مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
إن المتمعن بالصحافة الغربية وتحليلاتها هذه
الأيام يجد مصطلح "الحرب الأهلية" منتشر في سياق وصفهم للصراع الجاري في
سورية ، بدأت الإشارة إلى هذا المصطلح عبر تصريحات السياسيين منتقلة إلى وكالات الأنباء
والصحف الرسمية المحذرة من نشوب حرب أهلية ، حيث عبّر وزير خارجية بريطانيا ويليام
هيغ في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية بتاريخ 10/6/2012 عن اعتقاده أن سوريا تقف على
"شفير هاوية حرب أهلية" مشبها الصراع في سورية بوضع البوسنة في التسعينات
رافضاً استبعاد تدخل عسكري فيها، وأكّد على هذا الاتجاه المبعوث الأممي لسوريا كوفي
أنان حيث أشار لمنتدى مبادرة تحالف الحضارات بقيادة الأمم المتحدة الذي عقد في إسطنبول
بتاريخ 30 مايو 2012 إلى أن مثل هذه المجازر "يمكن أن تغرق سوريا في حرب أهلية
كارثية لن تستطيع البلاد التعافي منها أبدا"، ويحذر الأكاديميون الغربيون أيضا
من نشوب الحرب الأهلية ومن ذلك ما قاله فواز جرجس وهو أستاذ سياسات الشرق الأوسط في
كلية لندن للاقتصاد: "أرى أن الوضع في سوريا اليوم يشبه الوضع في لبنان في عام
1975" في إشارة إلى العام الذي انزلق فيه لبنان إلى حرب أهلية استمرت 15 عاما
أشعلها التوتر الطائفي والصراعات بين القوى الإقليمية. وقال جرجس "المذابح تسكب
الزيت على نيران طائفية مشتعلة .. وإذا استمرت فستنزلق سوريا على الأرجح إلى صراع طائفي"
في إشارة للتوتر المتنامي بين الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد والأغلبية السنية
في البلاد.
أما فيما يخص الموقف على الأرض ، فلقد بات
يسود الشارع السوري مخاوف من الانجراف نحو الحرب الأهلية الناتجة من ممارسات النظام،
التي ازدادت مدلولاتها على جر البلاد لحرب طائفية تهيئ الجو له ليعيث في البلاد الفساد
أكثر مما هو عليه الآن، ويكون لديه المبرر لمزيد من المجازر ، فالجميع يدركون انه لو تدهور الوضع في سوريا
(متعددة الطوائف والاثنيات) ، فإن هذا سيقود إلى حرب طائفية مفتوحة، كما حذر بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة من "اندلاع حرب أهلية لن تتعافى منها البلاد
أبدا." وما لبنان علينا ببعيد، فاذا جرى الأمر نفسه في سوريا، سيكون لذلك عواقب
لا يمكن حسابها ليس للبلد وحده فحسب بل للمنطقة بشكل عام. وهذا التوصيف(الحرب الأهلية)
خطير جدا من جهتين:
الأولى
:
أن تحليلات مراكز وكالات الأنباء ومراكز الأبحاث
تكون عادة الموجهة للسياسات الغربية ومؤشر على توجهاتها المستقبلية ، مما يعني أن البلاد
مقبلة على الحرب الطائفية.
الثانية
:
رواج هذا المصطلح "الحرب الأهلية"
ربما يؤدي إلى تدخل دولي غير التدخل المأمول بحيث يكون للغرب اليد الطولى في الساحة
السورية، الذي يجعلها تتحكم بمجريات الأمور مما يبقي سوريا منشغلة بمشاكلها الداخلية
لعقود في حين ترقد الجارة إسرائيل بسلام واطمئنان.
لذلك على المعارضة السورية أن تنتبه لمخططات
الغرب من توصيف المجريات بالحرب الأهلية وأن يكون حديث المعارضة عن التدخل هو المتعلق
بالتدخل لحماية المدنيين من بطش النظام، حتى لا يتم اتخاذ هذا التدخل ذريعة ليس لإسقاط
النظام، وإنما لتقسيم البلاد إلى أقاليم منفصلة فعلية عن بعضها البعض حتى وإن ظلت في
اطار الدولة السورية الموحدة.. وهو أمر لاشك سيصب في صالح إسرائيل فحسب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق