الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-06-08

تعرَّف على مكانةِ قريش في الإسلام - بقلم: سعد العثمان


النَّاس أجناس، والنَّاس معادن، خيارهم في الجاهليَّة، خيارهم في الإسلام إذا هم تعلَّموا وتفقَّهوا، وقريش كانت في الجاهليَّة قبل الإسلام زينة القبائل العربيَّة الأصيلة، وزعيمةَ ورائدةَ القبائلِ العربيَّة، وكانت تقطن في مركز الكرة الأرضيَّة، في مكَّة أمِّ القرى، وهي المشرفة المباشرة على البيت العتيق، فشرفت قريش بخدمتها لقاصدي بيته الكريم، فكانت قريش تتمتَّع بمكانة مرموقة، ومنزلة رفيعة بين قبائل العرب جميعاً، ومن يقلِّل من شأن قريش لا علم له، وبضاعته في العلم مزجاة، تأمَّل معي في هذا الحديث العظيم:


عن أمِّ هانئ رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ( فضَّل الله قريشاً بسبع خصال، لم يعطها أحدٌ قبلهم، ولا يعطاها أحدٌ بعدهم: فضَّل الله قريشاً أنِّي منهم، وأنَّ الخلافة فيهم، وأنَّ الحجابة فيهم، وأنَّ السِّقاية فيهم، ونصرهم على الفيل وهم مشركون، وعبدوا الله عشر سنين لا يعبده غيرهم، وأنزل الله فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم "لإيلاف قريش")رواه البيهقي، وحسَّنه الألباني.

إنَّها خصال تكتب لقريش بماء الذَّهب:

الخصلة الأولى: النبيُّ الخاتم من قريش: وكفى قريشاً فخراً وشرفاً وعزَّاً بذلك، روى الإمام الترمذي في السُّنن: صعد النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المنبر، فقال: (من أنا؟) فقالوا: أنت رسول الله، فقال: (أنا محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب، إنَّ الله خلق الخلق، فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين، فجعلني في خير فرقة، وجعلهم قبائل، فجعلني في خير قبيلة، وجعلها بيوتاً، فجعلني في خير بيت، فأنا خيركم بيتاً، وخيركم نفساً)صحَّحه الألباني في المشكاة. وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)رواه مسلم.

الخصلة الثَّانية: الخلافة في قريش: وما وضع النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الخلافة في قريش إلا لحكم عظيمة، وأهداف نبيلة، وما حدثت الفتن والقلاقل في أمَّة الإسلام عبر التَّاريخ إلا يوم نزعت الخلافة من قريش، فالإمام من قريش له مميِّزات وصفات جبليَّة فطر عليها، ونشأ وتربَّى محافظاً عليها لأصالتها وأهميَّتها، ولذلك قرَّر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم موضوع بقاء الخلافة في قريش في أحاديث صحيحة كثيرة منها:

1- عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ( لا يزال هذا الأمر -يعني في قريش- ما بقي فيهم اثنان)رواه البخاري.

2- وعن معاوية رضي الله عنه أيضاً أنَّه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (إنَّ هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله على وجهه ما أقاموا الدِّين)رواه البخاري.

3- عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (النَّاس تبع لقريش في هذا الشَّأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم) رواه البخاري ومسلم. ولفظ رواية مسلم: (النَّاس تبع لقريش في الخير والشَّرِّ).

4- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ( الأئمة من قريش )رواه أحمد، وصحَّحه الألباني.

الخلافة في قريش إلى أن ينزل عيسى بن مريم عليه السَّلام في آخر الزَّمان، فيكسر الصَّليب، ويحكم النَّاس جميعاً بشريعة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم.

لقد أجمع المسلمون على أن يكون الخليفة من قريش، وذلك لعظم فضل قريش، قال ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنِّهاية: [9/54]: ( اجتمع الصَّحابة يوم السَّقيفة على أنَّ الإمارة لا تكون إلا في قريش, واحتجَّ الصِّديق بالحديث في ذلك, حتَّى أنَّ الأنصار سألوا أن يكون منهم أمير مع أمير المهاجرين، فأبى عليهم الصِّديق ذلك).

وقد نقل الإمام النَّووي في شرحه لصحيح مسلم الإجماع على أنَّ الخلافة في قريش، عندما أورد الأحاديث في ذلك فقال: هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر أنَّ الخلافة مختصَّة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصَّحابة، فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع، أو عرض بخلاف من غيرهم، فهو محجوج بإجماع الصَّحابة والتَّابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة، قال القاضي: اشتراط كونه قرشيَّاً هو مذهب العلماء كافَّة، وقد احتج به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على الأنصار يوم السَّقيفة، فلم ينكره أحد. قال القاضي: وقد عدَّها العلماء في مسائل الإجماع، ولم ينقل عن أحد من السَّلف فيها قول ولا فعل يخالف ما ذكرنا)[12/200].

الخصلة الثَّالثة: الحجابة في قريش: هي وظيفة حفظ مفتاح الكعبة، والسِّدانة والحجابة بمعنى واحد، وهي تولِّي خدمة البيت وفتح بابه وإغلاقه، وقد كانت السِّدانة قبل قريش لطسم، وهي قبيلة من عاد، ثمَّ وليتها خزاعة، ثمَّ وليها قصيُّ، فأعطاها إلى ولده عبد الدَّار، ثمَّ هو أعطاها بدوره إلى ولده عثمان، فلم تزل تنتقل في أولاده إلى أن انتهت إلى عثمان بن طلحة، ثم إلى ابن عمه شيبة. واستمرت السِّدانة في ولد شيبة إلى الآن بأمرٍ من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، حيث دفع إليهم المفتاح عام فتح مكَّة المكَرَّمة، وقال: (هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء)أورده ابن كثير في البداية والنِّهاية، وضعَّفه الألباني.

الخصلة الرَّابعة: السِّقاية في قريش: وهي وظيفة تقديم ماء زمزم ليشرب منه الحجاج، وسقاية الحجيج كانت المهمَّة المقدَّسة التي يتنافس على تقديمها أشراف مكَّة، من يحظ بشرف هذه المهمَّة يصبح علماً يشار إليه بالبنان، وأصل تولِّي سقاية زمزم بمكان معدٍّ بجوارها بعد حفر عبد المطلب بن هاشم لها، كان لعبد المطلب ذاته، فلمَّا توفِّي تولَّى أمر السِّقاية ابنه أبو طالب, فاستدان من أخيه العباس عشرة آلاف درهم إلى الموسم، فصرفها وجاء الموسم، ولم يكن معه شيء, فطلب من أخيه العباس أربعة عشر ألف درهم إلى الموسم القابل، فشرط عليه إذا جاء الموسم ولم يقضه أن يترك له السِّقاية، فقبل ذلك, وجاء الموسم فلم يقضه فترك له السِّقاية, فكانت بيد بني العباس بن عبد المطلب وولده، إلى أن انقضت خلافتهم.

الخصلة الخامسة: نصرهم على الفيل وهم مشركون: وقد خلَّد الله نصرهم في كتابه الكريم، في سورة سمِّيت بسورة الفيل، قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾الفيل: 1 – 5.

الخصلة السَّادسة: عبدوا الله عشر سنين لا يعبده غيرهم: يقول صاحب فيض القدير في شرح الجامع الصَّغير [4/437]: الظَّاهر أنَّ المراد لا يعبده عبادة صحيحة إلا هم، ليخرج أهل الكتابين فإنَّهم كانوا موجودين حينئذ، يعبدون في الديورات والصَّوامع لكنَّها عبادة فاسدة.

الخصلة السَّابعة: أنزل الله فيهم سورة من القرآن: وسمَّاها باسمهم، وهي سورة قريش، خلَّد الله فيها ذكرهم في العالمين، إلى قيام السَّاعة، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
قال الله تعالى: ﴿لإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾قريش: 1 – 4.

أختم القول بقول الإمام الماوردي رحمه الله في كتابه الأحكام السُّلطانيَّة ص 6:
أمَّا أهل الإمامة، فالشُّروط المعتبرة فيهم سبعة:

الأول: العدالة على شروطها الجامعة.

الثَّاني: العلم المؤدِّي إلى الاجتهاد في النَّوازل والأحكام.

الثَّالث: سلامة الحواس السَّمع والبصر واللِّسان، ليصحَّ معها مباشرة ما يدرك بها.

الرَّابع: سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة، وسرعة النُّهوض.

الخامس: الرَّأي المفضي إلى سياسة الرَّعيَّة، وتدبير المصالح.

السَّادس: النَّسب القرشي: وهو أن يكون من قريش، لورود النَّصِّ فيه، وانعقاد الإجماع عليه، لأنَّ أبا بكر الصِّديق رضي الله عنه احتجَّ يوم السَّقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة، لما بايعوا سعد بن عبادة عليها بقول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "الأئمة من قريش". فأقلعوا عن التَّفرُّد بها، ورجعوا عن المشاركة فيها، حين قالوا: منَّا أمير ومنكم أمير، تسليماً لروايته، وتصديقاً لخبره، ورضوا بقوله: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. انتهى.

فلا يكفي النَّسب القرشي، بل لا بدَّ من توافر جميع الشُّروط السَّبعة السَّابقة، فيمن يتولَّى الولاية العامَّة (منصب الخلافة ) للمسلمين.

هناك تعليق واحد:

  1. لا بد من التنويه إلى أن القرشي أولى بالإمامة من غيره في حال توفر شروط الإمامة فيه، ولا تعني الأحاديث تولية القرشي ولو لم تتوفر فيه هذه الشروط.

    وإذا تولى غير القرشي لم يقل أحد بعدم صحة إمامته، بل تجب طاعة ذلك الإمام، ولا يأثم من قدم هذا الإمام على غيره؛ لكونه أحق بالإمامة، مع التسليم التام بأحقية القرشي إذا توافرت فيه الشروط، وفي حال وجوده

    ردحذف