منذ قيام الثورة السورية المباركة في منتصف
نيسان 2011م
و ردود الفعل الدولية تتفاوت بين شد وجذب وفتور
وتراخي تتصاعد التصريحات ثم تنخفض وتقوى المواقف
ثم تضعف وعواصم العالم تشهد حركة دؤوباً من القاهرة إلى إيران و من تركيا إلى أمريكا
ومن دمشق إلى روسيا والصين.. كل ذلك والشعب السوري المسكين يسحق , يقتل أبناؤه وتهدّم
المنازل على رؤوسهم.. وينزح أطفاله ونساؤه إلى الدول المجاورة فارين يطلبون النجاة من بطش الظالم وحقده فقد فاقت أعدادهم مائة وعشرين
ألفاً في الأردن وثلاثين ألفاُ في تركيا , وعشرين ألفاً في لبنان , والحبل على الجرار..
هذا عدا عن نزوح لا يقل عن ثمانمئة ألف داخلياً
فقد امتلأت المحافظات السورية والتي هي أقل عرضة للبطش كدمشق وحلب و دير الزور والجزيرة
بأعداد الهاربين من حمص وحماة وإدلب..
كل ذلك بفعل المجازر التي يشيب لهولها الولدان
في ريف دمشق مثل رنكوس وسقبا والزبداني.. وريف حلب مثل / عندان , وحريتان وإعزاز والأتارب
وريف حماة مثل اللطامنة وطيبة الإمام
, وقلعة المضيق وريف إدلب : مثل تفتناز وجسر الشغور..
هذا عداك عن حمص التي هجرها أهلها واصبحت خاوية
على عروشها في أكثر حاراتها الإحدى عشر ة , حتى أنّ الصور المروعة تحت الركام والجثث
التي مضى عليها أكثر من شهر , لا أحد يستطيع الإقتراب منها خوفاً من القناصة الذين
يعتلون المناطق المرتفعة ليقنصوا كُلَّ متحرك يمر على الأرض
كل هذه الصورة القاتمة والمجتمع الدولي يعيش
مهرجان التصريحات وطلاقة الخطباء وبرودة المبادرات وتسويف المواعيد وتمديد المهل..
" عنان , تطواف حول العالم
"
والنتيجة وعود خلابة.. ومظاهر كاذبة وتصريحات
جوفاء فمن العمل العسكري ضد سوريا إلى تسليح
الجيش الحر إلى فرض مناطق عازلة إلى ممرات آمنة.. إلى معونات إغاثية.. تجدد
قائمة الطلبات ضد النظام لتتحول إلى وساطة كوفي عنان المشهورة والمتضمنة للنقاط الست
والتي على رأسها وقف القتال وسحب الآليات العسكرية والسماح بالتظاهر السلمي , وإخراج
السجناء , والإغاثة العاجلة
وحتى كتابة هذه الكلمات والتي انتهت مهلة عنان
بعد تمديدها يومين لم يتغير شيئ على الأرض.. فقد كان اليوم الخميس هدوءً حذر في بعض
المناطق مع قصف وتدمير في مناطق أخرى والآليات العسكرية ما زالت تراوح في مكانها والمظاهرات
السلمية رغم كل ذلك تنطلق في كل مكان والعالم كأنَّ على رؤوسهم الطير ينتظرون و يُراقبون..
والشعب السوري مُصرّ على أنّ ثورته للجميع
ليعلن اسم الجمعة القادمة , " ثورة لكل السوريين " بأعراقهم بطوائفهم بألوانهم المجتمعية , وفئاتهم الاجتماعية..
" فجيعة الشعب السوري
"
وإذا كان هذا الشعب الشجاع والمصابر.. قد فجع
في المجتمع الدولي منذ تصريحات أردوغان النارية إلى تصريحات قطر والسعودية الثورية..
ومنذ مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في تونس في 24شباط 2012.. والذي لم يتمكن من التوصل
إلى قرار بتسليح الجيش السوري لمواجهة النظام السوري فضلاً عن التدخل العسكري ولم يوافق
على نقل السلطة كما يحدث في اليمن فإن الموقف الدولي يزداد مياعة وضبابية وتسويفاً
لا يرقى إلى تضحيات هذا الشعب المسالم
فإنّ المؤتمر الثاني لأصدقاء سوريا والذي عقد
في استانبول في بداية نيسان 2012 , لم يسفر عن النتائج المرجوة منه والتي طلبها المجلس
الوطني السوري والتي سعت إلى تحقيقها قطر والسعودية في دعم تسليح المعارضة السورية
بل إنّ كلمات المتحدثين في المؤتمر لم تتطرق إلى هذه النقطة رغم أن أمين الجامعة العربية
رفع سقف مطالب الجامعة باستصدار قرار من مجلس الأمن تحت " البند السابع
" وهو الطلب الذي لم يخرج عن جدران المؤتمر خوفاً من الفيتو الروسي والصيني
وإذا كان من قرارات المؤتمر الإيجابية الاعتراف
بالمجلس الوطني السوري ممثلاً شرعياً للشعب السوري وليس الممثل الشرعي الوحيد مما سماه
" غليون " بنصف الكأس الملأى فإنه حديث خرافة يا أم عمرو لأنه ليس له أثر
على أرض الواقع .
كل ذلك يحدث وزيارات كوفي عنان المكوكية إلى
روسيا والصين وتركيا وإيران تعمق فكرة الحل السياسي للأزمة والتي هي مجرد خيال أو أحلام
في أذهان الساسة الدوليين والمنظرين العالميين الذين يحسبون خطواتهم بدقة ويخافون من
حرب في المنطقة أحد أطرافها الرئيسية إيران , والداعمين لها روسيا والصين ولعل الملف
النووي الإيراني أحد اللاعبين بقوة على حل الأزمة فيرفع وتيرتها حيناً ويخفضها أخرى
لتبقى القضية كا لمرأة المعلقة.. لا راجعة ولا مطلقة.. تراوح بين سياسات الدول ومصالحها
التي تُفرض علينا ونحن لا حول ولا قوة لنا..
" الدولة السنية "
الموقف الدولي الآن لصالح النظام السوري فوزير
الخارجية الروسي " لافروف " يحذر من قيام دولة سنية.. وهذا ليس بمستغرب من
عاصمة الإلحاد وكذلك من البعث اليساري المتجاوز للأديان بل المحارب لها.. وكذلك هيئة
التنسيق التي يرأسها هيثم مناع فهم جميعاً يحملون ذات المنطق الإيراني بتهديده للكيان
الصهيوني حماية لمصالح الغرب وأمن إسرائيل لا بل أنّ المفكر اليساري " نعوم تشومسكي
" يقول : أن الفيتو الروسي والصيني جاء برغبة أمريكية وعزيمة غير ملعنة ليكفيهم
صد أي عون لمساعدة الثورة السورية وهي إستراتيجية معتمدة بكل تأكيد من تل أبيب , كل
المؤشرات على أنّ الحبكة الإيرانية الروسية المباركة من تل أبيب قد اكتملت وأن عواصم
الغرب أعلنت رسمياً رفضها لتسليح الضحية وسبب هذه التصريحات هو تعزيز الحصار على الثورة
السنية التي تخيف إيران وإسرائيل والغرب.. وهذا ما يقوله عزمي بشارة " أنّ السنة ليسوا طائفة لأنهم حاضنٌ تاريخي
لعرب المنطقة بما فيهم من إخوانهم من الطوائف الأخرى وهم عمق الأقطار والتاريخ العربي
وتاريخ الشرعية والقومية والدينية.. والثورة عربية عصية على الطائفية
عن مقال.. " مهنا الحبيل
روسيا الشيعية وثورة سوريا العربية "
ولذلك كان التركيز على عدم تسليح المعارضة
فقد حذر وزير الخارجية المصري بقوله : تسليح المعارضة يؤدي إلى حرب أهلية.. واتهم الجعفري
مندوب سوريا في الأمم المتحدة بأن أصدقاء سورية هم أعداؤها.. وأن السعودية وقطر تسعيان
إلى تقويض مهمة عنان .
وحتى عنان : قال : تسليح المعارضة
لها عواقب كارثية لا يمكن تخيلها "
بل تحول الموقف الدولي إلى لوم المعارضة ومساواتها
بالنظام فيقول عنان : على كل الأطراف احترام اطلاق النار ويجب وقف العنف من الطرفين
وتحول رأيه إلى إرسال مراقبين دوليين .
وأصبح المجتمع الدولي يغازل النظام السوري
ويقدم له من الأعذار والمبررات ما يجعله يزداد في غيّه وعداونه..
" إيران جزء من الحل
"
أما إيران فإنها تطلب منح دمشق فرصة لإجراء
التغييرات اللازمة فعنان يعتقد أن إيران جزء من الحل ويريد منها زيادة الضغط على سوريا
وهو محق في ذلك فالحرس الثوري الإيراني يجوس في الأراضي ويقوم بمخابراته وقنصه وتعذيبه
للمدنيين ويقولون بكل صراحة : أنهم مع النظام حتى النهاية..
ومن هنا فالنظام السوري يزداد شراسة رغم شعور
الدول الأخرى بذلك قبل أن تنتهي مهمة عنان فمن قائل أن الرئيس السوري لم يف بتعهداته
وقالت سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة : إن بعض أعضاء المجلس عبروا عن قلقهم من أن تستغل
الحكومة السورية الأيام المقبلة لتكثيف العنف " وهو ما حدث فعلا" وأبدوا
بعض التشكك في حسن نية الحكومة بهذا الشأن..
وقالت بريطانيا على لسان رئيس وزرائها :
" يُخشى من استغلال المفاوضات الدبلوماسية لتكثيف حملته العسكرية ويخشون من اشتعال
المنطقة وبلغ التسويف والاستهتار من قبل النظام : أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر
تحاول الحصول على إذن بالدخول لمساعدة المحتاجين .
" الإعتماد على النفس
"
وأخيرا كان الاعتداء على معسكرات النازحين
على الحدود التركية وقتل بعض المدنيين وجرح الآخرين منتهى التطاول والتعدي أمام موقف
تركي بارد يطلب نجدة حلف النيتو في الرد على هذا التعدي .
حتى وصل الأمر بالشعب السوري أن يكتب خلال
التظاهرات على لافتاته الشامخة :
- " ادلب ستخصص مكانات آمنة للجنود الأتراك
"
- " اسطنبول حمص معاكِ للموت "...
إشارة
فيها كثير من الغمز والألم ، رغم كل موقف تركيا الواضحة المعالم ولكنها الموازانات
الدولية والخوف من القادم " كل هذا يحدث ونخن بانتظار مبادرة عنان " بقي
أن نقول : أن على الشعب السوري أن يعتمد على نفسه وكل هؤلاء أصحاب مصالح وأهداف قريبة
وبعيدة ونحن مع المثل العربي..
ما حك جلدك مثل ظفرك فتوّل أنت
جميع أمرك..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق