على طاولة مستديرة يجلس أربعة من الرجال، وكل الأنظار مسلطة على خارطة سوريا الجغرافية، المفروشة على الطاولة، وكل واحد منهم ينظر للحل بمفهومه الخاص والطريقة التي كان يتعاطاها مع الحراك الثوري السوري، ويرى في نفسه،أنه هو الذي يجب عليه أن يقود الثورة، ففكره وتصرفه هو المنطلق السليم لنجاح الثورة.
بعد مناقشات حادة كانت قد جرت بين الموجودين، وبإصرار كل شخص على
رأيه، وأنه هو الأولى للقيادة، وبالتالي وصلوا لطريق مسدود، خيم الصمت على الجميع،
والرؤوس انحنت للأمام قليلاً، وأسبلت العيون وأصبح منظر الخريطة أمامهم مجرد ألوان
متموجة ترتفع وتهبط، وكأن الزمن توقف في المكان وتوقفت الحياة.
كان سبب اللقاء أن الشعب السوري
طلب منهم الاجتماع، والبحث عن حل، للخروج من الحالة السائدة الآن في سوريا، فهي
تشبه لعبة شد الحبل، ولكنه حبل طويل يمسك فيه ملايين البشر، وكل ثانية يتم افتراس
أشخاص من الطرفين، وتتساقط النفوس ولا يستطيع أحد الفريقين ترك الحبل، فكل فريق
يشعر أنه لو ترك الحبل، لانتهى كل الفريق وانمحى عن الوجود.
السؤال هنا، من من هؤلاء الأشخاص
الأربعة كان محقاً في رأيه، ومتفوقاً على الآخرين، حتى يكون هو القائد للمرحلة
الراهنة والمرحلة الانتقالية ؟
فلو تطرقنا لكل واحد منهم بكلمات
حتى نستطيع الوصول لنتيجة منطقية ومتطابقة مع ماتصبو إليه الثورة من طموحات آنية
ومستقبلية.
فالمفكر يتعامل مع الأمور بصورة
منطقية وواقعية، وعلى أساس صدقية التعامل مع الآخرين، ويكون عنده ميولاً عاماً
للمثالية في التعامل مع الآخرين، وهنا يُنظر إليه أنه إنسان ضعيف، وبالتالي لايصلح
لقيادة المجموعة.
أما السياسي فسينطلق من مفهوم عام
للسياسة، بأنها علم وفن، وأنها فن الممكن كما عرفها افلاطون، في حين يرى مكيافيللي،
أن الوصول للسلطة يجب أن لايرتبط بمعايير أخلاقية، فالغاية تبرر الوسيلة، فالسياسي
يكون هدفه كما عبر عن ذلك البروفسور برناردكراك فيقول : بأن السياسة في أحسن
حالاتها هي "نشاط أخلاقي للتوفيق بين الخلافات الاجتماعية والاقتصادية،
ولبناء حكم المجتمع بدون الفوضى والإستبداد والعنف". (كراك، 1962).
فالوضع
القائم الآن في سوريا يحتاج لسياسي، يمتلك العلم السياسي، وفن الممكن وأسلوب
مكيافيللي، وحسب تعريف برنارد كراك. وحتى ينجح في مهمته هذه في عليه أن لايكون
مرتبطاً بأي ايديولوجية حزبية، لأنه يمثل الشعب كله، وبهذه الصفة يملك حرية التصرف
وبدون إملاءات حزبية مقيدة.
أما
العسكري فلا يمكن أن يكون رئيساً للمجموعة، لأن الذي أوصل شعبنا لهذه الدرجة هو
حكم العسكر، وبالتالي لايؤمّن جانب العسكر في توليه الحكم، ويجب أن يخضع للسلطة
السياسية، ولكن نحتاج لقائد عسكري يدير الأمور الحربية والخطط العسكرية، لتجتمع كل
القوى الثورية المناهضة للنظام تحت قيادة رجل واحد، فلا يمكن أن تنتصر ثورة أو
ينتصر جيش إن كان لايتبع قيادة مركزية تتمثل في قائد واحد، فالقيادة الجماعية تكون
فاشلة لامحالة.
والمتظاهر
السلمي قد تجاوزته المرحلة، بعد أن أفرزت الثورة الجناح العسكري فيها.
نخلص
لنتيجة بسيطة ومنطقية، وهي أن يكون الرئيس هو السياسي، والعسكري وزيراً للدفاع،
والمفكر مستشاراً ومنظراً، والمتظاهر يمثل الشعب وحقوقه الحالية وفي المستقبل.
فلو
استطاعت الثورة تشكيل هذه القيادة، وأدارت المعركة من على الشريط الحدودي، في حال
استغل السياسي إمكانياته الفكرية والسياسية، وفن الممكن، وفن المراوغة والمساومة
مع الدول وقادة الدول المؤثرة، فلن يمر وقت طويل حتى تنتهي لعبة شد الحبل، ويكون
الكأس لمن يمثلون الثورة.
د.عبدالغني حمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق