بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أن قُمعت الردّة وأُخمدت نار الفتنة في
جزيرة العرب، أراد الخليفة الراشد أبو بكر الصدّيق ( رض ) أن يستثمر الزخم الجهادي
المتدفّق للعرب، والروح المعنوية العالية للمسلمين، فأصدر قراره التاريخيّ الرائع ( الفتوحات الإسلامية ) وفتح له باب التطوّع، وبدأ
بالعراق، فأوعز إلى قائده المبدع خالد بن الوليد
(رض ) _ وكان قد فرغ لتوّه من القضاء على المرتدّين، وعلى رأسهم مسيلمة الكذّاب
في اليمامة _ أن يدخل العراق من جنوبه الشرقي، كما كتب إلى عِياض بن غنم، وهو قائد
آخر يلاحق فلول المرتدّين في منطقة الحجاز، وأمره أن يدخل العراق من شماله الغربي،
بحيث يطبقان على غربيّ نهر الفرات بفكّي كمّاشة، وأمرهما أن يلتقيا في الحيرة، وأيهما
سبق إليها فيكون هو الأمير، ومنها يزحفان إلى المدائن عاصمة الفرس ..!!!
ترى .. أين تعلّم أبو بكر الصدّيق ( رض ) فنون
الستراتيجية والحرب حتى يضع مثل هذه الخطة الرائعة .!!؟
يقول العسكريون : الخطة البسيطة الواضحة هي
أهم عنصر في نجاح القائد .!!
فما أبسطها، وما أوضحها، وما أروعها، من خطة
… !
إنها خطة ذات مرحلتين، في المرحلة الأولى
: يتم الإطباق على غربي نهر الفرات وتطهيرها من القوات الفارسيّة، وهي منطقة قريبة
من صحراء العرب، ولهم خبرة كبيرة فيها، فإذا نجحت الخطة، فيتم الانتقال إلى المرحلة
الثانية :
وهي الوثوب إلى المدائن من قاعدة ارتكاز متقدّمة
في ( الحيرة ) بعد أن يتأمن ظهر المسلمين وجنباتهم ...
أما إذا لم تنجح الخطة، فيلوذ العرب بصحرائهم
القريبة، فهم بها أعرف، وعدوّهم بها أجهل، حتى يتم الإعداد لخطّة جديدة، ووثبة متجددة
… وهكذا…
وتحرّك الأسطورة خالد ( رض ) على رأس ثمانية
عشر ألف مجاهد لتطبيق الخطة المرسومة، فدخل العراق في شهر محرّم سنة اثنتي عشرة للهجرة،
الموافق لشهر نيسان من سنة (633 م ) مبتدئاً بثغر العراق الجنوبي ( الأُبلّة ) التي
كانت أشهر ميناء على شط العرب، والتي تبعد عن موضع البصرة الحالية ( التي لم تكن موجودة
) حوالي أربعة فراسخ ( 22 كم ).
ولم تمض إلا ثلاثة أشهر فقط، حتى حقّق خالد
أهدافه، ووصل إلى غايته، ودخل الحيرة فاتحاً في شهر ربيع الأول من سنة اثنتي عشرة للهجرة
النبوية الشريفة، الموافق لشهر أيار سنة 633 ميلادية.
بعد أن خاض مع الفرس عدّة معارك عسكرية مظفّرة،
أرعب فيها الفرس، وكسر ظهرهم، ودوّخ قياداتهم، وكان يسبقه صيته مسيرة شهر.
وهكذا يكون خالد ( رض ) قد حقّق هدفه في الوصول
إلى الحيرة، وأنجز مهمّته المرسومة له على أفضل وجه، ولقد كان لفتح الحيرة آثاره البعيدة،
فلقد كانت أول عاصمة من عواصم الأقاليم تسقط في أيدي المسلمين، وكان لسقوطها أهمية
ستراتيجية ومعنوية كبيرة، هذا فضلاً عن كونها قاعدة تموينية متقدّمة تمد الجيوش العربية
الإسلامية المتقدمة بما تحتاجه من العتاد والمؤن …
الدكتور أبو بكر الشامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق