الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-06-25

بعين اطفال الشتات السوري – بقلم: د. سماح هدايا


" هم  أطفالنا ولدوا بشرا  إنسانيين ومن حقّهم ان يعيشوا  بشرا إنسانيين....ويكبروا بشرا  إنسانيين"
    ليس إنقاذ الأطفال ورعايتهم في ظل الحرب الإجرامية الموجّهة ضد الشعب السوري موضوعا متأخرا في أولويات دعم الثورة السورية، وهو ليس موضوعا سياسيا فقط، بل هو موضوع إنساني شديد الأهمية والخطورة، يلقي بظلاله على المجتمع السوري بجميع فئاته، فهو  مرتبط المجتمع السوري وحماية  الطفل السوري المتشرّد المهجّر من تشويهات كبيرة في بناء الشخصية، ومن ثم في بناء المستقبل الوطني.  الأطفال هم الأكثر تأثرا بشكل سلبي بالحروب والكوارث والأحداث المأساوية، على الصعيد النفسي والاجتماعي والاقتصادي، بسبب ضعف قدراتهم وإمكاناتهم واعتمادهم على أسرهم وعلى مجتمعهم.  ولذلك يجب أن يكونوا  الهدف السامي في موضوع الإغاثة وبناء مستقبل سوريا الجديدة.


    أطفالنا في المخيمات والمنفى والشتات نراهم غارقين في حزنهم الشديد، ينظرون إلى العالم بعيون غاضبة،  ونكاد نسمعهم يقولون في صمتهم المستعر الذي لا يكتفي  بالمشاهدة  والمراقبة، بل يفكر بحسرة وألم"  إن مرور الحرب و توالي أيام القهر والتهجير وضغوط الخوف والهروب والنزوح، قد تحولنا إلى كلاب مسعورين أو دواب هائمة لاتعرف لماذا تحيا ولماذا تموت. وقد تحولنا  بسهولة إلى الانحراف والخطيئة  والانتقام.  لن نقول أنقذونا،  ولا نريد شفقتكم وفتات تعاطفكم. نريد حقنا الشرعي في أن نعيش إنسانيتنا وكرامتنا وأماننا وأمننا. وأنتم ياكلّ العالم الذي يشاهدنا من  هنا، ومن الخارج، مسؤولون امام أخلاقكم ومبادئكم وإيمانكم عن مواقفكم وعما سيكتبه التاريخ عنكم، وعن أحكامنا بكم.  مسؤولون  جدا في أن تتخذوا الموقف السليم وتدعموا حقوققنا الأساسية.

    يتقاتل السياسيون في بلادنا ويتجادلون ويختلفون...ونحن يسيل دمنا، ويسيل عرقنا الحار، ويسيل خوفنا الغزير ويزداد بؤسنا الشديد..ويموت بعضنا جوعا ومرضا وقتلا...والعالم مازال يفامر  على مصير شعبنا ويحلل ويدين ويراهن ويؤجل  ..نحن بالطبع نحتاج إلى طعام وماء ومأوى كريم.  ونحتاج إلى الصحة والعافية والاستشفاء  وهدأة البال. ونحتاج إلى الكساء واللباس. ونحتاج إلى حنان الأم وعطف الأب. لكنّنا نسينا كل هذا، لأنّ أشد ما نحتاجه الآن هو أن نتعلم. وليس التعليم رفاهية بل  أهم الاحتياجات الأساسية لبقائنا الإنساني؛ لكي  لانتحوّل إلى وحوش غاضبة غبية... فماذا ستقدمون لنا في هذا؟

أمزيدا من الكلام؟ أمزيدا من الأمثلة السيئة؟ أمزيدا من الفراغ والضياع والوحدة؟ أمزيدا من التجاهل والإهمال؟ ".

     إنّ هؤلاء الأطفال الذين تمثّل قضايا وجودهم إشكالية حقيقة، لابدّ من حلّها؛ فهم يعيشون بلا شروط السلامة البدنيّة أو العقلية أو الجسديّة. وبلا رعاية صحيّة وطبيّة وغذائية، ويموت منهم أحياناً، من يموت، من سوء التغذية وفساد الطعام.  لا ألعاب يزاولونها في هامش البؤس سوى الشجار والتقاتل والغضب والتعصّب . ولاحماية لهم  من كل أنواع الاستغلال في ظروف البؤس والقهر،  وفي ظروف شديدة السوء، يتحول فيها كل كائن إلى مقاتل بشع على لقمة عيش وشربة ماء ونسمة هواء ومتسع من حرية ضيقة.  وهم، أيضا،  لم بسلموا  من الإساءة الجنسية والاستغلال والقمع الشديد. ولذلك تصبح المدرسة بواقعها وبعدها المعنوي فعلا ضرويا لحماية الأطفال.

    هؤلاء الأطفال يريدون المدرسة بشكل قوي ويقولون" نريد ألمدرسة لتكون بيتا  آمنا لنا. لتكون لنا  فيها صداقات مع رفاقنا في المخيم.  وليكون لنا  فيها سقف يحمينا من الضياع، ويحمينا من الصراخ والاحتقان وحرارة الطقس وبرد العراء وتيه المنفى والملجأ. لتكون لنا مكانا نظيفا  يعلمنا ما يعجز أهلنا عن تقديمه لنا تحت ركام المأساة. نريد المدرسة لكي يعود إلينا الشعور بالحياة الطبيعية حتى في ظل مانشاهده ونسمعه من مجازر.  نريد أن تشتغل عقولنا في الأمور المفيدة وأن يسمع  معلمون طيبون مخلصون مشاكلنا ويتعاطفون مع مشاعرنا.

 نحن في المخيم والمنفى والتشرد ..نحناج إلى بيئة آمنة ومحمية  تعيد إلينا  ثقتا بالحياة،  وترمّم كسورنا الداخلية بعد أن سقطنا ضحايا المجازر والحرب والانتهاك  والتشريد. نحن ضحايا الحرب والكارثة الذين نحتاج إلى الأمان والأمن,  ونحتاج جدا إلى مدرسة تحتوينا بكل مخاوفنا وتعيد رسم الآمال والأحلام والآمال ومبادىء الحرية والعدالة  فينا".

إنّ حق أبناء الشعب السوري المهجّر في الحياة و الحرية، والأمان، لاينفصل عن حقه في  التعليم. بل يصبح التعليم أولوية مقدمة على غيرها من الأولويات، بما  يشيعه في أطفال المنفى وأهلهم من الإحساس باسترداد الأمان والاستقرار والحماية والكرامة وضمان المستقبل  في زمن الحروب والكوارث والمصائب والويلات.. والتعليم  يؤسس في الأطفال القدرة على تجاوز ماحصل ويحصل في الانعكاسات السلبية للواقع البائس، وتخطي المشاكل الخطيرة  التي قد تتفجر في المستقبل. إن معاناة التهجير واللجوء وكوابيس التشرد والهروب أمور صعبة جدا. ولا مجال لتأخير مشروع دعم أبناء المهجرين اللاجئين، خصوصا في المخيمات التركية. ولابد من بناء منظومة المدرسة لاحتواء الأطفال واليافعين وحمايتهم، ومن ثم حماية مجتمعنا ومستقبل وطننا.
د. سماح هدايا  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق