في كل مرة تصل فيه الأمور الى مفترق
طرق، ويصبح فيه الضغط جديا على الأسد وعصابته، نجد بعض الدول تسارع إلى طرح مخرج
من نوع آخر للطاغية وعصابته ، بالأمس خرجت علينا صحيفة الغارديان بخبر مفاده أن كل
من الولايات المتحدة وبريطانيا عرضتا الخروج الآمن للأسد من السلطة بموافقة وتشجيع
روسي.
وطبعا هذا الطرح لن تتبناه روسيا
أبدا ، ولم يكن المقصد منه حل المسألة السورية ، ولكن البعض أخذ الخبر على محمل
الجد، وبدأ بتسويقه وحتى تبريره من منطقه هو، وقد أعجبني تبرير اياد الشربجي لقبوله
وحضه المعارضة على قبول الطرح بأنه" لا يجد مبرراً لتخوف وسخط الثوار من هذه الخطة،
وذلك لسببين:
1- إذا قبل الأسد
بالطرح وهذا هو (الاحتمال الأضعف) حسب رأيه: فطائرته لن تتسع سوى لأفراد عائلته المقرّبة،
وهذا يعني أنه سيترك ضباطه وقادة أجهزته الأمنية والعسكرية ليواجهوا مصيرهم مع الشعب
بما يشبه اتخاذ قرار بإعدامهم، وفي هذه الحالة لن يسمح له هؤلاء بإنقاذ نفسه بعد أن
أوقعهم في هذه الورطة الكبيرة وتخلى عنهم في اللحظة الحاسمة، والاحتمال الأرجح حينها
أنهم هم من سيقتلونه، وحتى لو لم يفعلوا فسيكون النظام قد انتهى وسقط فعلياً وهو ما
نريده، أما القصاص من بشار فسنناله بالتأكيد فيما بعد ولن ننساه، أو ربما ينتحر هو
من تلقاء ذاته عندما يجد نفسه فجأة بين أربعة حيطان في منزل قصيّ عن البشرية حيث لا
شي يمارس حكمه عليه سوى أسماء الأسد، ووسط محيط يكرهه ومنظمات دولية تطارده وتترصّد
به وستجعله عاجزاً عن الحركة، وهي مسألة شهور فقط قبل أن تصبح حاله كحالة مبارك.
2- أما في حال رفض الأسد
هذا الطرح (وهو الاحتمال الأقوى): فستسقط كل الذرائع من يد روسيا التي راهنت على رمي
طوق النجاة الأخير هذا للأسد، لكنه بعد رفضه للعرض لن يعود ممكناً إنقاذه، ولن تستطيع
الأخيرة حمايته أكثر من ذلك، حقيقةً إن مجرد موافقة روسيا على عرض تنحي الأسد يعني
أنها حسمت موقفها تجاهه.
وبالتالي فإن اياد الشربجي يرى أن
"الضربة الذكية والتكتيكية الآن باعتقاده تكون بموافقة المعارضة والثوار على العرض
إذا ما تم طرحه بشكل رسمي، ويعتقد أن كل المعطيات تؤكد بأن الأسد (الغبي، المتغطرس،
المتورّط حتى النخاع) هو من سيرفضه، وهو ما نريده ( المعارضة)، وما سيجعل موضوع الحسم
الدولي قراراً نهائياً.".
طبعا الطرح بهذه الطريقة تنقصه
الدراية السياسية بخفايا هذه المبادرات ، لأن الغرب ليس غبيا لهذه الدرجة حتى يطرح
مثل هذه الأمور داخل أروقة الصحافة ، وبين دهاليز السياسيين بغية التعرف على ردة
الفعل قبل الطرح وهذا هو ابسط أنواع العمل الدبلوماسي المخابراتي داخل وخارج
البلاد ، لأن هكذا طرح ايضا غير مقنع للكثير، كونه لا يحقق الأهداف الخفية لتلك
الدول .
يبقى الطرح الأكثر اقناعا ، هو أنه
عندما تشتد الهجمة السياسية من قبل المنظمات الدولية و خاصة منظمة الأمم المتحدة
ومجلس الأمن، ويصبح الضغط كبير على الأسد وعصابته ، و هنا تخشى الكثير من الدول
الفاعلة والمؤثرة على القرار السوري من تخلي الأسد عن سياسة فرض وجودة بالبطش
المفرط خوفا من العقاب، و تحسسا لجدية الموقف الدولي ، وادراكا لقرب النهاية، وبالتالي
يصبح على هذه الدول تزويده بجرعة من المسكنات السياسية عن طريق طرح المخرج الآمن
له ولأركان عصابته وافلاتهم من العقاب.
وهذا الطرح طبعا ليس المقصود به هو ايجاد مخرج
للأزمة السورية ، وانما المقصود به هو طمأنة الأسد ومجرمية أنه مازال أمامكم فرصة
للنجاة من جرائمكم، وبالتالي تستطيعون الاستمرار في القتل والتنكيل وفرض وجودكم
بالقوة، وأنه ما زالت دول القرار تتقبل فكرة اعفائكم من المسؤولية عن الجرائم
المرتكبة.
وهذا الأمر له دلالة خطيرة ، أن من
يوعز للأسد بالافلات من العقاب هو نفسه شريك في الجريمة على الشعب السوري ، وهذا
واضح من تعطيل اي قرار دولي فاعل سواء باحالة جرائم الأسد الى المحاكم الدولية، أو
بإصدار قرار ملزم تحت الفصل السابع يضع حداً لهذه المأساة.
وبالتالي فإن الذين يسوقون ويبررون
بقبول هذه الطروحات تغيب عنهم حقائق دولية الماثلة أمام أعينهم بأن العالم غير
مستعد لحل الأزمة السورية؛ وفق رغبات الشعب الثائر، وان ما تريده فقط هو ارسال
رسائل طمأنة للأسد بأن المجتمع الدولي ما زال مستعد للتغاضي عن جرائمه ، وأنه
بامكانه الاستمرار في هذا النهج.
خاصة وأن هذا الطرح يأتي بعد تسريب
النقاط الثلاث التي تم الاتفاق عليها بين اوباما وبوتين لحل الأزمة السورية ،
والتي لم يكن من ضمنها تخلي الأسد عن السلطة وانما "وقف العنف في سورية وضرورة
إجراء العملية السياسية التي بمقدورها الحيلولة دون نشوب حرب أهلية وإراقة الدماء"
و تشكيل حكومة انتقالية ، مع تخلي الأسد عن بعض المتورطين بالجرائم من كبار قادته
.
من خلال قراءة بسيطة للتداولات
الحالية بين اروقة مجلس الأمن نجد أن طرفي النزاع مازالا على موقفهما ، ويحرصان
على اكمال مسيرة الابادة للشعب السوري إلى نهايتها ، وأنه لا قرار تحت الفصل
السابع ، ولا مبادرات جادة للحلول تشكل مخرجا ، وإنما هي بالونات تنفيس للاحتقان
السياسي العالمي لزرع بقعة أمل في الليل الحالك، الذي لم يظهر له نهاية حتى هذه
اللحظة.
وبالتالي على المعولين على الحلول
الخارجية نقول لا فائدة من هذا الكلام وأن الفعل هو على الارض ، فمتى ما امتلكنا
ارادتنا واستلبنا زمام المبادرة من الطاغية ، حينها سوف تنهال الحلول من كل حدب
وصوب ، وبالتالي علينا التركيز على العمل الميداني ولندع الآخرين يلعبون بعيدا ،
"وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم"
د. حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق