اسطنبول- فادي شامية
عندما هرعت الدولة اللبنانية كلها –تقريباً-
إلى مطار رفيق الحريري الدولي لأجل استقبال المخطوفين اللبنانيين في سوريا؛ ظن
الجميع أن هذه القضية قد حلت أسرع من توقعات المتشائمين، لكن لم تمض ساعات حتى
أدرك اللبنانيون أن المسألة أعقد مما توقعوا، وأن الإفراج عن المخطوفين يحتاج -بالحد
الأدنى- إلى مزيد من الوقت.
بدأت قضية المخطوفين في 22/5/2012
عندما أوقف مسلحون سوريون حافلة تقلُّ لبنانيين عائدين من إيران، ينتمون إلى حملتي
حج هما: حملة الصدر وحملة بدر الكبرى. أطلق المسلحون النساء وأبقوا على الرجال (إثني
عشر رجلاً، فرّ أحدهم متنكراً بزي النساء أو أُطلق باعتبار حالته الصحية، وفق
اختلاف الروايات)، ثم نقلوهم إلى منطقة أكثر أمناً في أعزاز بريف حلب، فيما سمحوا
للنساء الانتقال إلى مدينة حلب ومنها إلى لبنان.
في البداية؛ بدا الحل سهلاً، فالخاطفون
بقيادة عمار داديخي ليسوا إلا مسلحين كانوا يعملون في التهريب، وهم يعملون في خدمة
الثوار حالياً، دون أن يكونوا تابعين لـ "الجيش السوري الحر"، وتالياً
فإنهم طلبوا فدية مالية "معقولة"، تطوّع أكثر من طرف لدفعها.
وافق الخاطفون على الصفقة واستعد
الجميع لعودة اللبنانيين، وتحضّرت طائرة الرئيس سعد الحريري الخاصة للتوجة إلى
تركيا، لأجل استلام المخطوفين، وخرج السيد حسن نصر الله ليؤكد النهاية السعيدة (25/5/2012).
في هذه الأثناء تدخّلت قوى ثورية
أخرى، من أبرزها "مجلس الإدارة المدنية". أكد هؤلاء وجود عناصر "رفيعة
المستوى" من "حزب الله" ضمن المختطفين، الأمر الذي لم يكن واضحاً
تفصيلاً في البداية، إن لجهة الأسماء، أو المواقع التي يشغلونها...
عطّل هذا التطور تسليم المخطوفين في
اللحظة الأخيرة، وتزامن ذلك مع رغبة مجموعات مسلحة أخرى بـ "استضافة"
المختطفين، "حفاظاً على أمنهم"، وذلك بعد قصف الجيش السوري منطقة أعزاز.
هكذا خرجت المجموعة الأولى من القضية، وحلّت مكانها مجموعة متشددة بقيادة شخص ملقب
بأبي عبد الرحمن، وقد نقلت المخطوفين إلى منطقة أخرى في ريف إدلب.
وما زاد الطين بلة؛ وقوع مجزرة الحولة
الرهيبة، وخطاب السيد حسن نصر الله الذي شكر فيه "القيادة السورية والرئيس
السوري بشار الأسد"، على الإسهام في حل قضية المخطوفين (على أساس أنهم
انتقلوا إلى تركيا، تمهيداً لعودتهم إلى لبنان، على ما ظن نصر الله وأركان الدولة اللبنانية
واللبنانيين خطأً حينها).
بتاريخ 9/6/2012 بثت قناة "الجزيرة"
الفضائية شريطاً يظهر فيه المختطفون الأحد عشر بصحة جيدة. لفت في الشريط أن أحد
المختطفين ذكر أن التسجيل يعود إلى "5 أو 6 حزيران"، في حين أشاد عباس
شعيب، أشهر المختطفين (نظراً لارتباط اسمه بـ "حزب الله" بقوة) بجمعة "أطفال
الحولة مشاعل
النصر"، التي يعود تاريخها إلى الأول من حزيران، ما يعني أن الخاطفين أرادوا إعطاء تاريخ متقدم للشريط الذي سجلوه قبل خمسة
أيام -على الأقل- عن التاريخ المعلن، رغبةً منهم -على ما يبدو- بإعطاء الوسطاء
وأهالي الخطوفين مزيداً من الاطمئنان على صحة المخطوفين.
أما مطالب الخاطفين؛ فقد ظهرت في
نهاية الشريط وتمثلت باعتذار الأمين العام لـ "حزب الله"، وبعدها يمكن
تسليم المخطوفين، و"من الممكن التشاور لتسليمهم إلى الدول المجاورة لسوريا". ورغم أن شريط "الجزيرة"
أعطى فسحة أمل، إلا أن عوامل كثيرة لاحقة، جعلت الأمور تتعقد أكثر، فلا أمين عام "حزب
الله" اعتذر، ولا الخاطفون تراجعوا عن مطالبهم، ولا الوسطاء استمروا في وساطاتهم،
ولا الحماسة لإدانة الخطف بقيت على الوتيرة نفسها ("المجلس الوطني
السوري" على سبيل المثال لا الحصر).
ويبدو جلياً أن المؤثرين في
الوساطة اليوم، وفي طليعتهم الرئيس سعد الحريري، يعملون بصمت، بعدما تراجع أكثر من
طرف سوري عن الاهتمام بهذه القضية، نتيجة توارد تقارير كثيرة إليه، ومن جهات متعددة،
لا سيما من الداخل السوري، تتحدث عن خمسة من المخطوفين يرتبطون بـ "حزب الله".
(لاحظ -على سبيل المثال- لا الحصر موقف القانوني والمعارض السوري هيثم المالح،
الذي رفض إطلاق سراح المخطوفين على أساس أنهم من "حزب الله"
و"كانوا يحملون أجهزة لا علاقة لها بالزيارات الدينية").
على هذا الأساس، وبعد إعلان أكثر
من طرف أسماء ومهام لهؤلاء المختطفين لدى "حزب الله"، وجدت جماعات
معارِضَة كثيرة، أن مصلحتها تقتضي عدم الاصطدام بالمسلحين الموجودين على الأرض، أو
معاكسة مزاج الشارع السوري الغاضب من "حزب الله"، والراغب بمعاقبته...
ولو كان المخطوفون عائدين من زيارة دينية، لا عملية عسكرية!.
وبغض النظر عن صحة ما يُنسب إلى
عدد من المختطفين، فإن تكاثر الحديث عن أسماء محددة، صعّب من إمكانية الحل، مع أن
الأتراك والسعوديين والقطريين ما زالوا يحضون "المجلس الوطني" وجماعة
"الأخوان المسلمين" على التدخل بوتيرة أعلى لحل هذه القضية.
وفي المعلومات؛ أن الخاطفين يريدون
راهناً فدية ضخمة، بما يضمن لهم شراء سلاح نوعي لمواجهة جيش النظام أو تأمين هذا
السلاح لهم، كما أنهم طرحوا مع الوسطاء إمكانية تبادل المختطفين، بحيث يخرج بموجب
الصفقة مؤسس "الجيش السوري الحر" حسين هرموش، المختطف جراء علمية أمنية
في تركيا، والذي يصر الثوار على أنه "أسير حي في معتقلات الأسد".
بالمقابل يطرح الوسطاء تجزئة
العملية، تيسيراً للحل، بحيث يطلق الخاطفون سراح تسعة مختطفين، ممن لم ينسب إليهم أية
علاقة بـ "حزب الله"، على أن
يتكثّف العمل في المرحلة التالية على إطلاق سراح الباقين (عباس شعيب، وحسن أرزوني،
وحسن حمود).
وإذا كان من غير المعروف راهناً ما إذا كان هذا
الطرح سيكون مقبولاً؛ تبقى قضية المخطوفين اللبنانيين في سوريا، أحد أهم القضايا
التي توجب على الحكومة تشكيل خلية أزمة، لتأمين تضامن لبناني عام (يُلاحظ أنه أخذ
في التراجع مؤخراً تحت تأثير ازدياد التوترات المذهبية)، ولتسريع الوصول إلى نهاية
سعيدة لهذه القضية الإنسانية.
--------------------------------
أسماء المختطفين الذي
ظهروا على "الجزيرة":
عباس شعيب، علي عباس، جميل صالح، علي زغيب، عوض إبراهيم،
محمد منذر، علي ترمس، عباس حمود، حسين عمر، حسن أرزوني، حسن حمود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق