الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-04-14

بين التقسية والإجهاد - بقلم: د. محمد وليد حياني


تعد عمليتا التقسية والإجهاد من أهم العمليات الزراعية في زيادة وتحسين إنتاج الخضروات، والتقسية تعني تعريض الشتلات الصغيرة الرهيفة المثالية المنماة في المراقد المحمية الباردة أو المدفأة  (المشتلة)، لظروف بيئية مماثلة تقريبا لظروف الحقل المكشوف الذي ستنقل إليه، وتتم هذه العملية بإخراج الشتلات من مراقدها ضحى وتعريضها للشمس المباشرة لمدة ساعة في اليومين الأول والثاني وساعتين لليومين الثالث والرابع وثلاث ساعات  للأيام من الخامس إلى العاشر, وتصبح بعدها متأقلمة مع بيئتها وجاهزة للنقل إلى مكانها الطبيعي الإنتاجي في الحقل المكشوف لتواجه الحرارة المرتفعة والمنخفضة والعطش والآفات والأمراض ….، وبهذا تبكر في الإزهار والإثمار والإنتاج حوالي أسبوعين مقارنة بتلك غير المقساة.


أما الإجهاد فهو تعريض النباتات (الشتلات) التي نقلت إلى الحقل بعـد أن تكون مجموعا خضريا  لجهد معين قد يكون حراريا أو ملحيا أو مائيا، والإجهاد المائي هو عملية تصويم أو تعطيش النباتات من خلال مباعـدة مواعيد الري، فتصبح النباتات بذلك أصلب عـودا وأشد مقاومة للظروف البيئية، وتتجه مباشرة نحو التزهير والعقـد والإثمار ، حيث تضطر النباتات بذلك عن للبحث عن الماء فتتجذر في التربة أكثر فأكثر، ويزداد معدل سحب الماء والمواد الغذائية، وتبكر في الإنتاج أيضا حوالي أسبوعين مقارنة بتلك غير المعرضة للإجهاد، ولو تركت النباتات دون إجراء هاتين العمليتين لنمت خضريا وانتفشت كخضراء الدمن، أو تباطأت وتأخرت كثيرا في الإنتاج مع نقص في المحصول.

كنت أشرح هاتين العمليتين لصديق كيس فطن … وكان موضوع حديثنا ومناقشتنا تربية الأولاد..فصاح من فوره …ياألله أليست عملية التقسية تلك كانت تنتهجها قريش في مكة حيث تخرج صغارها مع المرضعات إلى البادية حيث الهدوء والنقاء والصفاء بعيدا عن أجواء مكة الصاخبة وأسواقها وحجيجها الذين  يأتونها من  كل فج عميق، أليست هذه العملية بحد ذاتها تعتمد تعريض الرضع لأجواء جديدة غير الأجواء التي ولدوا فيها ؟؟ … ألم يشهد هذه العملية سيد الخلق وحبيب الحق(صلى الله عليه وسلم) عندما أرضعته حليمة السعدية، وهناك تعلم ذلك الطفل اليافع اليتيم مع أقرانه اللعب والرعي والجري، وتحمل منذ صغره أجواء الصحراء، شظف في العيش مع قلة في الموارد، وحركة دؤوبة وتفكر في آلاء الله في جو مفتوح، وفوق هذا وذاك تحمل الأجواء والظروف القاسية والتعود على تحمل المسؤولية ؟؟ 

ألا تتم عملية تحويل الحديد المطاوع، الرديء النوعية، من خلال عمليتي الإسقاء والإحماء ( الإجهاد) والطرق إلى معدن نفيس بعد التخلص مما فيه من كربون أو شوائب، وتصنع منه السيوف والخناجر والمدى الهندية والشامية واليمانية . وهي عملية جوهرة وصقل – ابتلاء واختبار وتمحيص -  لذلك المعدن فتزداد قيمته ماديا ومعنويا !؟؟

ألسنا بحاجة اليوم وفي مثل هذه الظروف العصيبة التي يمر بلدنا الحبيب المنكوب إلى أن نصطحب أطفالنا …صغارنا…أولادنا.. حيث نذهب ونشرح لهم بهدوء وروية كل مانصادفه، ونرد على استفساراتهم وتساؤلاتهم بكل شفافية وصراحة ووضوح، وأن لانضللهم ونعتم عليهم بإجابات خاطئة أو مبهمة، لأن ذاكرتهم ناصعة البياض والكتابة عليها لأول مرة بشكل صحيح، يعفي هؤلاء تعب وعناء اسوداد الصفحة أولا، ونسيان ما محي منها ثانيا، و تذكر ماكتب عليها مجددا ثالثا.

ألسنا بحاجة اليوم إلى تطبيق وصايا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ’’علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل’’ أي بما يوازيها من الأدوات في العصر الراهن…ألم يقل ذلك الأمير لمؤدب أومدرب ولده:’’ علمه السباحة أولا، لأنه قد يجد من يكتب له، لكنه لن يجد من يسبح عنه ’’… 

دعوهم يكتشفوا ماحولهم من وسائل وأدوات العصر واكتفوا بتوجيههم من بعيد  – إن كنتم تعلمون- كيفية التعامل معها… دعوهم ولاتجبروهم على طريقة تفكيركم وأسلوب حياتكم، فلهم حياتهم وأسلوبهم الخاص… عاملوهم من بعيد كما تعاملون تلك الشتلات أثناء عمليتي التقسية والإجهاد…. مكنوهم من عقيدتهم بشكل سلس وبلا تعقيد ولا غلو… دعوهم يختاروا فروع دراستهم …نموا لهم مواهبهم …راقبوهم عـن بعـد مع حنان ولين وتشجيع، وادعوا لهم بالتوفيق والخير والسداد… اصطحبوهم إلى اللقاءات العامة وساحات الاحتجاج والتظاهر وليستمعـوا كيف يتكلم الرجال…وتذكروا دائما أنما خلقهم الله لزمن غير زمنكم.

وأخيرا إذا كانت النباتات لها ساق بلا قدم ولاتنتقل من مكان لآخر، وتقاوم الظروف البيئية المحيطة بها، بخلاف الإنسان المستخلف في الأرض ليعمرها ويمشي على قدمين  … فلا تقيدوه …‼‼! ’’ ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ’’…’’إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار’’… ’’إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد’’ والحمد لله رب العالمين
د.محمد وليد حياني  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق