يعرف الحزب السياسي بكونه جماعة
تطوعية واعية ومنظمة، ومتميزة من حيث الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي، ومن حيث
السلوك التنظيمي والأهداف والغايات التي
تطمح لبلوغها، ومنسجمة إلى حدٍ ما من زاوية فكرية وسياسية واجتماعية ونفسية، تجمعهم
أهداف ومبادئ عامة، وبرنامج محدد ونظام
داخلي، وقيادة وقواعد....
ومن المعروف أن الحزب السياسي في
البلدان الديمقراطية من أهم مؤسسات المجتمع المدني، كونه يرتقي بالفئات الاجتماعية
المتعددة إلى رحاب المصلحة الوطنية العامة، وينظر للمجتمع نظرية شمولية،
بوصفه كلاً وطنياً متشابكاً وذلك ما يميزه
عن غيره من منظمات المجتمع المدني الأخرى، ذات الأهداف المطلبية والنظرة الجزئية،
كالنقابات والجمعيات والاتحادات....
ومن الضروري الإشارة إلى أن أي
تنظيم مهما كان نوعه، هو موضوع فكري متصل بالحياة العملية، لذا كانت جميع المشكلات
العملية هي مشكلات فكرية بالدرجة الأولى، والتي لا يمكن الركون إليها، إلا بعد أن
يشبعها الفكر النظري دراسة ونقداً وتمحيصاً، لتُقدم للمواطنين في صيغ جاهزة
للتنفيذ .
إن التنظيم السياسي (الحزب) هو
المرآة التي تعكس حقيقة أوضاعنا الوطنية السورية،
سياسية واقتصاداً و اجتماعاً وثقافةً، من حيث تقييمه لها، ورسمه سُبل تجاوزها .
إن مطلب الحرية ومناهضة
الاستبداد السلطوي، يجب أن يبقى عنوان المرحلة الحالية، والأساس الذي ترتكز عليه
أحزاب المعارضة القائمة، أو التي في طور التشكيل، والتي تحتج على الأوضاع الفاسدة،
الناجمة عن السياسات والممارسات الخاطئة للنظام السوري، وهي الأحزاب التي تضع في
مقدمة اهتماماتها تحرير الوطن من احتلال الطغمة الحاكمة، من خلال العمل على كسر
المسار السلطوي القائم، وبناء مسار سياسي ديمقراطي جديد، يقوم على التعددية
الحزبية، ونبذ الأحادية الحزبية المقفلة .
وحتى لا يكون الحزب مجرد أنموذج
نظري نخبوي بلا قيمة عملية، يجب عدم احتكاره من قبل النخبة الثقافية وحدها، بل
ضرورة الإلقاء به للشارع الشعبي العام، حتى تتوفر الفرصة
الكافية لاختبار أطروحاته وأهدافه وبرامجه على ارض الواقع، حيث أن شرعية أي حزب
سياسي لا تتأتى دون قاعدة شعبية تختار الانضمام إليه .
ومن البداهة القول أن الحزب
السياسي وسيلة وليس غاية في حد ذاته، نظراً لامتلاكه مشروعاً سياسياً
محدداً لفترة زمنية محددة، يقوم في مرحلة لاحقة بإخلاء الساحة السياسية لشكل آخر
من أشكال العمل الحزبي، لتطرح فيها مشروعات سياسية جديدة يتطلبها الواقع الجديد،
مما يفقد الحزب أبديته، التي ما زالت الأحزاب الشمولية تتمسك بها، والتي تدعي
صلاحيتها دائماً وأبداً ومنها حزب السلطة السورية الحاكمة ( ولعل هذا سبب تآكل
القاعدة الشعبية للكثير من أحزاب المعارضة القائمة حالياً، كونها لا تزال تتبنى
الأطروحات الفكرية والمشاريع السياسية لأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي وسورية اليوم في القرن الحادي والعشرين )، مما
يعني أن الحزب السياسي كالكائن البشري يولد ويشيخ ويموت.
إن القيام بتأسيس حزب ديمقراطي
سوري جديد، ليس ترفاً فكرياً نظرياً تقوم به النخبة المثقفة، وإنما هو وليد الحاجة
الوطنية الملحة، نظراً لتعرض بلادنا السورية للمخاطر والمحن الشديدة في
المرحلة الحالية، نتيجة الممارسات الفاشية للنظام، ومن هنا كان الحزب الديمقراطي
المنفتح على أتباع الأديان والطوائف والمذاهب والأعراق والمناطق والطبقات كافة، هو
الحزب الكفيل بتمتين عرى الوحدة الوطنية، والوحدة الترابية للوطن السوري، والذي
سيكون بمثابة شبكة وطنية مستقبلية، وسلطة بديلة لسلطات النظام، تحمي المجتمع من
الانهيار والسقوط في الفوضى وانفلات المكبوت، عقب سقوط النظام .
لذا فإن الواجب الوطني يفرض على
السوريين الواعين في الداخل والخارج
والباحثين عن مجتمع سوري أفضل، العمل على تأسيس حزب سياسي وطني ديمقراطي
مفتوح للجميع ( كتلة شعبية عريضة)، يتبنى خطاباً فكرياً وثقافياً يتصف
بوحدة الاختلاف لا بوحدة التجانس التام، يتداعى إلى تشكيله الشخصيات الوطنية
والثقافية والحركية من نشطاء الميدان الثوري، من الإناث والذكور، باعتبارهم الحامل
الاجتماعي للجسم السياسي الوليد، والمكون من فئات :نشطاء الثورة، الطلاب، العمال، الفلاحين، علماء الدين الإسلامي
والمسيحي، الحرفيين، الموظفين، أصحاب المتاجر، الرياضيين، الشباب الفنانين، الإعلاميين، المحاربين القدامى،
الجامعيين، الأساتذة، المهندسين الأطباء،
العاطلين عن العمل، البرجوازية المنتِجة .
ومن الطبيعي أن يكون انتساب
المواطن الواعي لأي حزب من أحزاب المعارضة، داخل سورية أو خارجها، لا تعني سوى مشاركته
الفعلية في الحياة السياسية للوطن، وتمرده على الواقع المعاش، وضرورة العمل على
تغييره والمساهمة في بناء واقع سوري جديد، تسوده الحرية والكرامة والعدالة
الاجتماعية .
إن الحزب الذي يتوق المواطن السوري
لتأسيسه أو الانتساب إليه في المرحلة الحالية، هو حزب وطني اندماجي، لا
يقفز فوق الواقع، ومشرع الأبواب أمام جميع المواطنين :
حزباً لا عرقياً حزباً لا طائفياً حزباً لا طبقياً حزباً لا جهوياً
ويكون حزباً صاحب أسلوب متطور
وفعال ومنفتح، يمارس الديمقراطية داخل تنظيمه السياسي، وفي علاقته مع الأحزاب
الوطنية الأخرى، وملكيته مشتركة لجميع أبناء الوطن، بغض النظر عن انتماءاتهم
الدينية أو الطائفية أو المذهبية أو الأقوامية أو المناطقية أو الطبقية، كون
المجتمع السوري يتصف بالتعددية الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية، ولا يتمتع
بالتبلور والنضج الكافيين اقتصادياً واجتماعياً، لتأسيس أحزاب على أساس طبقي صرف،
أو هوية أحادية فرعية، كون ذلك سيدفع المجتمع للتشظي والانقسام، في مجتمع لم يدخل
الحداثة بعد.
وكون سورية جزءاً من العالم الثالث،
فهي تحتاج التساند الطبقي والتعاضد بين كافة الشرائح المجتمعية، وحشد وتعبئة جميع
مواردها البشرية والمادية، واتفاق قواها
الوطنية كافة، على مشروع وطني عام، لردم هوة التخلف العام القائمة مع
العالم المتقدم، والدخول في عصر الحداثة، ومواجهة الاحتلالين الخارجي والداخلي
السلطوي في الوقت نفسه، مما يتطلب بناء جسور التواصل والتفاهم بين أبناء البلد
الواحد، عوضاً عن حفر الخنادق بين الأديان والطوائف والمذاهب والأعراق والطبقات
والأحزاب ..
إن الواقع السوري الحالي يحتاج حزباً
عمومياً، ذا كتلة شعبية عريضة مفتوحة يستمد مشروعيته من خلال تقديم إجاباته عن
أسئلة الواقع المأزوم، والمساهمة في الثورة الشعبية الديمقراطية، والذي يقدم
بياناً تأسيسياً يبرر أسباب قيامه وقراءته للمرحلة الحالية، وبرنامج عمله للمرحلة
الانتقالية، ومبادئه الأساسية للمرحلة المستقبلية، مما يعني بالضرورة التأسيس
للسياسة، بعد أن عَقَم النظام المجتمع منها.
وفي ظل الثورة الوطنية الديمقراطية
التي يخوضها الشعب السوري العظيم يجب الاتجاه صوب تأسيس أحزاب ديمقراطية، ذات
تنظيمات علنية ( غير سرية)، دون وشائج تنظيمية حديدية، كي ينخرط فيها جميع
المواطنون وتبتعد عن أمراض الأحزاب
الأيديولوجية للسلطة والمعارضة، صاحبة الأطروحات الفكرية الحدية والتنظيمات السرية
.
وقد يتذرع البعض أن المرحلة
الثورية التي تمر بها سورية اليوم، تتطلب تأجيل تأسيس أحزاب سياسية معارضة
جديدة، لما بعد إسقاط النظام، غير مدركين أن هذه الأحزاب ستكون بمثابة عصيان مدني
لسلطاته، ومعول هدم لها من خلال حشد
وتعبئة أبناء الشعب، في دفع الزخم الثوري إلى الأمام ونقل الثورة من الحالة الشعبوية العفوية
إلى الحالة الشعبية المنظمة، بالتنسيق والتشاور مع القوى الوطنية
المعارضة الأخرى .
إن تأسيس أي حزب سياسي معارض، لا
يعتبر منافساً لأي حزب سياسي أو مجلس أو هيئة أو حركة معارضة، سواء داخل القطر أو
خارجه، حيث أن الساحة السياسية السورية تتسع للجميع، وتحتاج جهود الجميع، مع
تأكيدنا أن النظام افترس جميع مؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها الأحزاب
السياسية المعارضة بشتى ألوانها، وقام بتجويف الحياة الثقافية والسياسية
للسوريين علاوة على أن مهمه إسقاط النظام
هي فوق قدرة الأحزاب السياسية المعارضة القائمة حالياً، لاختلال توازن القوى بين
المعارضة والسلطة، وهذا ما دفع فرسان الاحتجاجات الشعبية من الشباب إلى النزول
للشوارع لتصحيح هذا الخلل .
ومن الواضح لكل ذي بصيرة، أن
النظام السوري صاحب الأحادية الحزبية يعمل جاهداً للحيلولة دون قيام أية أحزاب
سياسية ذات قوام ديمقراطي، إلا بعد استحصال موافقة الأجهزة الأمنية، والسماح
بتأسيس أحزاب ديكورية فقط تكون بمثابة مقاولات فرعية للنظام ( على شاكلة أحزاب
الجبهة الوطنية للسلطة).
ومن البين تاريخياً أن عشرات
الأحزاب والحركات السياسية، قد تم تأسيسها خلال فترة الانتداب الفرنسي رغماً
عن سلطاته، وهي التي كانت جزءاً لا يتجزأ من حركة التحرير الوطني، والتي
قادت الثورة ضد الاستعمار، وحققت الاستقلال الوطني الناجز.
والسؤال / لماذا لا يتم تأسيس أحزاب سياسية معارضة، أنفاً عن
السلطة السورية، لتكون بمثابة حركة تحرر ديمقراطي، تقود الثورة الديمقراطية
الهادفة إلى إسقاط نظام القهر والغلبة، وبناء نظام ديمقراطي، يمهد لبناء دولة
وطنية مدنية ؟!.
أيها الواعون من أبناء الشعب
السوري العظيم
اتجهوا صوب تأسيس أحزاب سياسية ديمقراطية معارضة
للنظام، ذات كُتل شعبية عريضة تلبي الحاجة، تؤدي الوظيفة، تحقق الهدف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق