عندما
أقلب في ذاكرتي صفحات من التاريخ، أتذكر تلك الصورة التي وصف لنا بها أستاذ التاريخ
الشريف حسين، حينما ضرب بعقاله الأرض وقال :’’طاب الموت ياعرب’’ معلنا انطلاقة شرارة
الربيع العربي الأول في عام 1916 للإستقلال أو الانفصال عن السلطنة العثمانية (الاحتلال،
الإستعمار, الإمبراطورية، الخلافة… كما تحلو التسمية لجميع الفرقاء والتوجهات) لتحقيق حلم العرب بالديمقراطية, وكان من نتائجها
أن تم تقسيم الوطن العربي بين الحلفاء وفق اتفاقية سايكس- بيكو ووعد بلفور، ودخلت الدول
العربية تحت نير الإستعمار،
ورسمت حدود الدول العربية بالمسطرة، دون النظر إلى العوائق
الطبيعية بين الدول، مع الإبقاء على مناطق متنازع عليها كبؤر للتوتر والقلاقل وهي المناطق
المحايدة، وكان من نتائجها أيضا انكفاء أبناء القطر الواحد على ترسيخ الحدود وترسيمها
والدفاع عنها و ظهور النزعات الإقليمية والقومية والطائفية والمذهبية، التي بذر بذورها
الإستعمار بدلا من الأممية، التي جمع الإسلام الناس عليها في بوتقة واحدة، وكان ميزان
التفاضل والتكافؤ آنذاك التقوى، واستبدل خليفة المسلمين برجل من سلالة النبي، صلى الله
عليه وسلم, حاكم الحرمين وحامي المقدسات الإسلامية، ودخلت العنصرية إلى الوطن العربي
من أوسع الأبواب، مما أسهم في إنهاء حكم المسلمين على علاته وأمراضه، والدخول في صراعات
كما أراد لها مهندسها البريطاني لورنس أن تكون، وهاكم ما قاله لورنس بهذا الخصوص في
أحد تقاريره:’’ لو تمكنا من تحريض العرب على انتزاع حقوقهم من تركيا، لقضينا على خطر
الإسلام إلى الأبد، ودفعنا المسلمين إلى إعلان الحرب على أنفسهم فنمزقهم من داخلهم
وفي عقر دارهم ، وسيقوم نتيجة لذلك خليفة للمسلمين في تركيا وآخر في العالم العربي،
ليخوضا حرباً دينية داخلية فيما بينهما ، ولن يخيفنا الإسلام بعد هذا أبداً ’’
وبسبب تلك الثورة، كسرت شوكة المسلمين والعرب
معا ، إذ كانت العقبدة الإسلامية العقيدة الأساسية الوحيدة التي تواجه بريطانيا وحلفاءها،
لذلك سعوا للقضاء عليها عن طريق هدم الخِلافة الإسلامية ، والدليل على ذلك أيضا تقرير
سريّ كتبه لورنس عام 1916 بعنوان ’’ سياسة مكة ’’ أوضح فيه رأيه في ثورة العرب: ’’
إنّ نشاط الحسين مفيد لنا، إذ أنّه ينسجم مع أهدافنا الكبيرة ، وهي تفكيك الرابطة الإسلامية
وهزيمة الإمبراطورية العثمانية وانحلالها، لأنّ الدول التي ستنشأ لتخلف الأتراك، لن
تشكل أي خطر على مصالحنا… فإذا تمكنا من التحكم بهم بصورة صحيحة، فإنهم سيبقون منقسمين
سياسياً إلى دويلات تحسد بعضها بعضا، ولا يمكن أن تتحد"
وهنا من حقنا أن نتساءل‼!
هل رأينا أو لمسنا غير نتائج هذا المخطط طيلة قرن من الزمن ؟؟؟ فضلا عن ولادة الكيان
الصهيوني، ذلك الإسفين الذي دق بين قارتي آسيا وأفريقيا، لمنع أي صورة من صور التكاتف
والتكامل والتوحد بين شرقي الوطن العربي وغربيه.
واليوم، وبعد مئة عام تقريبا يولد في منطقتنا
العربية لورنس بريطاني - أمريكي جديد آخر … إنه العراب الصهيوني "برنارد لويس"
أعدى أعداء الإسلام على وجه الأرض، حيي بن أخطب العصر الحديث، والذي قاد الحملة ضد
الإسلام ونبي الإسلام، صاحب أخطر مشروع في هذا القرن لتفتيت العالم العربي والإسلامي
من باكستان إلى المغرب.
ولد "برنارد لويس" في لندن عام
1916م، وهو مستشرق بريطاني الأصل، يهودي الديانة، صهيوني الانتماء، أمريكي الجنسية.
تخرَّج في جامعة لندن 1936م، وعمل فيها مدرسا في قسم التاريخ للدراسات الشرقية الإفريقية،كتب
"لويس" كثيرًا، في تاريخ الإسلام والمسلمين؛ حيث اعتبر مرجعًا فيه، فكتب
عن كلِّ ما يسيء للتاريخ الإسلامي متعمدًا،
فكتب عن الحشاشين، وأصول الإسماعيلية، والناطقة، والقرامطة، وكتب في التاريخ الحديث
نازعًا النزعة الصهيونية التي يصرح بها ويؤكدها.
انظروا إلى ما يقوله في مقابلة أجرتها معه
وكالة الإعلام في 20/5/2005م بالنص:
"إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا
لأنفسهم، فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض
المجتمعات، ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير
ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها
أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة؛ لتجنُّب الأخطاء والمواقف
السلبية التي اقترفتها الدولتان، إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية
إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود
الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا ، أو ندعهم
ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب
المنطقة على الحياة الديمقراطية ، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقـوم أمريكا
بالضغط على قيادتهم الإسلامية - دون مجاملة ولا لين ولا هوادة- ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات
الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها ، واستثمار التناقضات
العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها".
إنه برنارد لويس الذي يجوب إقليم دارفور اليوم،
وأشرف على انفصال جنوب السودان، وأنزل العلم الليبي الذي رفعه القذافي يوما ما احتجاجا
على اتفاقية كامب ديفد، ويكمل المشوار من بعده السيناتور جون ماكين برفقة سفير أميركا
في ليبيا ووفد من الكونجرس الأمريكى حيث زاروا
مخيمات النازحين من أنصار القذافي، والتي نقل خلالها السيناتور ماكين رسالة اعتذار
باسم الرئيس الأميركي باراك أوباما لأنصار القذافي وكتائبه العسكرية، وقد وعد بتقديم
كل الدعم المادي والمعنوي والحماية لهم، وقدم لهم دعوة لزيارة أميركا .وا ستكمل ماكين
ذلك بزيارة سرية إلى مدينة الكفرة للقاء أنصار القذافي وكتائبه العسكرية والقوات التشادية
وحركة العدل والمساواة التي تخوض حربأ منذ أيام للسيطرة علي باقي مدن الجنوب الليبي
بعد سقوط مدينة الكفرة, لقيام دولة في الجنوب .
ولا بد من أن نتفاجأ بخبر ’’صحيفة الأمناء’’
عن مساع وتحركات دول عربية وغربية، قد أسفرت في التوصل إلى اتفاق بتسليم فرنسا ملف
القضية الجنوبية في اليمن، وتكليفها بإدارة الحوار والإشراف على اللقاءات والمشاورات
بين أطراف العملية السياسية المؤثرة في الجنوب لانفصال الجنوب، وكان السفير الفرنسي لدى اليمن السيد فرانك جيله قد قام
مؤخراً بزيارة إلى عدن، التقى خلالها بعدد من قيادات الحراك الجنوبي، كما قام السفير
الفرنسي والوفد المرافق له بزيارة إلى مقر صحيفة’’ الأيام ’’ بهدف الاستماع إلى آخر
المستجدات المتعلقة بالصحيفة الموقوفة قسرا منذ مايو 2009م وتطورات الحراك الجنوبي
.
وكان الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي سالم
البيض قد قال في مقابلة له مع صحيفة كويتية ’’إن الفيدرالية التي ينادي بها البعض كحل
للقضية الجنوبية، تعد خديعة جديدة ضد أبناء الجنوب ، مشيرا إلى أنه لا يريد أن يقع
في مطب جديد كالذي وقع فيه عند التوقيع على الوحدة مع شمال اليمن ، وقال: . نحن نعتبر
أن الفيدرالية تودينا في حوش (الدحابيش). لا نريد مرة ثانية أن نقع في المطب الذي وقعنا
فيه. أانا مع ما يريده شعبي في الجنوب. والإخوان يبحثون من طريق آخر’’.
إنما يريده برنارد اليوم، ومن خلال الربيع
الثاني للثورة العربية, تعميم النموذج العراقي في الديمقراطية التوافقية القابعة فوق
برميل من البارود، تستدعي الغرب ليدس أنفه ليفض النزاعات العرقية والطائفية كلما عجز
الفرقاء عن حلها، وهذا مانراه ماثلا للعيان في العراق من تآمر على نائب رئيس الجمهورية
طارق الهاشمي وبعده مؤتمر السليمانية فالنجف، ولن تحل المعضلة إلا بتقسيم العراق إلى
ثلاث دويلات سنستانية وشيعستانية وكردستانية، ثم انفصال العلويين والأكراد والدروز
في سوريا إلى فدراليات فدويلات، يتبعها الأقباط في مصر والحبل على الجرار, وتعزيز دور
إسرائيل وتسيدها في المنطقة، فضلا عن تسيد الفكر الشيعي الفارسي الصفوي، وانحسار الفكر
السني المعتدل، وعلى العموم، وحتى لايفهم كلامنا مغلوطا أو معكوسا بالمقلوب، أو أننا
ضد الثورات العربية والتخلص من ربقة الدكتاتوريات العميلة المقيتة، ومن خلال مانراه
من انقسام وتداعيات, أن ندس كالنعامة رؤوسنا بالتراب، وأن نقف عاجزين أو مكتوفي الأيدي
أمام مايخطط أو يحاك لنا في منطقتنا العربية، إذ يجب علينا أن نقف سدا منيعا أمام تلك
المخططات، لنصد مسارب التفكك والانقسام، كما يجب علينا تحديد أولويات المرحلة الانتقالية
والمراحل اللاحقة، وأن نتسامى عن الأنانيات التي أثقلت وطأتها الصف الوطني، والابتعاد
عن روح الشك والريبة والتخوين وأن نتقبل النصيحة، وفوق هذا وذاك، لن نقر في يوم من
الأيام بسياسة استبدال عمالة الحكام للغرب لخمسين عام مضت بعمالة الشعوب لخمسين عام
قادمة، تلك السياسة التي يسوق ويروج لها في ربيع الثورات العربية اليوم، والشرق الأوسط
الجديد.
وأترك للقارئ الكريم أن يقارن بنفسه بين الربيعين
من حيث مكان الانطلاق والمخطط والنتائج، وكيف تساق الشعوب إلى حتفها …والآثارالملموسة
على الأرض … إن أمريكا مادخلت بلدا وخرجت منه إلا وخلفت قواعد لها في تلك البلدان،
وهي جاهزة للانقضاض في كل وقت وحين، والآن أو اليوم تصبح بديلا عن بريطانيا في ربيع
الثورات العربية الأول … وحسبنا الله ونعم الوكيل …. مع كل الاحترام والتقدير.
د.محمد وليد حياني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق