"من تنفّس أرضنا لحريتها
نسترجع انفاسنا...ومن الصبر المتجلّد الذي زرعوا فيه مآسيهم تنبت أفراح النصر"
في ظلمة المجازر التي يفرضها النظام الأسدي،
ويواجهها العالم بغيبوبة الجحود، يولد الأبطال والأحرار والشهداء، ويشتدون عودا وصلابة
ومتانة، فيقاومون الكسر والسحق تحت مطحنة الدم. وببنما ينتشر حريق العنف الوحشي مدعوما
بصمت الصامتين الملفوفين بالخوف والأنانية، ينتصب الأبطال والفدائيون الذين يناضلون
بشتى الوسائل رجالا ونساءً وأطفالا وشيوخا، ويعلو تصميمهم هديرا يكافح الظلم والقهر
والعبوديّة.
"محمود بكّور/سراقب ادلب الصمود/" اسم حقيقي ورمزي لواحد من هؤلاء
الأحرار. شاب من شباب الثورة السورية وروح وطنيّة مقاومة شرسة في دفاعها عن الوطن.
شارك مبكرا في ثورة الحريّة والكرامة وقاد
حراكا ثوريا سلميّا في منطقته وغير منطقته، وعايش الاعتقال والتعذيب، ومازال صامدا
مؤمنا بدوره الإنساني التّحرري؛ لم يقهره ما فقد من أصدقاء كانوا شاركوه الهتاف الثوري
ثم غابوا شهداء أو معتقلين، ولم يكسرْ ظهره رحيل الأقارب والجيران الذين استشهدوا في
الثورة، تحت التعذيب والموت البطيء، أو قنصا وقصفا وقتلا سريعا. محمود ليس حالة فرديّة،
هو نموذج مناضل في موكب كبير من المناضلين الأبطال السوريين الذين أوجدتهم الثورة ،
وواحد من عشرات آلاف الأحرار الذين يقفون بصمود ويجاهدون بأرواحهم وأنفسهم من أجل الحرية،
يكسّرون الذل والظلم والعبوديّة والإرهاب.
وعندما غادر محمود سوريا سرّاً، لكي يتصل بالمعارضة الخارجيّة، ويدبّر المساعدة
والإغاثة للثوار، أدرك هباء النضال على هامش الوطن وخارج القضيّة الجوهريّة؛ فعاد إلى
أرض المعركة، ليتحرك بفاعلية مع فريق إخوانه في دائرة الخطر وحصار الموت، فأساس المقاومة
هو الشعب المناضل الثابت في ساحة المعركة، النابت في نارها ودمها، وليس التأرجح على
مهب الكلام والتنظير، والثرثرة العقائدية العصبويّة على حافة المشهد الدموي..وشكّل
مع أصدقائه لجان تنظيم الحراك السلمي، حفاظا على سلميّة الثورة.
وأمام حصار الإرهاب الذي يحكم سطوة عدوانه وسيطرته على المصائر، ويسحق بأقدام
الهمجيّة رؤوس الضحايا الأبرياء، تقف المعارضة في حالة العطالة: شح الأفعال وندرة النجدة
وضآلة الإغاثة.فيقرّر محمود الصراخ بأعلى صوته ، محدّقاً في عيون المعارضة السورية،
بعينين غاضبتين وشرر ملتهب، مطالباُ بحق الثورة من المعارضة. ومطالبا بإغاثة الشعب
المخنوق المذبوح. لعلّ في شرارة العيون الثائرة وصوت الصراخ الغاضب المحتج، ما يحرّك
صامت الشهامة والمروءة؛ فتثوّر العقول بفكرة الحرية، وتتوقّد في القلوب عاطفة الوطنيّة،
وتلتهب الأرواح بمبادىء الفداء وإغاثة الملهوف ونجدة المظلوم.
حب الوطن ليس لغوا خواءً، ولا هباءً منثوراً. هو حشد الأمال والأقوال أفعالا
وإنتاجا وطاقات ثورة. لذلك يُعلي محمود صوت صراخه فينا، لعلّ أذنا تسمعه فتتغيّر، بصدى
الصوت، المواقف، وينقلب الكلام فعلا والصمت ثورة. فيتكلم محمود ويقول:
" أنتم أيها المعارضون مأخذون بمطمح جزئي
ضيّق، لا بالمقاصد العظيمة والآمال الواسعة. وبينما أحوال الشعب السوري مأساويّة..
نار وذبح ومقصلة ومدفع وصواريخ ودبابات ومجزرة، ورصاص وغازات سامة وحارقة؛ تخوضون أنتم
على هامش دمنا صراعات الكلام الواهي. نحن لدينا مأساة عنقوديّة تتفجّر لحظيّا، ولا
دواء يكفي لوقف نزيف أو وجع.
والإغاثة الطبية شحيحة وقوافل الجرحى متزايدة.
ويتعذر تقديم المساعدة. وأنتم تخطبون وتجتمعون وتخطبون وتعدون. إنه مؤلم جدا أن تشاهد
أخاك الإنسان يموت أمام عينيك وأنت عاجز عن تضميد جروحه الكبيرة، وتخفيف ألمه الشديد.
فهل تخيلتم للحظة أنّ ولدا من أولادكم، أو قريبا من اقربائكم أو صديقا، يموت أمام أعينكم،
وأنتم تعجزون عن حمايته والدفاع عن حياته؟ هل كنتم ستفعلون ما تفعلونه الآن؟ وهل ستكتفون
بالثرثرة والتنظير؟ قرى محاها الإجرام عن الوجود بأهلها؛ أطفالا ونساءً وشبابا وشيبا.
وشعب أعزل محاصر بالموت الوحشي، وبالمقابل لا خدمات طبية، لا غذاء. لا سلاح يناسب قوة
المعركة. ومواد الحياة الأساسية معدومة. النزوح شديد. والعقاب جماعي. والحصار خانق.
والمطالبة بالحرية تعني تدمير الناس وتأديب الأحرار بالمحق، وإرجاع سوريا قرونا إلى
الوراء. وأنتم مازلتم تصارعون على كرسيٍ ونفوذ وشعار وكاميرا ولقاء تلفزيوني ومكسب
مستقبلي افتراضي.وتتسوّلون باسمنا شيئا من فتات...
نحن نقاوم بكل ما نستطيع: بالتّظاهر والاحتجاج والإضراب والسّلم والأغنية والنشيد
والرسم والصورة... وليس بمتناول رجالنا إلا السلاح البدائي للدفاع عنا...لكننا لن نتوقف
حتى سقوط النظام. العدل السياسي لن يكون إلا بخيار تحقيق أهداف الثورة، وعلى رأسها
إسقاط النظام كلّه. فماذا فعلتم أنتم لنا؟ هل الكلام في السياسة يعيد لنا أطفالنا،
ويعيد لنا أعراضنا، ويعيد لنا شهداءنا؟ هل نبقى نشاهد الجرحى، ونحن نعضّ الأصابع ألماً فوق ألمهم؟ هل نداوى جرحانا
بدمائهم؟ أين الإغاثة؟. الناس يفرّون من الموت إلى الموت. ونحن نرى أهلنا امام اعيننا
يُقتلون، ولا نستطيع إنقاذهم أو أخذهم إلى المشافي، أو تخفيف ألام الاحتضار المخيف.
فهل هذا ثمن الحرية التي تريدون أن تنعموا بها فوق صحراء دمائنا؟ هل تعتقدون أنا نموت
من أجلكم أنتم ومن أجل مصالحكم وحرياتكم الذاتية؟ منذ البداية ونحن لا ننتظر إلا الوعود؛
فإلى متى سنظل ننتظر الوعود؟كونوا معنا لنبقى معكم. إما العمل أو استقالتكم من مناصب
الثورة.
لن نتراجع قبل أن يندحر النظام. هدفنا إسقاط النظام؛ فلا تعالجوا شقاءنا بالإذلال
والتّجاهل ولا تقتلوا حريتنا بالفتات. الثوار هم الشعب. الثوار. هم ضباط الإيقاع. وهم
القياديون. وأنتم إما معنا في خندق المعركة...أو لا مكان لكم في ثورة الحرية والكرامة.".
د. سماح هدايا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق