زرنا بلداً
إسلامياً بصحبة أحد العلماء, للتعريف بالقضية السورية, وذهبنا إلى مسجد من المساجد الكبيرة في البلد,
بعد الترتيب مع بعض الجهات التي يعنيها الأمر, ليخطب العالم الزائر هذه الجمعة.
ولما وصلنا, تبين لنا إن في الترتيب خللاً, لسنا
بصدد بحثه, والوقوف على سببه, المهم جاء المدير المشرف على أنشطة المسجد, ليعتذر
إلينا, وتلطف وتودد, ولكنه لم يأذن للشيخ أن يخطب, ومن الحجج التي ساقها, أن
الخطيب لم يبلغه ذلك الترتيب من قبل, وأنه قد جهز خطبته, ولا بد أن يخطب, وبعد
حوار ميسر, عن سبب طلبنا للخطبة, وخلاصته:
الحديث عن الشعب السوري ومعاناته, ولما رأينا الإصرار على الموقف, قلنا: ربما في
خطبة الخطيب, شيء لا يؤجل, والبلد مليئة بالمشكلات التي تحتاج إلى بحث وتوجيه, وربما
لا تحتمل التأجيل, وفي النهاية, الأمة واحدة, وهمومها واحدة.
صعد الخطيب على
المنبر, وكلنا شوق لسماع موضوع الخطبة, التي أبى أن يعطيها لأحد علماء سورية,
ليتحدث عن المجازر التي تحدث في سورية, ليتكلم لهذا الحضور الكبير من المسلمين, عن
أمة تذبح من الوريد إلى الوريد, عن شعب خذله العالم, ليبين حقيقة ما يجري لأطفال
سورية ونسائها, من مصائب وكوارث, ليوضح لإخوانه المسلمين, ما حدث في حمص وحماة
وحلب وديرالزور وإدلب والساحل ودرعا, من تدمير وتخريب وحرق وقتل, ليهتم هؤلاء
بإخوانهم, ويفقهون واقعهم, ومن لم يهتم بأمر المسلمين, فليس منهم, فالأمر خطير,
والخطب جلل, والكارثة تستحق عناية من نوع متميز, من كل مسلم على وجه الأرض, لنواجه
هذا النظام المجرم, الذي يحمل أجندة خطيرة, على مستقبل الأمة وحاضرها, ينبغي أن
تكون قضية الشعب السوري, مشروع عمل للحركات الإسلامية, وبرنامج فعل للمؤسسات
الخيرية, واستنفاراً مستمراً للأمة حتى يسقط هذا النظام, الذي بزواله, يزول الظلم
والقهر والويل والفجور والقتل الممنهج.
كنا نتوقع من
خطيبنا الفاضل, أن يتحدث عن فلسطين, وما جرى للأسرى, أو يخطب خطبة عصماء عن الظلم
وغياب العدل, أو يتكلم عن قضية من قضايا البلد, التي تؤرق الناس, والبلد على مفرق
طرق في جملة من القضايا المهمة والمصيرية والحساسة.
تصورنا, أن
الخطيب سيحمل كفنه بيده, لأنه سيتحدث عن أمر لا يمكن إلا أن يكون في هذه الساعة,
ولو كلف ذلك قطع رقبته, فإصراره وحماسه, يدللان على هذا.
لكن المفاجئة, أن
خطيبنا المفوه, وألوف مؤلفة جاهزون لسماع هذا الدرس الأسبوعي, الذي أوجب الله على
المسلمين سماعه, أن موضوع الخطبة كان عن
الحيض؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
إي والله, عن
الحيض, هذا ما حدث فعلاً, وليس من باب التخيل أو النقد الأدبي المتصور, أو
الاختراع والتأليف- لا سمح الله-, فكانت لنا صدمة.
تلافينا الأمر,
وألقى الشيخ السوري محاضرة بمن حضر, بعد صلاة الجمعة, وكان يوماً لا ينسى, ولا
يمحى من ذاكرتنا, والله تعالى أعلم.
×××××××××××××
وحتى لا نفهم
خطأ, نقول: الكلام في مسائل الحيض, كلام مهم, ولا نسخر من الكلام عنه- معاذ الله-
كيف لا, والله ذكره في القرآن, ونبينا –عليه الصلاة والسلام- ذكره بأحاديث كثيرة,
والفقهاء فصلوا في مسائله, حتى كان باباً ثابتاً بكل كتب الفقه الإسلامي, المذهبي
أو المقارن, وقد أفرد بعض العلماء أسفاراً للحديث عن هذا الجانب.
لكن المأساة في
هذا الشأن, تكمن في غياب الحديث عن فرض الوقت, وواجب الساعة, أو نقدم النافلة على
الفريضة, أو لم نقم بترتيب أولوياتنا الفقهية, وهنا تكون الطامة, وتمكن الكارثة.
وقديماً قالوا:
لكل مقام مقال, ولكل حادث حديث. وأكثر من وعى هذه المعادلة وفقهها، علماء الأمة،
وعلموها الناس، فأن يصدر هذا الخلل من محسوب على العلماء، فهذا إشكال لابد من
النظر فيه بشكل دقيق، وفهم عميق, ورؤية مسؤولة.
أن ترتيب
الأولويات، أمر مهم، بل ضرورة من الضرورات، بل ربما كان فرضاً من الفروض، وواجباً
من الواجبات، ولا يجوز بحال من الأحوال أن تغيب هذه الحقيقة، عن عمل خطة الأمة،
وبرنامج عملها.
الخطيب الناجح،
هو من يعي واقعه، ويفهمه بشكل واضح، ويصنفه تصنيفاً منهجياً، ويعمل على ترتيبه، الأهم
فالمهم، ثم الأقل أهمية، وعندما لا يكون هذا هكذا، يتحول الأمر إلى شيء معاكس،
وعدوك يريدك أن تشتغل بكل الساحات، والمهم عنده، أن لا تقترب من الدائرة التي يعمل
فيها، ويشتغل عليها، فتكون أنت في واد، والعدو في واد آخر.
فلا تدري ما ذا
يصنع، ولا ما يخطط، وكيف يدبر؟ وهذه هي الغفلة،
التي يحبها شيطان
الإنس والجن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق