مركز
أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
منذ أن
انطلقت الثورة السورية ومصطلح وحدة المعارضة ملازم لحديث كل مسؤول عربي أو غربي،
حتى بات هذا المصطلح يثير اشمئزاز ثوار الداخل والخارج، فكلما شعر مسؤول بالحرج
عند سؤاله عن التخاذل أمامما يحدث من انتهاكات جسيمة في الأراضي السورية يُرجع
السبب مباشرة وبدون تردد إلى تشتت المعارضة وعدم توحدها، وكأنه لم يعد هناك من حل
للقضية السورية إلا بوحدة هذه المعارضة...
ورغم أنّه
لا يوجد في العالم أجمع معارضة موحدة، بل لكل حزب رأيه وتوجهه الذي يخالف فيه غيره
من أحزاب المعارضة الأخرى، إلا أنّ السوريين أرادوا إسقاط هذه الحجة الدولية،
إكراماً للشهداء ووفاء لهذه الثورة العظيمة، فكان أن تجاوزت كل الأحزاب والتجمعات
خلافاتها الطبيعية لتتوحد المعارضة بأغلب أطيافها في المجلس الوطني السوري على
الحد الأدنى من النقاط المشتركة فيما بينها، ولم يتخلف عن هذا المجلس إلا من كان
له أجندته المشبوهة، كهيئة التنسيق الوطنية التي يراها الكثير من الثوار على أنها
امتداد للنظام ومدافع عن خطوطه الحمراء، ولا يُستثنى من تلك القاعدة إلا القلة
القليلة التي بالغالب لا تتمتع بامتداد شعبي بالداخل...
ولسحب
البساط من تحت الغرب وحججه الواهية، تفنن الثوار بطرق إظهار دعمهم لهذا المجلس،
فأطلقوا على إحدى جمعهم اسم "المجلس الوطني يمثلني"، لتكون دلالة قاطعة
على الاعتراف الشعبي بهذا المجلس الوليد، وبذلك عادت الكرة إلى ملعب المجتمع
الدولي، فالمعارضة المشتتة باتت الآن موحدة، والشعب بالداخل اعترف فيهم ممثلاً
شرعياً ووحيداً عن الشعب السوري في ظل سقوط شرعية الأسد التي فرضها ابتداءً بحكم
أمر الواقع، وبذلك بات لا بد لدول العالم من الاعتراف بهذه الجبهة الموحدة، إلا
أنّ اعتراف العالم جاء بصورة مخيبة للآمال، فكان الاعتراف الدولي بهذا المجلس
متدرجاً متباطئاً، فتارة يعترفون بالمجلس كممثل عن المطالبين بالحرية، ومن ثم
ممثلاً عن المعارضة، وثم ممثلاً وحيداً عن المعارضة، لينتهي الأمر بعد نصف عام من
تشكيل المجلس الوطني بالاعتراف به ممثلا عن الشعب السوري وذلك في نيسان الماضي...
ولو جاء
الاعتراف الدولي بالمجلس الوطني سريعاً كما في الحالة الليبية لكان له الأثر
الأكبر في انضمام كل الكتل إلى هذا المجلس ولما تردد شخص أو جهة بالانضمام إليه،
مما كان سيحقق مطلب العالم بتوحد المعارضة، وهذا يدل أنّ المجتمع الدولي لم يكن
جاداً في طرحه حول توحيد المعارضة وأنّ مطالباته تلك كانت من باب قذف الكرة في
ملعب الشعب السوري...
ورغم كل
تلك المثبطات لم يتأخر المجلس لحظة (وفق إمكانياته المتواضعة) عن المضي قدماً في
خدمة الثورة وإيصال صوتها في كل محفل دولي، أو مؤتمر عالمي، وفي كل قناة فضائية أو
موقع إلكتروني أو صحيفة محترمة، ما فرض وجوده على الجميع، فرغم ملاحظات بعض الثوار
على أداء هذا المجلس إلا أنّ هذه الملاحظات لا تخرج عن نطاق الأمل بأداء قد يفوق
استطاعتهم، فهم لا يملكون العصا السحرية التي تحل مشكلات الثوار وتسقط النظام بليلة
وضحاها، إلا أنّ مشاهد القتل والدمار التي يعايشها الشعب بالداخل تدفعهم ربما إلى مثل
ذلك الاندفاع والمطالبة بأداء أمثل للمجلس الوطني...
لكنّ
الغريب وغير المفهوم أنّه في ظل توحد المعارضة تحت مظلة المجلس الوطني وحصول
المجلس على الاعتراف شبه المطلق من الداخل، والاعتراف الواسع من العديد من دول
العالم، نجد بعض الدعوات الدولية المشبوهة تهدف إلى تفتيت المجلس وإضعافه، وذلك من
خلال المساواة بين هذا المجلس وبين مجموعات أخرى من المعارضة،بعضها يشتبه بارتباطه
بالنظام السوري، وبعضها الآخراختار عدم الانضمام للمجلس لأهداف شخصية بالغالب،
وهؤلاء لا يملكون زخماً شعبياً بالداخل ولا يمثلون إلا أنفسهم...
أولى هذه
الدعوات المشبوهة كانت دعوة نبيل العربي لاجتماع القاهرة في 16 أيار الماضي، حيث
وُجهت الدعوات لأفراد المجلس الوطني بصورة شخصية، ولم تكن الدعوة للمجلس بصورة
رسمية، وهو ما دفع المجلس حينها لرفض هذا الاجتماع ما أدى إلى إلغائه لاحقاً...
والآن يتم دعوة
المجلس الوطني كمكون واحد من بين عشرة مكونات أو يزيد تم دعوتهم لاجتماعات الجامعة
العربية، فكيف تفهم هذه الدعوة؟؟ ألا يفهم ذلك من باب تحجيم هذا المجلس الذي اعترف
به الشعب ممثلاً عنه؟ لماذا يحاول المجتمع الدولي تهميش المجلس الوطني وعدم إعطائه
الحجم الذي يستحق؟ هل وجود بعض الإسلاميين فيه مبرر للخوف من المجلس وعدم التعاون
معه؟
كل هذا
يدفع المتابع للقضية السورية لأن يتشكك في حقيقة المواقف الدولية تجاه الثورة، ففي
الوقت الذي يعيب فيه العالم على المعارضة عدم التوحد في بدايات الأزمة نجده الآن
يحاول تشتيت المعارضة وضربها بعضها ببعض، لأهداف قد تفهم إما على أنها محاولة
لإطالة أمد الثورة وإنهاك البلاد والعباد،أو أنّه تخوف من تركيبة المجلس التي تحوي
عدداً من الإسلاميين فيه، فأما إنهاك الشعب والأرض فإنه لضمان عدم قدرة أي نظام
جديد على الالتفات للقضايا الخارجية باعتبار أنّ ما يملكه من قضايا داخلية ستشغله
لسنوات، والتوسع بهذه النقطة يحتاج موضوعاً منفصلاً بكامله، وأما التخوف من
الإسلاميين فهو غير مبرر على الإطلاق...
وذلك أنّ
أي تشكيلة يُستثنى منها هذا التيار سيفشل بحكم التجارب الحديثة في دول الربيع
العربي، فالإسلاميون في هذه الفترة هم خيار الشعوب، لجهة أنّهم كانوا في طليعة من
حارب هذه الأنظمة القمعية على مدار عقود مضت، دفعوا خلالها ثمناً باهظاً في السجون
والقبور، فهم الطرف المستضعف بنظر الشعوب، ولجهة أنّ هذه الحركات قد أثبتت وسطيتها
واعتدالها وقبولها للطرف الآخر وعدم إقصائه، وتجربة المجلس الوطني السوري خير
دليل...
فالمجلس
الوطني ضم أفراداً من كل الطوائف والتيارات، فرئيسه السابق علماني، ورئيسه الحالي
من الأقلية الكردية، وللنساء تمثيل في المجلس، كل ذلك كان بانسجام كامل وتكامل قلّ
نظيره مع الحركة الإسلامية بما فيها الإخوان المسلمين، تلك الجماعة التي أصدرت
وثيقة تاريخية تؤصل للعيش المشترك بين أبناء الوطن في ظل دولة مدنية عصرية حديثة
فيما سمي بـ "العهد والميثاق"، وهذا كله يجعل الحركة الإسلامية رقماً
صعباً لا يجوز تجاوزه في أي تشكيلة حالية كانت أو مستقبلية.
وعليه فإنّ
أي حراك عربي كان أم دولي يهدف إلى زعزعة المجلس الوطني أو تشتيته سيفهم على أنه
محاولة للمساس بالشعب السوري بأكمله ولشرعية الثورة السورية، وسيدل على أنّ هناك
من يريد إطالة أمد الثورة بإعادة المعارضة السورية إلى المربع الأول، في الوقت
الذي قطع فيه المجلس أشواطاً في حراكه على المستوى الداخلي من خلال شبكة التواصل
التي بناها مع الداخل بما في ذلك الجيش الحر، وعلى المستوى الدولي من خلال
الاعتراف به كممثل عن الشعب السوري بعد ما يزيد عن نصف عام عن تأسيسه، وسيعد ذلك
دليلاً على تواطئ العرب والعجم مع النظام السوري وعدم الجدية في دعم الشعب السوري
في وجه المجازر التي باتت من يوميات المواطن السوري أمام مرأى ومسمع من العالم
أجمع...
التاريخ 28-06-2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق