أضحت السياسة لها مفهوم عجيب وغريب، في أذهان
الشعوب العربية والإسلامية، وذلك نتيجة ابتعادهم
عن المفاهيم الصحيحة للمصطلحات، فمفهوم السياسة الحالي مفهوم لا يمد لتعاليمنا وقيمنا
ومبادئنا الإسلامية، فهو مفهوم أوربي حيث يربط السياسة بالغش والكذب والخداع والمراوغة
كما يروغ الثعلب.
وإذا قرأنا لفظ السياسة في معاجم وقواميس اللغة
العربية نجدها تدل على الرعاية والمداراة والقيام على الشيء بما يصلحه، قال أبو البقاء في كتابه الكليات : " السياسة استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق
المنجي في العاجل والآجل "،
وإذا تصفحنا كتب الفقه الإسلامي نجد في طياته
السياسة الشرعية، أو ما يطلق عليه " الأحكام السلطانية " وهو ما يتعلق بالحاكم
وصلاحه، وبناء الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، وقد كتب د. عبد الله النفيسي تعريفا رائعا ودقيقا عن السياسة في كتابه (عندما
يحكم الإسلام ) فقال : " إنما السياسة هي الإدارة العامة لشؤون الناس، إما تفضي
إلى عدل أو إلى ظلم، والقرار السياسي - في محصلته النهائية -هو الذي يحدد طبيعة السكن
الذي نسكنه، وطبيعة الطريق الذي نعبره، وطبيعة الجريدة التي نقرؤها، وطبيعة المذياع
الذي نسمعه، وطبيعة التلفاز الذي نشاهده، وكمية الدراهم التي نحملها في المحفظة".
ولهذا لا يوجد في حياة الإنسان المسلم الغش
والكذب والمراوغة، فالإسلام هو دين الصدق، والمعاملة الحسنى.
وإذا كان هذا تعريف السياسة فأين علماؤنا منها
؟
وإذا كانت الثورة السورية بحاجة إلى سياسة
محنكة، وقيادة ذات قدوة، فأين علماؤنا منها ؟
إن العلماء أناس من الشعب، لهم أحاسيس ومشاعر
فيألمون كما يألم الشعب، ويتحسرون على ما تمر به سوريا من طغيان واضطهاد، ولكن حدودهم
لا تقف عند التألم والتحسر والحوقلة والصمت، بل تتعدى ذلك إلى المشاركة الوجدانية والمشاركة
العملية.
فالعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء كانوا
قادة الأمم، مما يعني أن العلماء لهم نصيب ودور هام في قيادة الأمم، فهم ضمير الشعب
الذي يوجه ويدعم وينفذ، وهم أمراء الأمراء، قال الفخر الرازي في تفسير ( أولي الأمر)
في قوله تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
﴾ ( النساء :59) " أعمال الأمراء والسلاطين
موقوفة على فتاوى العلماء، والعلماء في الحقيقة أمراء الأمراء، فكان حمل لفظ أولي الأمر
عليهم أولى"
إن الثورة السورية لها مكانتها الخاصة في العالم
العربي والإسلامي والعالمي، مكانتها الدينية، والثقافية والاستراتيجة والجغرافية والتاريخية
والاجتماعية...
ولهذا فهي تحتاج إلى قيادة تستوعب الثوار،
بكافة طوائفهم، ومشاربهم، ولهم في علماء الأمة من السلف قدوة وأسوة حسنة فقد كان العلماء
كما قال الأستاذ الكبير محمد قطب " هم قادة الأمة ومرشديها في أمورها السياسية
والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والروحية، كذلك كانوا دعاتها إلى الجهاد كلما حدث
على الأمة عدوان يذكرونها بالله وباليوم الآخر،
وبالجنة وبالنار، وكانوا يشاركون في
الجهاد بأنفسهم أحياناً بل يقودون الجيوش بأنفسهم أحياناً "
فشيخ الإسلام ابن تيمية لم يكن أميرا ولا رئيسا
ولا حاكما وإنما كان قائدا يوجه الأمراء، ويرعى الأمة.
والعز بن عبد السلام لم يكن أميرا، ولا رئيسا،
ولا ملكا، وإنما كان يعيش أولاً بأوّل مشاكل الأمة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية...
بمعنى أنه لم يكن معزولاً عن أوضاع الأمة، وهمومها، ومشاكلها، حتى وصل به الأمر أنه
باع أمراء المماليك، حتى يحررهم، فلقب بـ " بائع الأمراء".
والعالم
سيدي المصطفى المعروف باسم الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل القلقمي، من
موريتانيا ، لم يكن أميرا ولا رئيسا، وإنما
كان عالما مؤلفا وقائدا، ارتبط اسمه بمقاومة الاستعمار الإسباني والفرنسي.
وعز الدين القسام لم يكن أميرا ولا رئيسا، وإنما كان معلما مربيا
وقائدا، رفع راية المقاومة ضد المستعمرين الفرنسيين في الساحل الشمالي لسورية عام
1920، وبعد الحكم عليه بالإعدام، وطارده الفرنسيون قصد دمشق ومنها إلى فلسطين، وهناك
أكمل مسيرته الجهادية والدعوية والاستشهادية حتى استشهد..
وعمر المختار لم يكن أميرا ولا رئيسا وإنما
كان معلما للقرآن الكريم ومع هذا نهض لقيادة شعبه وأبناء وطنه في مواجهة المحتل بكل
الوسائل حتى استشهد..
وغيرهم كثير...
إن الثورة السورية محط أنظار العالم، وكل الدول
العربية والغربية تحاول أن يكون لها قدم فيها، ( وكل يدعي وصلا بليلى... وليلى لا تقر
لهم بذاك)
وهي بذلك تكون أشد حاجة إلى قيادة تقودها وتربيها
وتوجهها وتأخذ بيدها إلى بر الأمان، منتصرة بإذن الله عز وجل.
فالثوار بأطيافهم بحاجة إلى التربية والتوجيه..
والناشطين بحاجة إلى التوجيه والوعي بمجريات
الأمور من حولهم..
والثورة بأكملها رجالا ونساء وأطفالا بحاجة
إلى القدوة الحسنة، وإلى التوجيه والتربية الروحية والشرعية والاجتماعية والنفسية والسياسية
والعسكرية والأمنية..
إن انتصار الثورة يعتمد بعد الله تعالى على
هذه اللبنات مجتمعة ( الثوار، الناشطين، الثورة )، ولا يمكن لأي لبنة أن تبني الثورة
لوحدها.
إن الثورة السورية ثورة قيم، وثورة حضارة،
وثورة بناء للإنسان روحا وجسدا، فتزداد المسؤولية على جميع العلماء وجميع الدعاة سواء
كانوا داخل سوريا أو خارجها.. بعدم الصمت، وعدم التقوقع داخل دروسهم، أو الغياب عن
الساحة..
وتزداد المسؤولية في تقويم الثورة وتصحيح مسارها
إذا حاول أحد التلاعب بها، أو جرها في متاهات وتشويه صورتها، أو انحرافها عن معرفة
الصديق من العدو.
وتزداد المسؤولية في تصحيح المجلس الوطني
( أو بناءه من جديد) الذي نال شرعيته من الثوار، لحاجة الثورة إلى من يمثلها في الخارج
ويقودها، لا لفضل خاص به، أو لأجل فلان وعلان، أو لأجل الرحلات المكوكية هنا وهناك
والتقاط الصور.
ولهذا فالمجلس بحاجة إلى مراجعة شاملة ليكون
جديرا بقيادة الثورة السورية.. فليس الهدف من الذي يرفع الراية وإنما أن تظل الراية
مرفوعة دائما، خفاقة عالية، جذورها ثابتة، وفرعها في السماء..
وتزداد المسؤولية ويزداد التوجيه والإرشاد
في ظل الدعوات التي نسمعها من هنا وهناك إلى رفع راية الجهاد..
إن العالم القائد لا يريد من عمله إلا الله
ومن ثم فلا يعنيه في أي موقع سيكون، لأنه لا يريد تلميعا سياسيا ولا إعلاميا، ولا يريد
التقرب إلى احد، سوى الله..
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ( الانعام : 162)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق