بعد انتهاء مؤتمر المعارضة السورية الاخير
الذي عقد في استانبول في 26 مارس الماضي تداعى بعض النشطاء لزيارة مخيمات اللاجئين
السوريين، وقامت بالتنسيق الاخت رشا الاحدب وأخ اسمه احمد يسكن في انطاكية يبدو أنه
أصبح خبيرا في ترتيب مثل هذه الرحلات، حجز لنا الاخ أحمد تذاكر بسعر 145 ليرة تركية،
وقد ظننا أنها للذهاب والاياب ثم ليخبرنا فيما بعد أنها للذهاب فقط!!! وسنشتري تذاكر
العودة عند العودة حيث توقع أحمد أن تكون أرخص ولكنها كانت ب 160 ليرة تركي، أي أغلى
قليلا... على كل حال كانت الرحلة قصيرة وجميلة، وصلنا إلى مدينة انطاكية ليلا وذهبنا
مباشرة إلى فندق اختاره لنا أحمد ب 50 ليرة تركي للّيلة وفي صباح اليوم التالي انضم
إلينا الاستاذ هيثم المالح وزوجته، وركبنا حافلة تتسع لنا جميعا وكنا 12 شخصا على ما
اذكر، وفي الطريق اقترحت علينا السيدة عروبة بركات أن نتوقف لشراء العاب وحلوى لاطفال
المخيم وهكذا كان، وصلنا إلى أول مخيم ظهرا، وعند المدخل استقبلنا المسؤول التركي،
وبين لنا أن الزيارات ممنوعة بدون إذن مسبق من منسق الزيارات مع الحكومة التركية السيد
غزوان المصري، قال له الجمع إن معنا الاستاذ هيثم المالح، فقال أهلا وسهلا بالاستاذ
هيثم ولكنكم تحتاجون لموافقة الاستاذ غزوان، قالت له رشا: أنا أخبرت الدكتور برهان
غليون أمس عن الرحلة، فقال لها أنا لا أعرف غليون أنا أريد موافقة غزوان، فبدؤا بالاتصال
هاتفيا بغزوان وحصوله بعد لأي وتحدث قليلا مع رشا مبينا لها ضرورة أخذ الموافقة قبل
السفر وليس بعده وأن هناك ترتيبات وأمور أمنية يجب ملاحظتها عند الزيارات، على كل حال
تمت الموافقة، ورافقنا المسؤول التركي بكل أدب ولطافة في جولة داخل المخيم، المدرسة
والبيوت ومجمع الغسيل، وخيمة الاجتماعات، الشكوى كانت حال الاكثرية، لايزورنا أحد،
لا يسأل عنا أحد... أين المجلس الوطني؟ أين القيادات؟ وتطوع بعضهم بشكر الحكومة التركية وحسن ضيافتها،
وأظنه صادقاً، وقامت الاخوات بتوزيع الحلوى على الاولاد فظهرت الفوضى والتدافع، وسألت
أحد الاولاد الذي جمع في كفيه عدداً كبيرا من قطع الحلوى، أكلُ هذه لك؟ فقال لا، ساعطي
بعضها لاخوتي الذين لم يحضروا التوزيع، وعندما لاحظ أحد الاولاد أنه ليس في يدي شيء
من الحلوى قدم لي بعضها يضيفني فشكرته وقلت له لقد أكلنا قبل قليل.
مظاهر الاسى والشندلة كانت واضحة على وجوه
الجميع، الحاجة لرعاية صحية تقرأها في عيون الصغار، وفي نفس الوقت ترى العزيمة والبأس
على كل لسان، كلهم يريد العودة لاسترجاع بيته وأرضه وطردالمحتل الغاشم الذي أخرجهم
من ديارهم، بعضهم قال لا نريد غير المال ونحن نتكفل بالسلاح والمقاومة، وبعضهم قال
لانريد إلا السلاح وسنأخذ حقنا بيدنا، وكلهم اشتكى من المجلس الوطني والقيادات التي
لم يروا منها خيراً حسب رأيهم، وزعم بعضهم أننا أول اناس من المجلس الوطني يزورونهم،
ولولا الحياء ولزوم حسن الضيافة لهموا بطردنا.
كان الاستاذ المالح لطيفاً ومتعاوناً معهم،
وبين لهم أن المجلس الوطني لم يكن لديه المال إلا مؤخراً وقد قام هو من طرفه بتقديم
بعض المساعدات المالية لبعض من طلبها وبين لزومها.
الحكومة التركية تقوم بتعليم الاولاد اللغة
التركية في المخيمات، وقد لاحظنا بان هناك حركة نقل في المخيم، فاخبرونا أنهم بصدد
الانتقال من هذا المكان إلى مخيم آخر قرب مدينة كلّس الحدودية.
غادرنا إلى المخيم الثاني الذي يسمى مخيم الضباط
وكانت الترتيبات الامنية هناك أكثر حيث أخذوا هوياتنا وتأكدوا من أشخاصنا ثم أخذونا
إلى غرفة اجتماعات صغيرة حشرنا فيها حشراً، والتقينا فيها بعدد من الضباط على رأسهم
رئيس الجيش الحر العقيد رياض الاسعد، رحب بنا الضباط وشرح لنا الاسعد الاوضاع وعاد
للتأكيد على أن توفير المال والسلاح من أول الاولويات، وأن الجيش الحر له أعضاء في
كل مكان في سورية، وأن المبالغ التي وصلتهم محدودة جداً، وقام الاستاذ المالح بتسليمه
مبلغاً من المال، فاخرج الاسعد دفتراً من درجه وقيد تسلمه للمبلغ بشكل رسمي وأعطانا
هذا انطباعا إيجابيا بوجود نوع من الضبط الاداري والمالي، وقال أحد الحاضرين للاسعد،
قد يوجد في الجيش السوري بعض الرتب العالية عميد أو لواء، يريدون الانشقاق، ولكنهم
يترددون لانهم لو التحقوا بالجيش الحر فلن يجدوا مكانهم الطبيعي حسب رتبتهم لان قائد
الجيش الحر عقيد ورتبته أقل من رتبهم، فاشار الاسعد أنه كان عليهم أن يسارعوا في الانشقاق
قبل غيرهم فينالوا مكانهم الطبيعي، وأن تأخرهم أدى بهم إلى القبول بالامر الواقع، وكان
جوابه وضاحا أنه جواب عسكري ليس فيه سياسية، وتمنيت أن يرسل رسالة سياسية تشجع كل المنشقيين
بكل رتبهم، وأنه لن يكون هناك حاجز أمام الاستفادة من كل الرتب والاختصاصات بما فيه
مصلحة الثورة، وهذا أحد الامثلة على الفروق بين الجواب العسكري والجواب السياسي.
في ممرات المخيم التقيت مساعداً كان يعمل في
المخابرات سألته ما هي نسبة أن يكون النظام وراء السيارات المفخخة التي زرعت في دمشق
وحلب مؤخراً قال مئة بالمئة من عمل المخابرات ولدينا أدلة كثيرة على تحريك النظام لمجموعات
إجرامية ومتطرفة ليختلط الحابل بالنابل.
المخيم الثالث كان يرقد قرب نهر العاصي، وهو
فعلا خيام بسيطة لا تكاد تقي الحر والبرد، وشكى أهله بان السلطات السورية فتحت مياه
أحد السدود القريبة من المخيم فاغرقته عدة أيام في برد شهر فبراير الماضي، وكان في
المخيم عدد من الجرحى والمصابين مما يدمي العين والقلب، وشكى إلينا أحد الافراد بان
الزيارات قليلة جدا، وأن أحد أعضاء المجلس الوطني زارهم مرة فوقف على باب المخيم وأخذ
بعض الصور لشخصه الكريم وانصرف دون أن يدخل المخيم، وذكر آخر أن الدكتور عبد الرحيم
بحرو يزورهم بين حين وآخر ولكنه يحابي بينهم في أعطياته، فيعطي أناساً أكثر من آخرين،
فادركت أن إرضاء الناس غاية لا تدرك.
أصلح الله الاحوال وأعاد المهاجرين إلى ديارهم
سالمين غانمين منتصرين وأبدلهم من بعد خوفهم أمناً وسلاماً وازدهاراً.
محمد زهير الخطيب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق