يتخوف
بعض السوريين، وبعض العرب، من تغيير النظام الأسدي الذي أهلك الحرث والنسل، في
سوريا ولبنان، وساهم في هلاك العراق، ولن يتورع عن إلحاق الأذى بأي دولة عربية....
يتخوفون من تغييره... ويتخوفون من البديل الذي سيحل مكانه، ويتصورون الفوضى التي
حلت بالعراق، لذلك يخافون من تغيير النظام الأسدي...
لذلك
ومن متابعة مسيرة المعارضة السورية الداخلية والخارجية، تجمعت لدي معالم واضحة،
وأهداف مؤكدة، اتفقت عليها فصائل المعارضة السورية، داخل سوريا وخارجها، ترسم هذه
المعالم والأهداف صورة لسوريا المستقبل، سوريا ما بعد الأسـد، سوف أعرضها في هذه
الحلقات بإذن الله عز وجل.
الازدهار
الاقتصادي في سـوريـا المستقبل :
سوريا
بلد زراعي ممتاز، وفيه صناعات غذائية، ونسيجية نشيطة، وفيه نفـط من الأنواع
الممتازة، وفيه القمح الممتاز الذي تشتريه أوربا لأجل البسكويت والمعجنات، وفيه
الفوسفات ومعادن أخرى، وفيه شعب نشيط، لايرضى بالقليل، بل يحب أن يعيش حياة رفاهية،
ولذلك يعمل كثيراً وبجد ونشاط، وفي سـورية عدد كبير من الأغنياء المغتربين، وسوريا
كما ورد في برنامج من يربح المليون في محطة ( m b c) أغنى من السعودية ـ وأنا لا أصدق ذلك ـ لكن على ذمـة جورج قرداحي،
مقدم برنامج من يربح المليون...
كيف
كانت سوريـا قبل النظام الأسـدي :
سوريا
بلد غني بالخيرات، بلد زراعي ممتاز تكثر فيه الأمطار، وتتنوع فيه المزروعات، وتكثر
الثروة الحيوانية في بادية الشام، وفيه الفوسفات والحديد، وفيه من النفط ما يزيد
عن الاستهلاك المحلي (( يشاع في الأوساط الإعلامية والاقتصادية العالمية أن ثمن
النفط السوري لايدخل في خزينة الدولة، وبناء على ذلك وجهت إحدى الصحفيات سؤالاً
إلى وزير الاقتصاد السوري ( محمد العمادي ) فقالت الصحفية : نسمع أن ثمن النفط
السوري لايدخل في الخزينة السورية ؟ فأجاب معالي الوزير : النفط السوري في أيدي
أمينة !!؟ ولم يتمكن من نفي الخبر)). وفيه
خطان دوليان لتصدير النفط أحدهما خط التابلاين القادم من المملكة العربية السعودية،
والآخر خط النفط العراقي الذي يصب في الساحل السوري، وتحصل سوريا على حصة مجزية من
هذين الخطين، كما أن سوريا بلد سياحي ممتاز وخاصة لأهل الخليج العربي، الذين
يقصدون سوريا لبرودة جوها صيفاً وعذوبة مائها وكثرة فواكهها وينفقون أموالاً طائلة
خلال الصيف.
لذلك
كان الشعب السوري مكتفياً، يؤمن حاجاته الأساسية بل الكمالية بسهولة ويسر ولذلك كان الشعب السوري من أكثر شعوب العالم
اشتغالاً بالسياسة والأمور العامة، لأن
أساسيات الحياة والمعيشة متوفرة بسهولة لكل مواطن سوري، فالعامل البسيط (الحمال)
لوكسب في اليوم خمس ليرات سورية ( تعادل دولاراً وربع خلال الستينات ) تكفيه لأسرة
متوسطة العدد، هذا في المدينة، أما أسرة القرية فيكفيها دخل ألف وخمسمائة
ليرة سـورية (400) دولار فقط، في العام
كله، لتعيش حياة مرفهة لأن معظم غذائها من إنتاجها.
أما خريج
الجامعة العازب فراتبه أربعمائة ليرة سورية ( مائة دولار )، وخلال خمس سنوات على
الأكثر يتزوج ويمتلك شقة سكنية من توفير راتبه. أما مدرس الثانوي فكان راتبه0يصل
إلى خمسمائة ليرة سورية على الأقل،(وقد يصل إلى ألف ليرة ( 250)دولار، لذا كان ممن
يشـترون البيت والسـيارة ويتزوج بعد سنتين أو ثلاث فقط من بدايـة عمله.
وحتى
تفهم أجيالنا السورية التي قد لا تصدق هذا الكلام بعد أن نشأوا في عهد المجاعة
التي فرضها حافظ الأسد عليهم (( على مبدأ جوّع (....) يلحقك )) ـ ومعذرة من الشعب
السوري المغلوب على أمره ـ، أقول كان ثمن الكيلو غرام من الأرز أقل من نصف ليرة،
وكذلك السكر، أما اللحم فحتى عام ( 1974م) ثمنه سبع ليرات فقط للكيلو غرام، وخلال
السـتينات كان كيلو اللحم يتراوح بين ( 2 ـ 5 ) ليرات، أماالطماطم ( البندورة ) في
الصيف تصل إلى عشرة قروش للكيلو الواحد ( الليرة تساوي مائة قرش ). وكيلو البرتقال
في الشتاء يصل إلى خمسة عشر قرشاً فقط. وثمن الدجاجة الواحدة في الريف ليرتان فقط،
والبيضة الواحدة بعشرة قروش أو أقل. ونستطيع القول أن راتب المعلم الابتدائي كان
مائتان وخمسون ليرة سورية( 5 ر62 ) دولار أمريكي. ويعادل ثمن تسعة خراف أنذاك، أو
( 125 ) دجاجة.
وكان
العامل ( الحمّال ) يعمل حتى الظهر، ثم يقيل ويتغدى، وفي العصر يلبس ثيابه النظيفة(
كأنه أمير ) ويذهب مع أصحابه إلى المقاهي، يتحدثون في الشــؤون العـامة (السياسة)،
وربما يلعبون الورق والطاولة، ويشربون القهوة والشاي. وكذلك المدرسون يقضون طوال
العطلة الصيفية يطالعون المجلات والصحف اليومية، أو يسافرون للخارج، أو ينامون في
الصباح ويتجمعون في العصر والمساء في مقاهي ونوادي خاصة، يتسامرون ويتحدثون في
القضايا العامة، كالوحدة العربية والقومية العربية، وصراع الماركسية مع القومية
العربية،أو مشروع الحزب الفلاني في الوحدة، أو الاشتراكية، أو يتحدثون عن خطر الصهيونية
وحلم اليهود في إنشاء إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل.
أما
المدرسون الدعاة فكانت لهم مشاريعم الدعوية الصيفية مثل إقامة حلقات التجويد
وتلاوة القرآن الكريم في المساجد، وإقامة دروس الفقه والتوحيد والسيرة وتعليم
الناس، أو الخروج مع جماعة التبليغ للدعوة خارج المدينة، وربما خارج سوريا، أو
إقامة معسكرات صيفية للشباب على الساحل السوري، وغير ذلك من الأنشطة الدعوية في
مجال الصحوة الإسلامية. كل هذاكان ممكناً لأن المعيشة كانت متوفرة بسـهولة.
كان العامل مكتفياً، وكان المعلم
والمدرس مرفهين، وكانت الوظيفة مرغوبة، وكان الدافع القوي الذي جعلنا نذاكر على
ضوء القمر أو ضوء الشارع أحياناً؛ هو أننا سنتوظف ونقبض مائتين وخمسين ليرة كل
شهر، وكانت أم الموظف تتدلل عندما تخطب لابنـها وتقول ابني موظف راتبه ثلاثمائة ليرةكل شهر، وكانت أم
العروس تفتخر بأن نسيبها معلم مدرسة راتبه مائتان وخمسون ليرة شهرياً.((تناقشت
مرة مع أحد الماركسيين المثقفين حول فشل الشيوعية في العالم العربي فقال :
الشيوعية تنجح عند شعب فقير لايجد مايأكله، أما العرب فالخيرات عندهم كثيرة، وكل
عربي يحصل على أكثر من قوته بسهولة بالغة )).
ويتضح
أن حافظ الأسـد قصـد التدهور الاقتصادي ؛ عندما سمح لأقاربه وأزلامه بالنهب والسلب
علناً، وبدأ شقيقه رفعت فنهب الذهب من سوريا، عندما طبع أوراق ذات الخمسمائة ليرة
بتوقيعه، بعد أن رفض مدير البنك المركزي توقيعها، لأنها مخالفة لقوانين الاقتصاد،
وجمع رفعت بهذه الأوراق الذهب في سوريا وأخرجه إلى حساباته في البنوك الغربية،
وعندها هبطت الليرة السورية الهبوط الشديد، عندما صارت بدون رصيد ذهبي في البلد،
وبعد هبوط الليرة، ارتفع التضخم الاقتصادي بشكل جنوني، وصارت الرشـوة أمراً
مجاهراً بـه في صفوف الموظفين.
كيـف
نعيـد الازدهـار الاقتصادي لسوريـا المستقبل ؟
1-
عندما
تكون حكومة منتخبة من برلمان حقيقي، يتابع أعمال الحكومة ويراقبها، بالإضافة إلى
قضاء مستقل ونزيـه، سوف يقضى على الفسـاد والرشوة، وفي ذلك نهوض بالاقتصاد الوطني،
ومحافظة على الثروة والدخل القومي.
2-
عندما
تقوم في سوريا حكومة وطنية مستقرة، ومجلس نواب يراقب الحكومة، ويتابع أعمالها،
وقضاء نزيـه ومسـتقل، سـوف تعود رؤوس الأموال المهاجرة إلى سـوريا، وهي كثيـرة
وتقدر بمئات المليارات، وقد عقد لقاء على ( الماسنجر ) بعد سنتين من ولاية بشار
الأولى، مع رجال أعمال أميركيين من أصل سـوري، وكان الرئيس بشار يشجعهم على العودة
بثرواتهم إلى سوريا، ويشجعهم بالمواد الخام، والأيدي العاملة الرخيصة.. فقال لـه
أحدهم : أنا أتيت أمريكا ومعي حقيبة ثيابي وأمتعتي الشخصية، لا أملك غيرها، واليوم
عندي شركة ميزانيتها أكبر من ميزانية
سوريا ٌ كيف تـم ذلك !!!؟ لأننـي أدفع الضرائب للدولة الأميركية، والدولة تحميني،
وتحمي شركتي من السرقة والنهب، ولذلك وصلت ثروتي إلى هذا المستوى، بسبب حماية
الدولة لها...هل تحميني لو أعدت ثروتي هذه!إلى سوريا!!؟ هل تستطيع أن تحميني من
ابن خالك ( رامي مخلوف ) !!!؟ أو ( مناف طلاس ) !!!؟ أو أولاد عمك ( جميل الأسد
!!!؟ )، أو غيرهم من أزلام النظام الذين ينهبون كل شيء في سوريا !!! فسكت الرئيس
بشار ولم يجـد جواباً أمام هذه الشفافية....
هذه الثروات التي تقدر بمئات
المليارات سوف تعود كلها أو معظمها إلى سـوريـا، لأن سـوريا بلـد تكثر فيه الثروات
الخام، والأيدي العاملة الرخيصة، والأراضي الواسعة لإقامة المشاريع والشركات فوقها...كل
ذلك بعد أن تقوم حكومة عادلة وقادرة على حماية هذه الثروات لأصحابها...
وذكرت
مصادر سورية أن حجم تحويلات أموال المغتربين السوريين في الخارج، بلغ عام 2006 نحو
860 مليون دولار أميركي فقط، معربة عن صدمتها لتواضع هذا الرقم، مقارنة مع العدد
الكبير للمغتربين السوريين في الخارج، والذي تقدره المصادر الرسمية بأكثر من 20
مليون مغترب.
ولفتت
هذه المصادر، إلى أن هذا الرقم يبدو متواضعاً جداً مقارنة مع تحويلات المغتربين
اللبنانيين، التي وصلت إلى 7‚5 مليار دولار، مبدية استغرابها الشديد لهذا التردد
الذي يبديه المغتربون السوريون، في تحويل أموالهم إلى داخل سوريا، بالرغم من
الخطوات الاصلاحية الكبيرة والنوعية التي نفذتها الحكومة، في المجال الاقتصادي
والمالي والضريبي، وإصدار العشرات من القرارات التي تسمح بانشاء مصارف وشركات
تأمين خاصة وبورصة وادخال تعديلات هامة على قوانين الاستثمار.
ولفتت
المصادر نفسها إلى أن حجم أموال السوريين في الخارج يتراوح ما بين 80 ـ 100 مليار
دولار مؤكدة وجود خطة لدى الحكومة لتشجيع أصحاب هذه الرساميل والاستثمارات بالعودة
إلى الوطن الأم سوريا.
وعندما
تقوم حكومة عادلة وقوية وحـرة في سوريا المستقبل سوف تزيد تحويلات السوريين إلى
بلدهم، وسوف يتشجع السوريون لإعادة رؤوس أموالهم إلى سوريا....
وعندما
تقوم حكومة قوية وعادلة سـوف تعمل على إعادة الملايير المنهوبـة من الشعب السوري،
ومعظمها خارج سـوريا، وكما يقول محي الدين اللاذقاني تبلغ ثروة آل الأسـد أربعين
مليار دولار، وأنا أرى ذلك قليلاً، وأظن أن ثروتهم ضعف هذا الرقم على الأقل...وغيرهم
من أزلامهم عندهم الملايير أيضاً، ونأمل أن تعود هذه الثروات المنهوبة، كلها أو
معظمها إلى سوريا المستقبل...
هذه
بعض معالم للنهوض والازدهار الاقتصادي في سوريا المستقبل، بعد أن تقوم حكومة وطنية
قويـة ونزيهـة وعادلـة، ومراقبة من برلمان حقيقي، وقضـاء عادل وقوي ونـزيـه ومستقل
عن السلطة التنفيذيـة كما في الدول الغربيـة، أو كما كان القضاء عند المسلمين....
الدكتور/ خالد احمد الشنتوت
باحث في التربية السياسية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق