تتنوع مخلوقات الله عز وجل في هذا الوجود تنوعاً مذهلاً يعجز العقل البشري
عن الإحاطة بدقائقه وتفاصيله .. من أصغر مخلوق إلى أكبر مخلوق .. من الذرة إلى
المجرة .. ومن الجماد إلى النبات إلى الحيوان .. إلى الإنسان !
وتختلف هذه المخلوقات بعضها عن بعض اختلافات واسعة بالصفات والطاقات
والاستعدادات والطبائع ، وتنشأ عن ظاهرة الاختلاف والتنوع هذه ظاهرة أخرى تكاد
ترتبط بها ارتباطاً عضوياً ، ألا هي ظاهرة ( الصراع ) الذي يجري بين هذه
المخلوقات فيضفي على الوجود سمة الحيوية والحركة والنشاط ، ويثمر آخر المطاف دوام
هذا الوجود ونموه وتطوره ، ويمكن أن نشبه هذا الصراع بالتفاعلات التي تحصل بين
العناصر الكيميائية بسبب اختلاف خواصها وقابلياتها ، فإن التقاء هذه العناصر بعضها
مع بعض يثير التفاعل بينها ، وقد يكون هذا التفاعل عنيفاً فينتج عنه مقدار هائل من
الطاقة والحرارة ، وربما تصدر عنه أبخرة وفرقعات وأصوات مدوية ، إلا أن هذا التفاعل
لا يلبث أن يهدأ شيئاً فشيئاً بعد أن ( تتصالح ) هذه العناصر بعضها مع بعض وتترابط
فيما بينها بروابط قوية تسفر أخيراً عن تشكيل مركبات كيميائية مستقرة .
وكذلك هي الحال بين مخلوقات هذا الوجود ، فإن اختلافها وتنوعها وتباين
صفاتها واستعداداتها وطبائعها يجعلها قابلة للتفاعل بعضها مع بعض ، وهذا التفاعل
أو ( الصراع ) موجود على كل المستويات ، وفي كل مكان ، فهو موجود في العالم
البيولوجي حيث تتصارع الأجناس ، كما هو موجود في عالم البشر ، ولذا كان موضع
اهتمام ودراسة في كافة العلوم الاجتماعية ، ويتناول علمُ النفس الصراعَ داخل الفرد
، بينما يتناول علم الأنثروبولوجيا الصراعَ بين الثقافات ، ويتناول علم الاجتماع
الصراعَ داخل وبين الجماعات إلى جانب الصراع العنصري والصراع الديني ، ويتناول علم
الاقتصاد الصراعَ بين المنظمات والشركات والنقابات .. إلخ ، وتتناول العلوم
السياسية الصراعَ بين التنظيمات السياسية والصراعَ الدولي ، أما علم التاريخ فما
هو في حقيقته إلا سجل كبير لظاهرة الصراع ، أما الجغرافيا فتتناول الصراع بين
الماء واليابسة ، والصراع بين الصحراء والمناطق الزراعية ، كما يشكل الصراع جزءاً
كبيراً من الدراسات المتخصصة في العلاقات الدولية ، وأية علاقات أخرى ، الأمر الذي
دعا بعض العلماء للقول بنظرية عامة للصراع(1)
.
البداية المشؤومة :
ولا يخرج المجتمع البشري عن هذه القاعدة ، فالمجتمع البشري يتكون من أمم
وسلالات وأعراق يختلف بعضها عن بعض في الجبلَّة واللسان والألوان والعادات
والتقاليد والمعتقدات ، ويضم أفراداً يختلف بعضهم عن بعض في القدرات العقلية والميول
النفسية والمصالح والأهواء ، إلى غير ذلك من أوجه الاختلاف التي تجعل المجتمع
البشري قابلاً للتفاعل والصراع بعضه مع بعض ، وبالرغم مما ينطوي عليه هذا الصراع
من مخاطر ، وما ينتج عنه من أضرار ، فإنه ينطوي بالمقابل على فوائد عظيمة لا يمكن
إنكارها ، فهو يحافظ على التوازن الحيوي في المجتمع بمدافعة أهل الخير لأهل الشر ويَحُول
بذلك دون فساد الخليقة ، كما قال تعالى : (( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ
بعضَهُم ببعضٍ لَفَسَدَتِ الأرضُ )) سورة البقرة 251 .
ونخلص من هذه المقدمة إلى أن الصراع في هذا الوجود سنة من سنن الله في خلقه
، ومن ثم فليس غريباً أن يكون الصراع أول ظاهرة يشهدها التاريخ البشري منذ بداياته
الأولى ، فقد نشب الصراع بين الخير والشر منذ اللحظة الأولى التي خلق الله فيها الإنسان
وأمر الملائكة بالسجود له تعبيراً عن تكريمه وتحضيره لحمل الأمانة والاستخلاف في
الأرض ، وذلك حين أبى إبليس أن يذعن للأمر الإلهي وقال : (( أنا خيرٌ منهُ ، خَلَقْتَني
من نارٍ وَخَلَقْتَهُ من طينٍ )) سورة ص 76 ، ولم يتوقف إبليس عند هذا الحد المفرط
من الوقاحة في رحاب الحضرة الإلهية بل عبَّر عن منهجه الشيطاني في إذكاء نار
الصراع بين الناس : (( قالَ فَبما أَغْوَيْتَني لأقْعُدَنَّ لهم صراطَكَ المستقيمَ
* ثم لآتينَّهم من بين أيديهم ومن خَلْفهم وعن أيْمَانهم وعن شَمَائلهم ولا تَجُدُ
أكثرَهُمْ شاكرينَ )) سورة الأعراف 16 ـ 17 ، وابتداء من تلك اللحظة المبكرة
المشؤومة دبَّ الصراع في هذا العالم ، وكان هو السبب في الإخراج من الجنة ، ولم ينحصر
الصراع في نطاق العلاقة بين الشيطان والإنسان بل سرعان ما انتقل إلى بني آدم
أنفسهم ، فوقع أول صراع بين ولدي آدم عليه السلام حين أبى أحدهما نتيجة التحكيم
الذي جرى بينهما وقال لأخيه بحقد : (( لأقتلنَّكَ )) ثم لم يلبث أن قتله ، وانطلاقاً
من تلك البداية المأساوية تتابع مسلسل الصراع بين الناس ، وبدأ التاريخ الفعلي
لأخطر ظاهرة عرفتها البشرية عبر تاريخها ، وكان ذلك العصيان من إبليس وتلك البادرة
الطائشة الحقودة من ولد آدم تجاه أخيه أشبه بالسُّمِّ الزعاف الذي حُقِنَ في
شرايين التاريخ البشري فلم يبرأ منه حتى اليوم ، والظاهر أنه لن يبرأ منه حتى آخر
الزمان ، وليس كما زعم في الماضي بعض المفكرين والمنظرين وفلاسفة السعادة
المثاليين ، أو كما يزعم في الحاضر بعض المنظِّرين السياسيين الذين يزعمون أن
الحربين العالميتين اللتين شهدهما النصف الأول من القرن العشرين كانتا آخر الحروب ،
وأن الصراع بين الناس قد انتهى إلى غير رجعة ، وحل في الأرض السلام (!)
ومن الطريف هنا أن نورد ما كتبه المفكر عبد الرحمن الكواكبي ( 1854
ـ 1902 ) في خاتمة كتابه الشهير ( طبائع الاستبداد ) وكان هذا المناضل قد
ذاق من خصومه ألوان التعذيب والسجن والملاحقة ، لكنه ظل متفائلاً على طريقة
الفلاسفة المثاليين فكتب يقول : ( وإني أختم كتابي هذا بخاتمة بشرى ، وذلك أن
بواسق العلم وما بلغ إليه ، تدل على أن يوم الله قريب ، ذلك اليوم الذي يقل فيه
التفاوت في العلم وما يفيده من القوة ، وعندئذ تتكافأ القوات بين البشر ، فتنحلّ
السلطة ، ويرتفع التغالب ، فيسود بين الناس العدل والتوادد ، فيعيشون بشراً لا
شعوباً ، وشركات لا دولاً ، وحينئذ يعلمون ما معنى الحياة الطيبة : هل هي حياة
الجسم وحصر الهمة في خدمته ، أم هي حياة الروح وغذاؤها الفضيلة ؟ ويومئذ يتسنى
للإنسان أن يعيش كأنه عالَم مستقل خالد ، كأنه نجم مختص في شأنه ، مشارك في النظام
، كأنه مَلِكٌ وظيفتُه تنفيذ أوامر الرحمن الملهمة للوجدان )(2)
فأين هي هذا البشرى من الواقع المشهود وقد مضى عليها ما يزيد عن قرن من الزمان ؟!
نعم .. قد تهدأ حدة الصراع بين الناس حيناً من الدهر ، حتى ليخيل إليك أن
البشرية قد بلغت أخيراً سن الرشد ، وآمنت بأن الصلح خير ، إلا أن النظرة المدققة
في صفحات التاريخ تنبيك أن فترات السلام لم تكن سوى وقفات عابرة كاستراحة المحارب
بين جولتين ، وقد ذكر مؤرخ الحروب السويسري بابل أن البشرية ظلت على مدى 5500 سنة الماضية
من تاريخها في حروب طاحنة متواصلة أسفرت عن مقتل ملايين لا تحصى من البشر ، وأن
البشرية على مدار هذا التاريخ الطويل لم تعرف الراحة سوى 292 سنة فقط ، بل إن
القرون الثلاثة الميلادية الأخيرة فقط ( 18، 19، 20 ) شهدت 286حرباً في أوروبا
وحدها(3) بمعدل حرب واحدة كل عام ناهيك عن بقية
أنحاء العالم !
وهكذا ظلت البشرية على مدار تاريخها تمضي 19سنة في الحرب مقابل سنة واحدة
من الراحة ، وهذه الراحة في الواقع لم تكن راحة حقيقية ، بل كانت راحة نسبية
يمضيها الناس بالاستعداد للحرب المقبلة ، وهذا يعني بكل وضوح أن الحرب كانت ولاتزال
جزءاً لا يتجزأ من التاريخ البشري ، ويقدر الخبراء العسكريون أن البشرية أصبحت تخصص
اليوم مبالغ طائلة جداً للحرب تربو على ( 3,2% ) من الناتج المحلي(4) ، أما السلاح الحربي الذي بدأ باستخدام
الحجر والعصا فقد وصل اليوم إلى سلاح تدمير شامل قادر بكبسة زر على إفناء البشرية
عن بكرة أبيها ، ليس مرة واحدة بل آلاف المرات ، ويكفي أن نعرف أن لدى الولايات
المتحدة الأمريكية وروسيا وحدهما عشرات الآلاف من الرؤوس النووية المدمرة التي لو
وزِّعت على أهل الأرض لكان نصيب كل واحد منهم عشرة آلاف كيلوغرام من مادة (ت.ن.ت)
شديدة الانفجار(5) ، هذا الإنسان الذي
تكفي بعوضة تافهة لقتله .. فتأمل !
وقد يخيل لكثير من الناس أن الخسائر البشرية الفادحة للصراع بين الناس لا تحصل
إلا في الحروب الكبيرة كالحربين العالميتين اللتين أسفرتا عن مقتل ( 70 مليون نفس
) عدا ملايين لا تحصى من المشوهين والمعاقين والأرامل والثكالى ، فالإحصائيات تعطينا
صورة أشد قتامة عن تلك الحروب الصغيرة والصراعات المحلية التي تحصل هنا أو هناك
بين الفينة والفينة والتي لا تحفل بها وسائل الإعلام بالرغم من أن خسائرها تفوق
أشد الحروب ضراوة ، ففي دراسة نشرت عام 1986 تبين أن الذين قضوا نحبهم رمياً
بالرصاص أو بالقنابل خلال الأربعين سنة التي تلت الحرب العالمية الثانية فاق عدد
العسكريين الذين قتلتهم الحرب ، وأن عدد الحروب التي وقعت بعد الحرب العالمية
الثانية وحتى نهاية عام 1992 بلغت 200 حرب بمعدل ( 9 حروب/ سنوياً ) في حقبة
الخمسينات ، و ( 14 حرباً / سنوياً ) في حقبة السبعينات(6)
!
وتؤكد هذه الحقائق أن البشرية مازالت عند ظن الملائكة حين أخبرهم الله عزَّ
وجلَّ عن خلق الإنسان فقالوا : (( أتجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ
الدِّماءَ ونحنُ نُسَبِّحُ بحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ )) سورة البقرة 30 ،
ولم تحقق البشرية حتى اليوم عِلْمَ اللهِ تعالى فيها حين ردَّ على الملائكة بقوله
تعالى : (( إنِّي أعلمُ ما لا تَعْلَمون )) سورة البقرة 30 .
لكن ـ مع تسليمنا بهذه الحقيقة المرة ـ لا يسعنا إلا التسليم كذلك بأن
الصراع بين البشر لم يعد اليوم بالشدة نفسها التي كان عليها عبر التاريخ ، فقد
أمسى البشر اليوم أقل جرأة على اجتراح الحروب ، لا لأنهم فهموا درس التاريخ جيداً
، ولا لأنهم تعافوا من عقدة إبليس وطيش قابيل ، بل لأن ضريبة الحرب المعاصرة قد
تضاعفت أضعافاً مضاعفة من جراء التقدم العلمي الهائل الذي أتاح لعشاق الحروب أسلحة
تدمير شامل لا تبقي ولا تذر ، وأيضاً بسبب هذا التقارب الشديد في الزمان والمكان
الذي حوَّل كوكب الأرض إلى قرية صغيرة سرعان ما يتحول فيها الحدث المحلي إلى حدث
عالمي ، وهذا يعني أن الآثار التدميرية للأسلحة الحديثة لن تقضي على العدو وحده بل
سيمتد أذاها إلى الجنس البشري كله !
أضف إلى هذا أن الكشوف العلمية الأخيرة فتحت أبصارنا على الحقيقة المرعبة التالية
، وهي أننا ـ نحن أهل الأرض ـ لا نزيد عن أسرة صغيرة تسافر عبر الفضاء اللانهائي على
هباءة ضئيلة جداً لا تكاد تساوي شيئاً في محيط هذا الكون الشاسع الذي يبدو كأن لا
حدود له ، وقد اكتشفنا مؤخراً أن سفرنا على هذه الهباءة ينطوي على مخاطر لا أول
لها ولا آخر ، منها أن أرضنا تتعرض في كل عام آلاف المرات للاصطدام المدمر بأحد
الكويكبات التي تمر بمدار الأرض(7) ،
ومنها نضوب جزء كبير من ( طبقة الأوزون ) التي تشكل سقفاً محفوظاً حول الأرض
يحفظها من أخطار الأشعة الشمسية والأشعة الكونية ، ومنها تلوث البيئة الذي وصل اليوم
إلى حدود الخطر الحقيقي في الكثير من بقاع الأرض(8)
، ناهيك عن الأمراض القاتلة التي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة وباتت تهدد بحدوث
أوبئة عالمية قد تستأصل الأخضر واليابس لتذر الأرض قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً
ولا أمتاً !
وقد أجبرت هذه المعطيات المرعبة أصحاب القرار في العالم أن يعيدوا حساباتهم
، وأن يعدُّوا إلى الألف قبل أن يُقْدموا على خوض صراع أحمق ، من أجل قطرة ماء لا
تروي غليلاً ، أو شبر أرض لا يكفي ليكون قبراً !
أثر الصراع في التقدم البشري :
ومن
المفارقات العجيبة في تاريخ البشر أن الصراع فيما بينهم ـ على ما فيه من مصائب
ومخاطر واحتمالات مرعبة ـ يبدو ضرورياً للتقدم وبناء الحضارة ، وهذا ما تشهد به
وقائع التاريخ الكثيرة ، وأشار إليه كثير من الباحثين ، فالفيلسوف الألماني عمانوئيل
كانط ( 1724 ـ 1804 ) في كتابه ( نحو السلام الشامل ) ينتهي إلى أن الصراعات
التي شهدها التاريخ البشري كانت سبباً رئيساً لنشأة الحضارات وتنوعها ، وأن الصراع
المحموم الذي ينشب بين الناس ما بين الحين والآخر هو الذي يدفعهم للانشقاق وتشكيل
تجمعات بشرية جديدة تنافس خصومها ، وتعمل جاهدة على إحراز مكانة متميزة في هذا
العالم ، ومن أتون هذا الصراع تولد الأفكار المبدعة ، وتخرج الإنجازات الحضارية
العظيمة !
ويذهب المؤرخ البريطاني أرنولد تونبي (
1889 ـ 1975 ) إلى ما يشبه هذا الرأي ، ومع أنه لا يرد نشأة الحضارات إلى الصراع
بين البشر ، فإنه يرد نشأتها إلى صراع من نوع آخر ، وهو ذلك الصراع الذي ينشب ما بين
الإنسان وبيئته الجغرافية ، ففي رأيه أن حالة التحدي التي يفرضها الموقع الجغرافي
على الإنسان هي التي تدفعه للرد والاستجابة بفعل حضاري ، على النقيض من حال
الإنسان الذي يعيش في بيئة تتوافر فيها سبل العيش والراحة والهدوء والطمأنينة
فيركن إلى الدعة ويستسلم للحالة التي هو عليها(9)
!
ويذهب
فيلسوف آخر إلى أبعد من هذا بتأكيده على دور الصراع في التقدم البشري فيقول : ( من
الصعب تَصَوُّر كيف يمكن أن يتطوَّر العالَم لولا وجود الصِّراعات فيه ، والواقع
أن محاولات التوفيق بين المصالح والحاجات والأفكار المتضاربة بين الناس يشكِّل
منبعاً أساسياً للأفكار المُبْدعة والحُلول المبتكرة ، إذ إنَّ مواقف الصِّراع تُفَجِّر
مخزوناً هائلاً من الطاقة يمكن أن تكون فائدتها عظيمة لو وُجِّهت الاتجاه الصحيح
)(10) .
وهكذا نجد الكثيرين من الفلاسفة وعلماء التاريخ يقررون أن الصراع في الأرض
لم يكن شراً كله ، بل كانت له بالمقابل فوائد لا تنكر ، فقد كانت الصراعات على
مدار التاريخ ومازالت هي المحرك الأهم للأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية
في شتى المجتمعات ، وفي مختلف الأمم ، حتى إن الفيلسوف الإغريقي هيروقليطس
( 540 ـ 490 ق. م ) أطلق على الحروب وصف (أمُّ التاريخ) لقناعته بأن دورها كان
محورياً في مختلف الأحداث التي شهدها التاريخ البشري ، وهذا ما دفع العديد من
الباحثين إلى الإشادة بالصراعات ، ومنهم على سبيل المثال الباحث الفرنسي المعاصر غاستون
بوتول الخبير بشؤون الحرب ومؤسس المعهد الفرنسي لعلم الحرب الاجتماعي ، فقد
كتب يقول : ( إن الحرب هي أروع
الظاهرات الاجتماعية بلا خلاف ، وإذا كان علم الاجتماع ، كما قال عالم الاجتماع
دوركايم ، هو التاريخ مفهوماً على صورة ما ، فإننا نقول : إن الحرب هي التي ولدت
التاريخ ، فالتاريخ بدأ في الواقع بكونه تاريخ المعارك المسلحة دون غيره ، ولعله
سيبقى دوماً تاريخ المعارك ، ذلك بأن الحرب هي في الوقت نفسه أبرز المعالم التي
نستند إليها في التأريخ ، وهي الحدود التي تدل على المنعطفات الكبرى للحوادث شئنا
أم لم نشأ ، فبالحرب كادت كل الحضارات المعروفة تزول ، وبالحرب كادت كل الحضارات
الحديثة تشق طريقها إلى الظهور ، وبالحرب تقوم أو تتثبت ضروب التفوق التي تضع
مجتمعاً ما على هامة البشرية زمناً متفاوتاً في الطول .. والحرب في الوقت نفسه هي
العامل الأساسي من عوامل ذلك التقليد الاجتماعي الذي يؤدي دوراً عظيماً جداً في
ضروب التحول الاجتماعي ، إنها تنتهي إن عاجلاً وإن آجلاً بإرغام الدول الأكثر
انغلاقاً على الانفتاح ، وربما كانت الحرب هي الشكل الأقوى والأنجح في احتكاك
الحضارات ، فهي تقطع سبيل العزلة النفسية بالقوة ، إنها تنشر حتى الأزياء ، فنستطيع أن نعرف الظافر الحقيقي في
الحرب من خلال طرز الألبسة التي تشيع في السنوات التالية للحرب .. والحرب ، بكلمة
واحدة ، هي أهم أشكال تغيير الحياة الاجتماعية ، فهي صورة من صور الانتقال
المعجَّل )(11) .
أضف إلى هذا أن الصراعات والحروب كانت هي الدافع الأهم لعجلة التطور العلمي
والكشوف والاختراعات ، فقد ظل الزعماء على مدار التاريخ يجندون خيرة العلماء
والخبراء والعسكريين لتطوير آلة الحرب ، ومع تطوير هذه الآلة الرهيبة وتطوير
الوسائل المضادة لها ظهرت إلى الوجود تلك المخترعات والمكتشفات التي عادت على
البشرية بالكثير من الفوائد ، ودفعت عجلة العلم خطوات واسعة إلى الأمام .. وهكذا
تتكشف لنا آفاق جديدة للحكمة الإلهية من خلال سنة الاختلاف والتدافع أو الصراع بين
الناس ، فهي إلى جانب ما تحققه من دفع للشر والحد من غلوائه وأذاه فإنها تعدُّ
المحرِّض الأهم على الإنجاز العلمي والفعل الحضاري .
ولا تظن أخي القارئ أن هذه دعوة منا لمواصلة الحروب والصراعات الدامية بين
الناس ، بل هي دعوة للتفكُّر بآيات الله في هذا العالم ، والنظر إلى الأحداث من
زواياها المختلفة في سبيل رؤية أشمل لظواهر الوجود ومسيرة التاريخ ، فإن مشكلة
الصراع بين البشر منذ آلاف السنين تدور في دائرة مفرغة فحواها أن النفس البشرية
تتوق فعلاً للانعتاق من أتون الصراع ، وتميل بفطرتها إلى حب السلام ، وتحلم
بالأمان الذي مازال يداعب أجفانها منذ مطلع التاريخ ، غير أنها في واقع الحال
مازالت تتمثل في أعماقها ذلك المثل الروماني القديم الذي يقول : ( إذا أردت
السلام فعليك أن تستعدَّ للحرب ) وإن أملنا كبير بأن تثوب البشرية آخر المطاف
إلى رشدها ، وأن تؤمن حقيقةً لا مجاملة بأن ( الصُّلْحُ خَيْرٌ ) وتتمثل قوله
تعالى : (( ولا تَسْتَوي الحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بالتي هيَ أحسنُ
فإذا الذي بينَكَ وبينَهُ عَدَاوَةٌ كأنَّهُ وَليٌّ حَميمٌ )) فصلت 34 ، لعلها
بهذا الهدي الرباني الحكيم تخرج من دوامة الصراع المرير الذي كلفها ومازال يكلفها
الكثير ، لتدخل مضمار التنافس الشريف الذي هو الهدف الأساسي من سنة الاختلاف (( وفي
ذلكَ فَلْيَتنافَسِ المتنافِسونَ )) فإذا لم نستوعب
هذه الحقيقة الإلهية ونفتح قلوبنا وعقولنا بصدق لكل من يشاطرنا العيش فوق هذا
الكوكب فإن الخيار الوحيد الذي يبقى أمامنا هو الاستعداد للانتحار .. فهل نحن
فاعلون ؟!
الصراع الفكري :
بعد أن تحدثنا عن الاختلاف المادي بين الناس ، وما ينتج عنه من صراعات
تتوسل بالقوى المادية المدمرة ، يجدر بنا أن نشير إلى شكل آخر من أشكال الصراع الذي
ينشأ عادة عن الاختلاف بالأفكار والعقائد ، لا سيما وأن الحروب تندلع في الفكر قبل أن تندلع في ساحة
المعركة كما جاء في ديباجة ميثاق اليونسكو ، وقد شهد تاريخ الصراع الفكري الكثير
من المآسي ، وكان حافلاً بالضحايا ، ولعل من أشد صور الصراع الفكري قتامة وظلامية
تلك الصورة التي شهدتها الصين في أواخر القرن الثالث قبل الميلاد إبان حكم
الإمبراطور تشين شي هوانغ تي الذي نصحه مستشاره الأكبر لي سوا بحرق
جميع الكتب في المكتبات العامة والكتب التي يقتنيها الناس في منازلهم بحجة حماية
المجتمع الصيني من "الأفكار الضارة" وتخليصه من عبء الماضي ، وعلى الفور
أمر الإمبراطور الأرعن بتنفيذ هذه الوصية فاندفع زبانيته يحرقون كل ما وصلت إليه
أيديهم من الكتب في احتفال همجي رهيب لم يشهد تاريخ القمع الفكري له مثيلاً ، ولم
يكتف هذا الإمبراطور الخفيف ومستشاره المأفون بهذه الجريمة بل أمر مع حرق الكتب
بحرق 470 كاتباً في احتفال حاشد ، على قرع الطبول وتصفيق الغوغاء الذين لم يدركوا
أنهم بهذا التصفيق الغبي يطمسون فترة من انصع فترات الصين الفكرية ! وقد بلغ من دهاء
ذلك المستشار وحقده على أهل الفكر أنه أسَرَّ للإمبراطور بأن يحفظ نسخة واحدة من كل
كتاب أمر بحرقه وحرق صاحبه لتكون هذه النسخ دليل اتهام وإدانة وشهادة أمام التاريخ
ضد من كتبها .. ترى هل دار في خلد ذلك المستشار أن هذه النسخ نفسها ستكون دليل
اتهام ضده وضد إمبراطوره ؟ وهل فكر ولو للحظة واحدة أن التاريخ سوف يلاحقه
باللعنات حتى آخر الزمان ، ولن يغفر له أبداً فعلته الرعناء بحق التراث البشري وحق
الحرية الفكرية ؟!
ولم تكن هذه الحادثة فريدة في تاريخ الفكر
البشري الذي شهد الكثير من الحوادث المأساوية المماثلة ، ومنها حادثة إحراق العالم
الإيطالي جوردانو برونو ( 1548 ـ 1600) الذي صدر بحقه في عام 1600 حكم
بالإعدام حرقاً من قبل الكنيسة لرفضه التراجع عن بعض أفكاره التي نشرها عن كروية
الأرض وموقعها في الكون ودورانها حول الشمس ، وقد نفذ فيه حكم الإعدام حرقاً وهو
حي على الرغم من إعلانه وهو على المحرق أنه مؤمن بالله ، لكن ذلك لم يشفع له عند
أرباب الكنيسة الذين ظلوا يرسلون إلى المحرقة كل من تجرأ على مخالفة أفكارهم ، لأن
ما يفكرون به هو ما يريده الله نفسه ، في زعمهم !
ومن حكمة الله عزَّ وجلَّ أن للتاريخ منطقاً
آخر غير المنطق الذي يسلكه أعداء الفكر ، فقد ظل التاريخ ينصف المفكرين المظلومين
، ولو بعد حين ، ويعيد الأمور إلى نصابها ، ومن ذلك أن بابا روما بعد عدة قرون من
حرق ( برونو ) أمر بإعادة الاعتبار لهذا المظلوم وإقامة نصب تذكاري فخم له في
المكان الذي أحرق فيه !
أما في الصين فإن اللعنات مازالت تلاحق
الإمبراطور ومستشاره غير الأمين ، بينما كونفوشيوس وغيره من حكماء الصين الذين
أحرقوا وأحرقت كتبهم استعادوا مكانتهم الرفيعة ، وفي هذا درس عظيم جدير بأن يعيه
كل من فكَّر بمحاربة الفكر والتضييق على الحرية الفكرية !
ولا تقتصر هذه الحوادث المأساوية على مجتمعات
محددة دون غيرها ، فالتاريخ البشري يقدم لنا شهادات دامغة على أن المجتمعات
البشرية على اختلافها قد شهدت مثل هذه الحوادث بما فيه تاريخ الفكر الإسلامي ، ومن
هذه الحوادث إعدام الفيلسوف الأصولي أبو الفتوح يحيى بن حبش السهروردي (1153 ـ
1191م) ، والصوفي الحسين بن المنصور الحلاج ( 858 ـ 922م ) الذي قتل قتلة شنيعة
فضرب بالسياط ثم صلب وقطع رأسه ثم أحرق ، وكذلك الأديب السياسي ابن المقفع ( 724 ـ
759م ) الذي قطع إرباً إرباً وهو حي وألقيت أشلاؤه في فرن بمنزله على طريقة
التصفيات السياسية التي تمارسها دوائر المخابرات اليوم !
ولئن كانت الحجة في قتل هؤلاء وأمثالهم أنهم
قالوا بأفكار بدعية ضالة وصلت إلى حد الكفر الصريح ، أو أنهم كتبوا مؤلفات سياسية
لتأليب الرأي العام وإحداث فتنة داخلية ، أو غير ذلك من الحجج ، فما هي الحجة إذاً
بسجن وتعذيب وقتل بعض العلماء الأفذاذ الذين أجمعت الأمة على علمهم وفضلهم وصلاحهم
من أمثال الفيلسوف الفقيه ابن رشد (1126 ـ 1198م ) الذي حوكم
علناً على بعض أفكاره ، ومنع من التدريس ، وطرد من مسجد قرطبة ، وكاد ينفى من
قرطبة نفسها ، على الرغم من علو شأنه في الفقه ، حتى إن بعض مؤلفاته تعد عمدة في
هذا العلم ، ناهيك عن مؤلفاته الفلسفية التي كانت ومازالت تعد من المراجع المهمة
في تاريخ الفلسفة ، إلى جانب مساهماته الطبية الكبيرة في عصره .
وما القول أيضاً في شيخ الإسلام ابن تيمية
( 1263 ـ 1327 ) الذي يعد أحد كبار المجددين في تاريخ الفقه الإسلامي ، فقد اعتقل
هذه المجدد في سجن القلعة بدمشق بحجة ضلاله وفساد عقيدته ، وبالغ سجانوه في إهانته
فعزلوه ومنعوا عنه القرطاس والقلم لكي يكبتوا صوته نهائياً ، لكنه نكاية بهم راح
يكتب خواطره بالفحم على جدران سجنه الذي بقي فيه حتى الموت ! وما القول كذلك
بسلطان العلماء ( العز بن عبد السلام ) الذي صدرت فتوى من علماء عصره بإهدار دمه
وإدانته بالكفر لمواقف وقفها أو مؤلفات أصدرها أو فتاوى ذهب إليها ولم تعجب بعضهم
!
ونعتقد أن الخلاص من هذه الظاهرة ووقف الصراع
الفكري وما يترتب عليه من ويلات لن يكون إلا بإعطاء هامش واسع من الحرية الفكرية ،
وفتح الباب للحوار الحر ، وقبول الرأي الآخر مهما كان مخالفاً لآرائنا ، لأن منع
الأفكار وتكميم الأفواه والتضييق على الناس لا يولد في النهاية إلا الانفجار ،
وبهذا نستطيع نزع الفتيل وتجنب الكثير من المآسي والتضحيات المجانية ، وبهذا أيضاً
نعطل الحجة التي مازالت عبر التاريخ سيفاً مصلتاً فوق رقابنا وقد حرمتنا من أفكار
مبدعة كان يمكن أن تدفعنا خطوات أوسع إلى الأمام !
وهناك ملاحظة لابد من تسجيلها هنا ، وهي أن
سجلات التاريخ تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه ما من فكرة وجدت لها في حقبة من
الزمن مؤيدين لها إلا واستمرت فيما بعد ، ولو في نطاق ضيق من الناس ، وقد باءت كل
محاولات استئصالها بالفشل !
نعم .. قد يكون من الحكمة الحد من انتشار بعض
الأفكار التي تسيء إلى المجتمع وقيمه وتراثه ومعتقداته ، إلا أن الوسيلة التي
ينبغي أن تستخدم لتحقيق هذه الغاية ليست القوة والقمع والاستئصال بل الحوار بالتي
هي أحسن على طريقة القرآن الكريم ، وبهذا يمكن أن نخفف من الصراع الفكري ليحل محله
التناصح والتواصي بالحق ، ولا يُصار إلى مصادرة الفكرة بالقوة إلا إذا عمد صاحبها
إلى فرضها على الآخرين بالقوة ، وفي هذه الحال نكون في حالة ردع للقوة لا للفكرة
.. وشتان ما بين الموقفين !
مفارقات
التاريخ الفكري :
ولا يفوتنا هنا أن نلفت أصحاب الفكر والرؤى والنظريات والفلسفات إلى بعض
المفارقات التي شهدها تاريخ الصراع الفكري حتى لا تتكرر مآسي هذا التاريخ ، ولعل
من أبرز تلك المفارقات وأشدها غرابة أن الكثير من الأفكار التي أنتجها العقل
البشري وآمن بها كثير من الناس ردحاً طويلاً من الزمان ، واعتقدوا أنها حقائق
نهائية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، وبذلوا في الدفاع عنها
أرواحهم رخيصة ، أو قَتَلوا ملايين الأنفس من أجل إقناع الآخرين بها وفرضها على
الناس ، لم يلبث التاريخ أن خيب ظنهم بتلك الأفكار ، وافترَّ ثغره عن ضحكة عريضة شامتة
تفضح زيف ما آمنوا به ، وكم شهدنا في الجيل الواحد مثل هذه الصراعات الفكرية الحمقاء
التي خاضها بعضهم بكل شراسة ولم يقتنعوا بخطئها أو عدم جدواها إلا بعد فوات الأوان
!
ولعل الدرس الأهم الذي نستخلصه من مثل هذا الطيش الفكري الذي دفعنا ضريبته
باهظة عبر التاريخ أن يظل عقلنا منفتحاً
دوماً على المستقبل ، مستعداً للمراجعة والتصويب في كل حين ، وأن تبقى أفكارنا على
محك النقد الذاتي ، وإلا كان جزاؤنا شماتة التاريخ ، والويل لمن يشمت به التاريخ
.. فإن أفكارنا تبقى آخر الأمر اجتهاداً بشرياً قابلاً للخطأ والصواب ، مهما اعتقدنا
أننا نستقيها من مصادر معصومة ، وهذه الحقيقة كثيراً ما تلتبس في أذهاننا فتوقعنا
بمطبات قاتلة ولاسيما حين نلتجئ إلى نصوص الوحي فنحتجُّ بها ونعتقد أننا ننطق باسم
السماء ونتوهم العصمة لأفكارنا ، وهذه علة
مستعصية ينبغي أن نحذر منها جيداً ، لأننا كثيراً ما نضع أفكارنا الشخصية القابلة
للخطأ والصواب في موضع النصوص السماوية فينتهي بنا المطاف إلى توريط النصوص في
معارك غير منصفة تضع النصوص في موضع الاتهام ، وهذه إشكالية معقدة جديرة بالتأمل
الطويل .
ومن المفارقات الغريبة التي نصادفها كثيراً في تاريخ الصراع الفكري أن تغير
أحوال المجتمعات نحو التقدم والحضارة أو نحو التخلف والانحطاط يتوقف على المعاناة
أكثر مما يتوقف على الأفكار التي تنشغل بها نخبة المفكرين في المجتمع ، فالحروب
والنزاعات والصراعات وتسلط بعض الناس على رقاب بعض والمآسي التي تنتج عن ذلك كله هي
التي كانت ومازالت المحرك الأهم للأحداث ، وهي التي تدفع عجلة المجتمع نحو أحد
طرفي المعادلة ، أي نحو الارتقاء في سلم الحضارة والرخاء والرفاهية والتمكين في
الأرض ، أو نحو السقوط في منحدر التخلف والانحطاط والتبعية ، وربما الخروج نهائياً
من خارطة الوجود !
وهذا لا يعني أن الصراع الفكري لا قيمة له في مسيرة الأحداث وصياغة التاريخ
, فقد شكلت بعض الصراعات الفكرية منعطفات تاريخية حادة عادت بالبشرية خطوات واسعة
إلى الوراء ، فيما شكَّل بعضها الآخر نقلات حاسمة إلى الأمام ، وبين هذه وتلك شهد
تاريخ الصراع الفكري الكثير من الأفكار التي ذهبت أدراج الرياح ، ومما يلفت النظر هنا أن الأفكار التي
كان لها التأثير الإيجابي الأكبر في مسيرة التاريخ البشري هي الأفكار الإنسانية
النبيلة التي جاءت بها الرسالات السماوية ، لأنها تراعي الفطرة البشرية وتتماشى مع
سنن الله في خلقه ، أما الأفكار التي ابتدعها بعض المفكرين والفلاسفة والمنظِّرين
والسياسيين ولم يراعوا فيها تلك الفطرة وهذه السنن فقد عادت على البشرية بالكثير
من الكوارث والمآسي والويلات ، ومما يدعو للاستغراب والدهشة حقاً أن الكثير من هذه
الأفكار المدمرة قد ادعت استنادها إلى رسالات سماوية ، وراحت تزهق الأرواح باسم
السماء ، مع أننا عند التمحيص فيها نجدها مجرد قراءات خاطئة لرسالة السماء ، تلك
الرسالات التي جاءت أصلاً من أجل سلام البشرية ، وإحقاق الحق والعدل بين الناس ،
فكيف يسوغ بعضهم توظيف هذه الرسالات في تأجيج الصراع وسفك الدماء ؟!
د. أحمد محمد كنعان
Kanaan.am@hotmail.com
(5) الجنرال
فيكتور فرنر : الحرب العالمية الثالثة ، ص 283 ، ترجمة هيثم الكيلاني ،
المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1988
(7) انظر : النهاية
، الكوارث الكونية وأثرها في مسار الكون . ص 24 ، فرانك كلوز ، ترجمة د.مصطفى
إبراهيم فهمي ، عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت
1994 .
(8) انظر : كوكب
الأرض ، نقطة زرقاء باهتة ، رؤية لمستقبل الإنسان في الفضاء ، كارل ساجان ،
ترجمة د.شهرت العالم ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 254 ، الكويت 2000
(9)
انظر : أرنولد توينبي ( مختصر دراسة التاريخ ) ترجمة فؤاد محمد شبل
، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية ، القاهرة 1966
(10) يجي غوت ، فويتشيخ هامان : احترام
الصراع ، ترجمة د. مطاع بركات ، ص 22 ، دار الآفاق والأنفس ، دمشق 1996 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق