طالبنا منذ الأيام الأولى لثورة
شعبنا السوري، أي منذ ما يزيد على سنة من الآن، بملاذات آمنة لحماية المدنيين
الذين يواجهون خطر آلة القتل الأسدية الفتاكة، لعلمنا أن حكام سورية يختلفون عن
حكام تونس أو مصر أو اليمن، وطالبنا الدول التي تدّعي أنها صديقة للشعب السوري
بإيجاد ممرات آمنة لإيصال المساعدات الطبية والغذائية للمناطق المنكوبة، وطالبنا
بتسليح المعارضة السورية وذراعها العسكرية الجيش السوري الحر وبفرض حظر الطيران
الحربي الأسدي والإسراع في حسم المعركة، توفيراً لأنهار من الدماء والدموع،
وللحيلولة دون توسيع وقعة التدمير شبه الشامل للبنية التحتية ولقدرات الشعب في
سورية، ولقطع الطريق أمام نظام أسد وحلفائه في إعادة ترتيب أوراقهم وتصدير أزماتهم
للدول المجاورة، وطالبنا وطالبنا...
وفي كل مرة كنا نواجَه بحجة واهية:
ضرورة توحيد صفوف المعارضة السورية، هذه الحجة التي تترس خلفها، أو تذرع بها من لا
يريد لتآمره أو خواره وضعفه أن ينكشف. وكنا نردّ عليهم: إنه لا توجد في الدنيا
كلها معارضة موحدة، لا في العالم الديمقراطي ولا في غيره، وبالرغم من ذلك فإن ما
يزيد على ثمانين بالمئة من المعارضة السورية قد انتظمت في المجلس الوطني السوري،
أي أنها موحدة، فأرونا صدق ادعائكم صداقة الشعب السوري!!
وكنا نقول لهم: لنفترض أنه لا توجد
معارضة سورية على الإطلاق، أو لاتنوي توحيد صفوفها، فهل هذا يبرر للمجتمع الدولي أن
يترك عصابات أسد وشبيحته لتقيم المجازر المروعة للشعب السوري، وأن تفعل ما تشاء
تحت سمع العالم المتحضر وبصره؟ أين العدل الدولي وحماية حقوق الإنسان والعمل على
السلام العالمي؟؟؟ هل تسمح لكم مبادئكم التي ثقبتم آذاننا صباح مساء بها بأن تتركوا
المجرم السفاح يفعل بالعزل المدنيين ما يشاء دون حساب ولا عقاب؟؟
وكنا نقول لهم: لو أن سورية في غير
الموقع الجغرافي الذي تشغله الآن، أكنتم تتركونها طوال هذه الفترة تتقلب بين
المجازر؟ أم كنتم بادرتم إلى حسم الموقف فيها بعيداً عن مجلس الأمن، كما فعلتم في
البوسنة والهرسك، وفي كوسوفو، والعراق، وفي كوريا الجنوبية وغيرها من مناطق
العالم؟
لقد توصلنا إلى قناعة، أثبت توالي
فصول الثورة والنكبات التي حلت بشعبنا صحتها، وهي أن لاصديق مخلصاً لشعبنا، لا
أمريكا وحلفاؤها في مجلس الأمن ولا الروس والصينيون؛ إنهم لجؤوا إلى توزيع الأدوار
فحسب، وأعلن الثوار هذه القناعة عبر الشعارات التي رفعوها في تظاهراتهم السلمية:
"ما لنا غيرك يا الله"، " هي لله هي لله، لا للسلطة ولا
للجاه". وإلا كيف نفسّر التصريحات الصادرة عن المسؤولين الغربيين بمناسبة
وبغير مناسبة عن عدم نيتهم التدخل في الشأن السوري خارج مجلس الأمن؟ وكيف نفسر
رسائل التطمين التي يرسلها الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي لنظام بشار، بمناسبة
وبغير مناسبة أيضاً، أن الحلف لن يتدخل عسكرياً في سورية؟ من كان يرجوه أن يتدخل
حتى يؤكد عدم تدخله مرة بعد مرة وطوال أشهر الثورة وأسابيعها وأيامها؟ ألم تكن
نتائج هذه المواقف المخزية هي إعطاء بشار وشبيحته الضوء الأخضر بأن يفعلوا ما
يشاؤون دون حسيب ولا رقيب؟ ألا يعني كل هذا أن الشرق والغرب، ومعهما أصحاب القلوب
السود المتخندقين في خنادق صفين والجمل، قد حسموا موقفهم وقرروا أن يمدّوا في عمر
هذا النظام الذي أقسم كل سوري شريف أن لا يعود إلى داره وفيه عرق ينبض قبل ان يخلص
البلاد والعباد من شروره، مهما بلغ حجم التضحيات؟!
إن هذه المؤامرة الدنيئة ضد الشعب
السوري، التي يشترك فيها الفاعلون الرئيسيون في الساحة الدولية، كل بطريقته، قد
أوصلت سورية إلى أتون ـ وليس حافة ـ حرب أهلية، وما مجازر أحياء حمص، مثل بابا
عمرو، والخالدية، ومجازر تلبيسة والقبير ودير الزور وتفتناز وكفرعويد وتل رفعت...،
والحرب الطاحنة في الحفة منذ ثمانية أيام...وغيرها إلا نذر هذه الحرب اللعينة،
التي ما زلنا نأمل في أن يبادر عقلاء الإخوة العلويين، من عسكريين ومدنيين، إلى
تفويت الفرصة على بشار وعصابته وإجهاض أحلامهم في تسخير هذا المكوّن السوري الأصيل
لنزواتهم الشريرة وتعطشهم للمزيد المزيد من دماء هذا الشعب. كلنا أمل في أن يدرك
هؤلاء العقلاء أن هذه الحرب المجنونة ليست حربهم، وإنما حرب هذه العصابة المجرمة
التي سخرت إمكانات البلد العسكرية والاقتصادية لأهدافهم وأغراضهم الدنيئة، وأنه لن
يخرج من الحرب بين الإخوة أبناء الوطن الواحد أحد منتصراً، بل الكل فيها خاسر.
إن حديث السيد كوفي أنان عن أن
سورية ربما انزلقت إلى حرب أهلية يعطي ظلالاً قاتمة لنظرة المجتمع الغربي لمآلات
الوضع في سورية، ذلك أن الحكم على بلد معين بأن الحرب الأهلية فيه قد نشبت يعني أن
لا سبيل إلى التدخل أو الحسم العسكري الخارجي فيه، وإنما يصار إلى البحث في كيفية
إرسال قوات فصل بين طرفي النزاع فيه، الأمر الذي يعني أن الثورة السورية مرشحة
لفترة طويلة نسبياً، قد تمتد لسنوات عدة، قبل أن يبادر الغرب والشرق إلى فعل شيىء
ملموس إزاءها، ويعني أن الهدف الرئيسي من وراء إطالة أمد الصراع بين الشعب والنظام
الفاسد في سورية هو إنهاك سورية وإضعافها إلى درجة الانكفاء على جراحاتها
ومشكلاتها لعقود قادمة من السنين، وتحييد وزنها ودورها في الصراعات الإقليمية
ووعلى موارد المنطقة وخيراتها والمشاريع التوسعية والاستيطانية من جانب المستعمر
الطامع!! فهل أدركنا مرامي تصريحات أنان؟ وهل يبادر شعبنا اليوم قبل غد إلى شدّ
الأحزمة أكثر وأخذ جرعة منشطة طويلة الأمد من النضال والجهاد والصبر والمصابرة
والمرابطة لمواجهة استحقاقات قادم الأيام، فإن حرية سورية وشعبها تستحق بذل كل غال
ونفيس، وإن الضعف الذي مني به بشار ونظامه، وخساراته والانهيارات المتلاحقة في
صفوف مؤسساته الأمنية والعسكرية على كل صعيد توحي أن ما بقي من أيامه أقل بكثير
مما مضى، وأن النصر صبر ساعة، وأن الثور الهائج بدأ يترنح، ولكن لا بد من
الاستعداد للمفاجآت، وحينئذ سيدرك الغرب والشرق أن لو فعلا غير ما فعلا!!.
وكلمة أخيرة نوجهها لإخوتنا ممن تمنعهم
الغشاوة التي وضعها بشار على أعينهم، وأوهمهم أن
معركته مع الشعب السوري هي معركتهم،
نقول لهم:
إن بشار والعصابة المجرمة الحاكمة
في دمشق، باستخدامهم لآخر ورقة يملكونها، وهي اللجوء إلى الحرب الأهلية وارتكاب
المزيد من المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية، إنما يؤكدون أنهم في أيامهم
الأخيرة، وأنه لم يبق أمامهم سوى تدمير البلد الذي لم يشعروا يوماً بالانتماء
إليه، وقتل الشعب السوري الذي قرر لفظهم وإلقاءهم في مزبلة التاريخ، كما فعل الشعب
الليبي البطل بالطاغية المتجبر سيىء الذكر والمصير القذافي.
إن حاكماً يشعر أنه مسؤول عن بلده
وتطويره ورفاهية شعبه وأمنه وأنه واحد منهم يستحيل عليه أن يفعل ما يفعله بشار
وشبيحته بسورية وشعبها، إنه يلجأ إلى خيار شمشون في أحلك الظروف التي يمر بها، وفي
أضعف مراحله، لا سيما بعد ورود أنباء شبه مؤكدة أن أركان النظام السوري قد هلكوا،
سواء في حادثة التسميم لأفراد خلية إدارة الأزمة، أو في حوادث أخرى.
إن الثورة الشعبية المباركة التي أعيت هؤلاء
المتجبّرين وأوقعتهم في شر أعمالهم، تشق طريقها نحو النصر المبين بإذن الله،
بالرغم من التآمر الدولي المخزي، وإن شعبنا السوري الذي ضرب أروع أمثلة البطولة
والفداء والصبر والمصابرة، وسطّر أروع ملاحم الإصرار على استرداد الحق المسلوب،
متسلحاً بالإيمان بالله وبحقه في الحياة الحرة الكريمة، وبتجارب نصف قرن مع هذه
العصابة التي لا حدّ لطمعها وجشعها ووحشيتها، هذا الشعب يستعدّ الآن لقطف ثمار
جهده وجهاده وتضحياته، وصار يلمح تباشير الفجر الذي طالما انتظره طويلاً.
مسؤول المكتب الإعلامي في جبهة العمل الوطني لكرد سورية، عضو المجلس الوطني
السوري.
للتواصل :
ولزيارة موقعينا:
www.kurdishfront.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق