الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-04-16

نحو مستقبل أفضل ... الإلزام الخلقي وأثره في ربيع الثورات العربية – بقلم: د. عبد الغني حمدو


يقال في المثل: أن الأب أو معيل الأسرة هو عامود البيت، فإن مات، قيل أن البيت قد انهار على ساكنيه

أمام هذا المثل البسيط في الطرح، لابد لنا من بناء قادم جديد على أنقاض البناء القديم، يبنيه الثوار في ربيعهم العربي، منطلقاً من ركيزة أساسية لهذا البناء، هذه الركيزة يجب أن تبنى على الصدق، فالركائز القديمة للبنى العربية كانت مبنية على الكذب .

فلو استطعنا أن نبني ثقافتنا القادمة على الصدق، لسهل علينا بناء الانسان كإنسان، وليس على مبدأ شياطين مكبث لشكسبير (السلوك المشروع خيانة، والخيانة سلوك مشروع )
فالصدق في القول في نظر الجميع فضيلة، والكذب هو شر الرزائل كلها، وقد نفى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عن المؤمن الكذب، ولم ينف عنه الزنا أو السرقة .
ففي الدول العربية التي انتصرت فيها الثورات، وفي سوريا والتي ماتزال الثورة فيها قائمة، نجد أن الدول التي انتصرت فيها الثورة، لم تستطع حتى الآن الانتقال لمرحلة تختلف عن سابقاتها في الحكم، وقد يكون السبب الأكبر في ذلك هو عدم الثقة في النفس أو الذات، وكذلك عدم الثقة في الآخرين .


فالثورات قامت ضد  أنظمة حكم، ولم تكن الثورات قائمة ضد نظم وأطر وثقافات اجتماعية موروثة، من عصر الانحطاط وانعدام الحرية والاستبداد الثقافي والسياسي والاقتصادي، ويضاف إليه الاستبداد الاعلامي أيضاً، وكل هذه الموروثات الخاطئة من صنع الأنظمة الحاكمة، حيث جعلت منها مورثات سائدة نتيجة لطول الزمن، الذي عاشت فيه هذه الأمة من القهر والظلم والاستبداد .

فلم تعد الوسائل المتبعة مرتبطة بقانون أخلاقي ذاتي أواجتماعي أوديني، وإنما أصبح القانون السائد هو قانون استغلال الفرص والمختصر (الغاية تبرر الوسيلة ) مكيافيلية الأسس والتعامل والأخلاق بين سلطة الحكم والشعب والمجتمع وبين الأفراد . فالحاكم كاذب ويكذب دائماً، ويتبعه القادة والمجتمع، فلا الفرد يثق بالفرد ولا الأحزاب تثق بغيرها، ولا المجتمع يثق بالسلطة، ولا السلطة تثق بالمجتمع، وبالتالي عمت الفوضى ومن الفوضة تلك، كان الاستبداد والظلم والقهر، والفساد بشتى أشكاله، حتى أصبح مجتمعنا كحال مقولة الأمبراطور فريدرك الثاني لأحد اتباعه المتفائلين (ياعزيزي شولزر إنك لاتعرف  إلى أي جنس ملعون ننتمي له البشر ) .

إن مايتعرض له الشعب السوري من جرائم بشعة في ثورته الحالية، وانتهاكات صارخة من قبل عصابات حاكمة مجرمة، ماهي إلا نتيجة مباشرة لنظام حكم طال أمده، بني على الكذب في كل شيء، مما جعل الأخلاق الحسنة عدوه الأساسي، وهذه الثورة قامت للعودة بالسوري إلى أصالته الحرة المؤمنة والمبنية على حسن الخلق، والثقة المتبادلة بين الناس .

وحتى الآن الثورة السورية لم تنتصر بعد، وقد يكون السبب الرئيسي لعدم النجاح حتى الآن، نابع من عدم الثقة المتبادلة بين أحزاب المعارضة في الداخل أو الخارج، وعدم الثقة هذه ناتجة، من عدم المصداقية في القول، والذي سينعكس حتماً على الفعل، فصدق القول يؤكده الفعل، وبالتالي لم يجد الثوار على الأرض هذه المصداقية، فكانت المسافة بينهما بعيدة جداً، فالثوار على الأرض يؤكد مصداقيتهم فعلهم، بينما المعارضة يؤكد كذبهم فشلهم وعدم تطابق القول مع الفعل لتكون الثقة معدومة .

فالالزام الخلقي في القانون الأول عند الفيلسوف (كانط ) يشرحه في المثال التالي:
علينا أن لا نكذب، لأننا إذا جعلنا من الكذب مبدأً عاما،فإن ثقة بعضهم في بعض تنهار تماماً
فالأنطمة القمعية أو الاستبدادية ومتشابهاتها تسعى دائما في أن يكون الكذب مبدؤها الأساسي، ونتائجه واضحة أمامنا، في أن الثقة منهارة تماما بين الحاكم والشعب، وكذلك ثقافة تكتلات وهيئات المعارضة والأحزاب تحمل نفس النهج ونفس اسلوب النظام، في بعدها عن القانون الأخلاقي الالزامي .

فإن أردنا أن تنتصر الثورة ليس فقط في تغيير نظام الحكم، وإنما منطلقين من القانون الأخلاقي الالزامي والذي يفرض علينا الصدق، عندها يمكننا القول أننا بالفعل نحن في الربيع العربي الحقيقي .
د.عبدالغني حمدو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق