خاص
بيروت أوبزرفر- 19-6-2012
http://www.beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=78136:fadi-chamieh&catid=39:features
شعب سوريا يولد من جديد؛ تصوغ المحنة شخصيته
الجديدة، وتبدل ثورته الشاملة مفاهيمه القديمة. "البعث" لديه انقضى بلا رجعة،
وغضبته الأسطورية محت عنه عار الخضوع لعقودٍ أربعة خلت، وكل شهيد فيه يوقِد بأنفاسه مشعل سوريا المجاهدة.
مَن مثل السوري اليوم في الفخر، وهو يصد وحيداً -عن بيضة الأمة كلها- حقد الصفوية الجدد!.
القصة بدأت بأطفالٍ لم يدركوا أن الله اختارهم
لثورة تبهج الأرض والسماء، وعشائرهم لم تتصور حدود القدر الذي انتخب أبناءهم، وظالموهم
لم يحسنوا الظن بالله حتى أتاهم من حيث لم يحتسبوا، والثوار من بعدُ لم يتخيلوا أن مهتمهم ستعظم؛ لتصبح
أكبر من إسقاط نظامٍ وأبعد من حدود سوريا. يا طوبي للشام يا طوبي للشام؛ على قدر الفضل
عند الله يكون الابتلاء منه!.
سينجحون حتماً؛ وقد فعلوا، لكن المهمة كبرت
فطال ميعاد الانتصار، وتعددت ساحاته، حتى جزع المحبون، وتوهم المرجفون... وقدَر الله
من فوق الجميع أن أهل الشام ما ناصروا حاكماً إلا نصروه، وما نقموا من طاغية إلا أذلوه،
هذا سمْتهم في التاريخ، وفضلهم في الكتاب، فلا ضيعة عليهم من كثرة الذبّاحين إذ تكفل
الله بهم، ولا وجل مما أصابهم بعدما وصفهم نبيه بخير الأجناد، فهم على ذلك لم يبدلوا؛
حرّاساً لعمود الإسلام، مرابطين في أرض البركة، الخير منهم لأمتهم موصول، ولا خير في
الأمة إن هلكوا، يقاتلون على أبواب دمشق، لا يضرهم من خذلهم، ظاهرين على الحق، حتى
ينزل عيسى بن مريم في الغوطة عند المنارة الشرقية، فيشرف به العالم، كذلك قال خبر السماء
الصادق من قبل!.
نصْرُهم القريب ظاهر بلا بيان، ونصرهم البعيد
واضح عتيد. لا يمكن في مقاييس التاريخ أن تنهزم ثورة قامت بها نسبة موصوفة من الشعب،
ثم روت الدماء جذوتها، والحاصل أن نسبة الثائرين في سوريا فاقت مثيلاتها في أهم الثورات
العالمية، قديمها وحديثها. ولم يسبق في علم السياسة أن يبقى حاكم إذا فقد شرعيته الداخلية
والخارجية، والحاصل أن الحاكم في سوريا بات نشيداً للعن يرضعه الأطفال الصغار، ومعرّة
نجسة يخجل من قذارتها مجرمو العالم الكبار... ثم أن سنن الكون بأن ينتصر المظلوم، لن
تتغير من أجل أخرق يدعى بشار، والحاصل أن الصراع في سوريا مع طاغوت لا طاغية؛ حربه
مع الله قبل عباده!.
المتأملون بصمود بشار؛ إن تبصروا جيداً لشاهدوا
علائم الانتصار عليه طافية. لقد بات للثورة ممثلوها، وسفراؤها، وتنظيماتها، وحراكها،
وإعلامها، ومناصروها، وأناشيدها، وعلمها، واقتصادها بما هو أقوى بكثير مما لنظام
"البعث" الأخير. مئات نقاط التظاهر أسبوعياً عمود لا يمكن أن يُكسر، وأحرار
حملوا السلاح؛ سلاحهم العقيدة وهدفهم الفداء لا إمكانية لهزمهم، ومجلس وطني يمثل الشعب؛
رئيسه معروف ومعترف به في سوريا والعالم أكثر من رئيس مجلس يمثّل على الشعب ويكاد لا
يحفظ اسمه أحد؛ مؤشر أيضاً... وفي كل يوم يتوسع الحراك إلى المدن والقرى كلها، ودمشق
وحلب، وتتقلص مساحات سيطرة الحكومة إلى المحميات الطائفية، فيما تنهار قلاعها المالية
والسياسية والأمنية... والقادمات حبلى بالمزيد.
أما الانتصار المتحقق راهناً فعظيم... في الداخل؛
أسقط السوريون الأسد وحزبه إلى الأبد. الأحزاب تقوم بناسها وأفكارها، وقد دثرت مرارة
الثورة أياماً لن تُبعث بعد اليوم، أو تقوم قائمة لآل الأسد وأصهارهم، وسيدخلون قائمة
المرذولين في سجل التاريخ. واهم من يظن أن أنصاف انتصار يمكن أن تُقبل أو تُفرض بعدما
رسمت التضحيات تلالاً من جثث، وأنهاراً من دماء. مشتبه من يعتقد أن دولةً لطائفة الطاغوت
يمكن أن تكون ملاذ المهزومين الأخير... لن يحق للعالم أن يفرض شيئاً في سوريا، بعد
خذلانه شعبها... ولن يخوّل التدخل قبيل الانتصار أصحابه مما كانوا يخشونه قبيل المناداة:
"يا الله؛ ما النا غيرك يا الله".
في الخارج؛ فاقت انجازات الثورة أحجام دول
عظمى. وحدها دبلوماسية الثورة الحمراء أزالت مقت تقسيم العرب إلى محاور ممانعة واعتدال
سخيفة. وحدهم ثوار سوريا من جعل روسيا أكثر بغضاً من "الشيطان الأكبر"...بفضل
شهدائهم والجرحى والنازحين والمصابين في شرفهم؛ انشق في عقول الناس مسار أكيد نحو القدس
يبدأ من دمشق ولا يمر بطهران. وحدها الدماء كشفت المنافقين وعرت الدجاجلة، وأيقظت المخدوعين؛
جموعاً وجماعات ووحداناً. ليس غير ثوار سوريا من أنهى أسطورة حزب نسب نفسه لله، فأحالوا
نسبته لدى جموع الأمة للشيطان!. من نجح في هذا من قبل إلا شجاعة حفاة رضوا بالنار أن
تنزل على صدورهم العارية، اتقاء العار أن يلحق بنفوسهم العالية، ومن ضرب في الشجاعة
مثلاً أكثر ممن كتب قبل المظاهرة الوصية، أو من رجلين خرجا مع بندقية، ينتظر أحدهما
استشهاد أخيه لينال شرف حمل سلاح عَزّ... مساكين هؤلاء الروس والفرس وبعض العرب عندما
يستعرضون قوتهم أو يتوعدون الثوار، وهل يقدر أحد أن يمسك ثوار سوريا -بعد بشار- إن
أرادوا خلع جبالٍ من أماكنها؟!.
لقد ولدت ثورة الكرامة السورية عظيمة من أول
ظفر انتزع، وصارت ربانية مذ هدرت الحناجر: "هي لله هي لله". "لبيك ايا
لله لبيك يا الله". لا هتاف يولد من رحم فارغ، لكن تقصُّد استهداف وتدنيس المساجد،
واتخاذ الحاكم إلهاً يعبد من دون الله، وذبح الناس بجريرة انتسابهم للإسلام... جعل
الناس تثور بالأصالة عن نفسها، وبالنيابة عن أمتهما، حتى بات التضامن مع الثورة واجباً
لا فضلاً، وسؤالاً على كل فرد أن يجيب عليه؛ ماذا قدّمتَ للثورة السورية؟ وعليه يكون
الحكم في الأجر أو الوزر.
حلقات سابقة على بيروت أوبزرفر:
الثورة السورية(1): قصة البداية
الثورة السورية (2): قدر الله الغالب
الثورة السورية (3): منصورون رغم الخذلان
الثورة السورية (4): الكاشفة
الحلقة السابقة: الثورة السورية (5): الحماية
الدولية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق