الخطأ؟؟ إذا كانت كما تصف.
-        هي كما أصف وأكثر، ولو ألفت كتب في معانيها ومبانيها، وفضائلها ومحاسنها، كان قليلاً في حقها، نظراً لما لها من عمق ودلالة، وما يترتب على غيابها من ويل وثبور وهلكة.
-        إذن، أين المشكلة؟؟ً!!
-        المشكلة، أنها كلمة كانوا يتغنون بها، في خطاباتهم، ويلوكونها ليل نهار، في كلماتهم، ويذيعونها في إذاعاتهم، ولطالما طبلوا لها وزمروا، وصفقوا وزغردوا.....ووووو
-        أليست قيمة عظيمة, ومقصداً سامياً، كما قلت قبل قليل؟؟؟
-        نعم.....نعم....نعم، ولكن المشكلة، أنًا بزمن هؤلاء الذين يكثرون الحديث عن الحرية، امتلأت السجون بالأحرار من هذه الأمة، ولم يشهد عصر من العصور- في تاريخ هذه الأمة- انتهاكاً لحقوق الإنسان، كما في فترة حكم هؤلاء القوم.
-        مشكلتك في كثير من الأحيان هذه العموميات التي تطلقها، فلا تشرح، ولا تبين..................وضح الفكرة أكثر..................... أرجوك.....أرجوك...حتى نفهم المسألة.
-        راجع أدبيات أدي السجون لتقف على طرف من هذه الحقيقة المرة.
-        مثل ما ذا لو سمحت؟
-        مثل البوابة السوداء لأحمد رأفت، أيام من حياتي لزينب الغزالي.
-        ولكن هذه امرأة؟
-         القوم لم يوفروا أحداً، صغيراً ولا كبيراً، رجلاً أو امرأة، فعلوا بالناس الأعاجيب.
-        سأقرأ هذا الكتاب..............لكن أكمل أسماء كتب في الموضوع، وها أنذا أسجل.
-        اقرأ القوقعة لكاتب مسيحي، وقع في أسر هؤلاء.
-        مسيحي!!؟
-        نعم مسيحي، دخل السجن سنين طويلة لمجرد أن تكلم عن الرئيس!!!؟؟؟؟؟؟؟ كلمة، رفع به التقرير، فكان ما كان من ملحمة تستحق أن تكون نموذجاً قوياً من نماذج أدب السجون.
-        ولم هذا بالذات؟
-        لأني أشعر بأنه أجود من كتب في هذا الشأن.
-        من حيث ماذا؟
-        من حيث العرض والأسلوب والتصوير الفني وروعة الصنعة.
-        ثم ماذا؟
-        اقرأ تدمر شاهد ومشهود، وتسع سنوات لهبة الدباغ.
-        كفى ...كفى..........فأنا كما تعلم لست قارئاً نهماً، إن استطعت أن أقرأ هذه الكتب، فألف نعمة.
( يتبع)

هناك تعليق واحد:

  1. حوار عميق ، وإثارة لمواضيع في غاية الحساسية ، لكن للأسف الشديد فإن العميان والطرشان والخرسان في بلادنا كثيرون ، وكم كان الشاعر محقاً حين قال أخي الكريم :
    لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي

    ردحذف