لقد تطرقنا في الحلقة السابقة
ياسعادة المدير عن جانبين مهمين وعرضنا أمثلة محددة عن توفير مايحتاجه المواطن
والتخفيف من وطأة الحياة المعيشية ووضعناها تحت بند السياسة الداخلية , واليوم
نتطرق لموضوع يشغل بال الجميع , هذا الموضوع نضعه تحت بند السياسة الخارجية .
المدير : وحتى نستطيع الابحار في
السياسة الخارجية, يلزمنا مستشاراً سياسياً مختصاً بالعلاقات الدولية , وعن طريقه
يمكننا الحديث عن ذلك بصورة تفصيلية ومنطقية .
من الناحية النظرية معك حق في ذلك
ياصديقي الرائع , ولكن عندي وجهة نظر أخرى
وما هي ياسيدي الرئيس ؟
في عصرنا هذا لم يعد هناك مايسمى
استقلالية معينة , وإن لم ترض عنك الدول الأخرى , وقد يكون هذا الرضى المعكوس
كبيراً لدرجة قد تصل إلى شن الحرب عليك واسقاطك بالكامل , أو يكون عدم الرضى
متوسطاً أو محايداً . وسينعكس ذلك على مشروعنا السياسي , الداخلي والخارجي , وتفشل
كل اطروحاتنا ومشاريعنا التي أعددناها وجعلناها رمزاً لحملتنا الانتخابية , وهنا
سنقف عاجزين عن التحرك , وفشلنا هذا سينعكس على نفسيتنا في التعامل مع السياسة
الداخلية , ونتيجة الفشل المتواصل سنجد أنفسنا أمام خارين اثنين لاثالث لهما :
الأول : أن نختصر الفشل كله بكلمة واحدة نسميها المؤامرة
الخارجية , كحال الذين حكمونا ويحكموننا الآن , وهذا المنحى سيجعلنا نتكيء على
الكذب في كل أمورنا , وأتحول من رئيس منتخب حر , إلى رئيس مدى الحياة .
المدير : وبما أنك تحمل شهادة كبيرة في العلوم الوراثية فستكون
مهمتك أيضاً توريث الحكم لذريتك من بعدك .
لقد أضحكتني ياصديقي وقطعت عني
سلسلة أفكاري , ولكن لاعليك يلزمنا مسحة من السعادة أثناء حديثنا حتى لايصل الملل
لنفسينا , والذي بدوره يجلب التثاؤب لأفواهنا وقد نغط في نوم عميق .
وبالاضافة إلى المؤامرة , نخترع
عدواً وهمياً نسلطه على رقاب العباد , ومن تحت عباءة هذا العدو نفعل ونخرب ونبطش
ونهدم ونترك الأمور تعود لماضيها القديم , وهنا نستطيع اقناع الناس نحن لم ولن
نتخلى عن تراثنا وسنتمسك فيه حتى النهاية , ونرفد ذلك بشعارات رنانة وطنانة , وفي
نفس الوقت لن نجهد أنفسنا في اختراع عدو مسلط علينا , فالعدو موجود , وكل عيوبنا
نجعلها لبوس عدونا وهو اسرائيل .
المدير : فإسرائيل هي ليست عدواً وهمياً , وقد تكون هي السبب
الأكبر والأهم في كل مشاكلنا , فهل تستطيع أن تشرح لي , كيف ستتعامل مع هذه القضية
؟
سأضرب لك مثالاً بسيطاً :
موقف ظريف حصل معي منذ سنوات , في
أحد شوارع بغداد السليبة , كلب ينبح بقوة ويحاول التخلص من السلسلة الحديدية
الملفوفة على رقبته ,محاولا الهجوم على رجل كان يمشي من أمام البيت , هذا الرجل
عامل بسيط وقادم من عمله وثيابه رثة ووسخة , وبعد أن بعد الرجل عن المكان واختفى
النباح , كنت قد وصلت إلى المكان الذي كان مربوط فيه ذلك الكلب , ومررت بجانبه
بسلام , ولم يهجم علي ولا حاول حتى النهوض أو النباح , والسبب أنني كنت أرتدي بدلة
جميلة , فضحكت في داخلي عندها , وقلت صحيح أن الكلاب تهجم على الفقراء وتعوف
الأغنياء بسلام .
المدير : كأنك تقصد أن القوي تخافه حتى الكلاب , أما الضعيف
فهو ملطشة للجميع من الناس والحيوان .
أعتقد أنك قد فهمت قصدي , ياصديقي
الرائع , وبالتالي في حال اصرارنا على المؤامرة والفشل , عندنا الطريق الثاني أن
نعلن فشلنا ونترك الأمر لغيرنا , له القدرة على الكذب والتسلط والمراوغة .
لكن نحن خطونا هذه الخطوة لبناء
الانسان والعدل والحرية والأمان , فيكون أمامنا طريق النجاح , وحتى ننجح في
سياستنا الخارجية , وهي الآن لاتحتاج لخبير ومستشار في العلاقات الدولية , إن
وضعنا في اعتبارنا واعتقادنا, في أن البشر كلهم يتآمرون على بعض , وأن الحياة
لاتصلح ولا تقوم إلا على ذلك , فالمؤامرات مستمرة كهبوب الرياح , منها الأعاصير
ومنها دون ذلك بالتدريج , وتصل أحياناً لهدوء ماقبل العاصفة .
المدير: لقد تعبت ياسيدي من الكلام , وسأكمل عنك البقية ,
لأقول أنني قد استوعبت جيداً ماترمي إليه , ويمكن اختصار ذلك بالآتي :
عندما تؤمن بداخلك أنك إنساناً ,
له من وجوده هدفاً في هذه الحياة , تثق بنفسك ثقة تجعلك تعتقد أنك جزيئ لايتجزأ من
الكيان البشري , يوجد من يتمايز عليك بصفات , ولكن تتمايز عليه بصفات أخرى تعادلها
أو تتفوق عليها , هذه الثقة ومع هدف وجودك في الدنيا , تسخر فيها كل الامكانيات
والطاقات الموجودة , عندها تستطيع أن تتفوق على كل المؤامرات الخارجية , وتنقلب
المؤامرات لتعاون بين الفريقين أو الفرقاء ينتج عنها الخير الكثير بعدها .
هذا ماقصدته يامديري العزيز ,
ينقصنا الثقة بالنفس , وعندما نسترد هذه الثقة عندها ستجد نفسك إن لم تكن في
المقدمة , فعلى الأقل تكون من بين المتنافسين عليها.
يتبع..ج11
د.عبدالغني حمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق