البطولة روح الحريّة ورحيق الثورة – بقلم:
د. سماح هدايا
المجتمعات الناهضة في درب الحريّة تحتاج أكثر من غيرها إلى الأبطال، فهي في
أزماتها تنظر إلى البطل كمخلّص.
إنّه البطل الشجاع الثّائر على الظلم والقهر، المولود
على مشارف البسالة والثورة والفداء، الطامح بالعدالة والحريّة والعدالة، على الرّغم
من كلّ الظّروف القاسية الغاشمة القاهرة.
إنّ تضحيّة البطل شيء ضروري وعظيم عبر مسار البشريّة، وهو أمر في غاية العاطفيّة
والتعاطف.
وتتجلّى في رمزيته عبقريّة الشّعوب الحرّة المجاهدة؛ فهي تصنع البطل في أدبياتها
وتبحث عنه في واقعها، وتوجده أكثر إيجابية وعملقة مما هو في الخيال، إذ يقوم بفعل الثورة
العظيم، وينساب في ضمير الشعب كالحلم، ليتحول إلى حالة شديدة القدسية والأهميّة، شبيهة
بحالة الصالحين االخالدين، ويعمل بدمائه التي يغرق قي طهارتها على تأجيج الفعل الثوري
وإشعال المزيد من نار الثورة. وتتجذر صورة البطل الفدائي المضحي الشهيد في الوثائف
الواقعيّة لأيّ ثورة نبيلة، وفي الأدبيات الدينية، وفي الحكايات والأساطير، فهي تمثّل
الصّورة الرائعة للكمال الإنساني االتي نريدها، ونفتقر إليها بحكم ضعفنا البشري وتقاعسنا
الإنساني. والبطل من ناحية أخرى، يختصر الخبرة الجماعيّة التي تشكل جوهر الفرد والمجتمع
. البطل يجسّد أحلامنا وأنفسنا المتطلّعة إلى الخلاص، والمستعدة للتّضحية في سبيل الهدف
الأنبل، هدف الحرية، يحمل في عطائه السخي السّمات العظيمة للبشر المتميزين، وقوة النّفس
والعبقريّة، ويخوض بقوة وإرادة وشجاعة غمار الصّراع، لذلك هو يرفض خوفنا عليه وندبنا
على موته.
البطل الشهيد يجب ألا يحرك فينا عاطفة الشّفقة والعطف ، وفعل البكاء ولطم الخدود
كما لدى الضّعفاء، بل يجب أن يجعلنا نقوى بتضحيته، ونتشارك معا قوة التضحية المعنويّة
والواقعيّة. يجب أن نجلّه ونحترمه ونقدّر إنجازاته وتضحياته ونتقبّل الفاجعة الحمراء
على أنها هدية ثمينة نحافظ عليها؛ لأنّه أرادها من أجلنا، ومن أجل الأرض والسماء، وأراد
لنا أن نعرفها، لكي نعرف كيف نعيش بحريّة وعدالة. البطل الشهيد هو الأقوى لأنّه جمع
في بطولته بين الحقيقة الواقعيّة الفدائية، والخيال الجميل الحالم المبشر بمطلق الأمل
والخير وبمطلق انتصار العدل، حيث ينتهي إلى آفاق لا نهائيّة، لحظة يكون احتمال الموت
قويّا وضروريا للحياة، عندما تغيب علامات الضعف والعبودية المستترة في مخاوف الخطر
المحدّق.
الإنسان المتميّز البطل الشهيد، يموت كما سيموت الإنسان العادي، لكن، بجرأة
وإيمان، ومن غير أن يدق على أبواب الرضا الذليل والرتابة العاجزة والمتعة الأنانية
والسّعادة العابرة، لأنّه يجري دائما وراء ما هو أكبر من خلايا الجسد الفاني ومادية
وجوده البشري الآني، يجري إلى الكمال القيمي والخلود الروحي، لكي تستمر حياة الأمكنة
على أرضنا حرة جميلة، وتثمر حياة اليشر أمة حرة وأناسا أحرارا، ولكي تستمر حركة التّاريخ
وتسمو حركة الحياة.. العزة والشموخ لأبطالنا الثوار، والمجد لأرواح شهدائنا الأبرار.
د. سماح هدايا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق