مجلة المجتمع – الكويت- 16-4-2012
من يلتقي بسياسيين أو دبلوماسيين، غربيين أو
أتراك أو عرب يدرك حقيقة أكيدة؛ "اللوبيات" الصهيونية في العالم تعمل كلها
من أجل بقاء نظام بشار الأسد، على أساس أن مصلحة "إسرائيل" والغرب أن يبقى
نظام الأسد، الضامن لجبهة الجولان، سيما بعدما أصبح ضعيفاً، على أن يُستبدل بنظام حر،
فيه حضور إسلامي وازن، وقد تكون جبهة الجولان في ظله غير هادئة.
بناءً على هذه المعادلة؛ يضغط "اللوبي"
الصهيوني في أميركا ضد تسليح الجيش الحر، فتستجيب الإدارة الأمريكية. وفي روسيا يجهد
"اللوبي" الصهيوني في تدعيم الموقف الروسي وشرح محاسنه فيستمر الموقف الروسي
على حاله، أما في أوروبا فيعمل "اللوبي" الصهيوني على تحييد حلف الناتو عن
أي تدخل عسكري فتسود المراوحة القاتلة على المشهد السوري.
ولأن العالم منحاز دوماً إلى مصالح "إسرائيل"؛
فقد بات يتحدث أكثر عن حل سياسي بوجود بشار، رغم أنه يعلم صعوبة أن يبقى الأسد رئيساً،
ولعل هذا ما يفسر التضارب في المواقف الأمريكية تحديداً، حيث تكثر إدانات النظام السوري
من جهة، وتكثر -من جهة أخرى- المواقف المحبطة للثوار، وأوضح ما يظهر ذلك في مواقف وزيرة
الخارجية هيلاري كلينتون، التي تطلق منذ مدة غير قصيرة مواقف ملتبسة؛ سبق أن كشفت حقيقتها
في جلسة أمام مجلس النواب الأميركي، نهاية شباط/فبراير الماضي بقولها: "لدينا
قلق- إذا سلحنا المعارضة- من وقوع الأسلحة في أيدي تنظيم القاعدة. زعيم تنظيم القاعدة
أيمن الظواهري أعلن تأييده للمعارضة السورية. عليك أن تسأل نفسك، إذا سلحّنا، من سنسلح؟
وكيف يمكن إيصال الأسلحة اليهم، وما هي جدوى الأسلحة الأوتوماتيكية في مواجهة المدفعية
والدبابات؟"(موقف كلينتون يخالف موقف القائد العسكري لحلف الناتو جايمس ستافريديس،
الذي يجزم بأن "تسليح المعارضة السورية وتزويدها بأنظمة اتصالات سيؤدي إلى الإطاحة
بالرئيس السوري بشار الأسد").
وغير بعيد عن هذا الموقف؛ تصدر مواقف دولية
بين الحين والآخر؛ تعلّق التدخل العسكري ضد نظام الأسد على وحدة المعارضة حيناً، وعلى
وجود إجماع دولي حيناً آخر، كما تتذرع بوجود "فيتو" روسي مرة، وبتصريح لأيمن
الظواهري مرة أخرى، لكأن المعارضة في أي ثورة عربية سابقة كانت موحدة بالكامل، أو أنها
موحدة في البلاد نفسها التي تطلب وحدتها، أو كأن العالم كان موحداً عندما تدخل الناتو
في ليبيا، أو أصدر مواقف حاسمة تجاه نظام مبارك في مصر.
على أي حال؛ فإن الموقف الإسرائيلي الإيجابي
من نظام بشار الأسد لم يعد مجرد تحليل، فقد طالب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين
نتانياهو، في آذار/مارس الماضي- وبشكل علني-، الرئيس باراك أوباما بـ "تخفيف الضغوط
على النظام السوري"!.
وفي تفسير لهذا الموقف يجزم دبلوماسيون عرب
وأتراك أن تقاطع مصالح يسود هذه الأيام بين الإدارة الروسية والسياسة الإسرائيلية؛
يقوم على أساس دعم "اللوبيات" الصهيونية الموقف الروسي من الأزمة السورية
والضغط على الإدراة الأمريكية بهذا الاتجاه، مقابل تفهّم روسيا للمخاوف الإسرائيلية
من الملف النووي الإيراني، لدرجة أن بعض الدبلوماسيين يجزم بأن الجانب الروسي طمأن
"إسرائيل" أنه لن يساند طهران في الحصول على أسلحة نووية، وأنها لن تتدخل
إذا قرّرت "إسرائيل" ضرب المنشآت النووية الإيرانية.
ووفق معارضين سوريين، فإن المعطيات المتقدمة
دقيقة، وهم يلمسونها كل يوم لدى محاولتهم تحشيد الدعم للثورة، لكن ذلك ليس كل شيء،
فالانضمام العملي لـ "إسرائيل" إلى محور الممانعة لم يقتصر على الجانب السياسي
وفق معلوماتهم، ذلك أن أجهزة الرادار التركية التقطت في شهر آذار/مارس الماضي، طائرات
إسرائيلية الصنع من دون طيار، استُعمِلت للتجسس على الناشطين المعارضين وضربهم، ما
يعني أن هذه الطائرات التي سبق أن اشترتها روسيا من "إسرائيل" باتت – برضا
إسرائيلي طبعاً- بحوزة النظام السوري، الذي يشغّلها من خلال خبراء روس.
هل ستفلح "سياسة منح الوقت" لنظام
بشار الأسد في إنقاذ رأسه؟ الشك في ذلك كبير، فالشرخ بين نظامه والشعب يزداد كل يوم،
وحركة الاحتجاج تتوسع (سجّل يوم الجمعة 13/4/2012 العدد الأكبر من التظاهرات منذ بدء
الثورة، بواقع 771 نقطة تظاهر)، وقد بات عادياً أن تجري تظاهرات في مدن وازنة سبق أن
كان حضورها ضعيفاً كدمشق وحلب، في الوقت الذي تتعاظم فيه قوة التشكيلات المعارضة؛ سواء
منها السياسية أو العسكرية أو الإعلامية. وفي المقابل تزداد الانشقاقات في جيش النظام،
والأهم هو انهيار المعنويات وتحييد قطاعات كبيرة من جيش النظام بسبب الشك في الولاء،
ما يعني الاعتماد على قسم من الجيش فقط (بعثي العقيدة أو علوي المذهب) في قمع الشعب
الثائر.
أما على الصعيد السياسي؛ فهزالة النظام تزداد
يوماً بعد يوم، ومقاطعة العالم له تتوسع، ورغم أن آلته الدعائية تعمد إلى المكابرة،
إلا أن الواقع يشير إلى تراجع تلو تراجع، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان نظام الأسد
–إلى وقت قريب- ينفي وجود منشقين، ويتحاشى ذكرهم، في حين أنه وافق اليوم على خطة المبعوث
الأممي كوفي عنان، مطالباً إياه بأخذ ضمانات من الجيش الحر بالالتزام بوقف إطلاق النار!.
وبعد أن كان النظام يرفض أية مبادرة عربية
بعد انسحاب المراقبين العرب، إذا به يقبل بمبادرة أممية، ويدّعي الحرص على تنفيذها،
وأكثر من ذلك فقد وافق النظام على دخول مراقبين أممين إلى سوريا للتأكد من تطبيق خطة
عنان، في حين كان يرفض في السابق مجرد تدرب المراقبين العرب في الخارج، فضلاً عن أنه
كان يرفض وجود أي مراقب غير عربي كما هو موثّق في حينه.
هل يعني ذلك أن حرص "اللوبيات" الصهيونية
على بقاء نظام بشار الأسد لن يجدي نفعاً؟ يقول دبلوماسي عربي كبير؛ إن الاستخفاف بتأثير
"اللوبي" الصهيوني ليس في محله. صحيح أن بقاء أو رحيل الأسد مرهون بإرادة
الشعب السوري، وهي حاسمة باتجاه إسقاطه، إلا أن الصحيح أيضاً أن الجهود المبذولة لإطالة
عمر النظام قد أنتجت حتى الآن أكثر من سنة من المجازر... وفي كل الأحوال فإن سياسة
إبقاء "الرجل المريض" لن تُخرج "إسرائيل" من "المولد بلا
حمص"، فتأخير السقوط ثمنه المزيد من الخسائر، ما يعني زمناً أطول لاستعادة سوريا
ما بعد بشار عافيتها، عندها تكون "إسرائيل" ربحت عدة سنوات ينشغل فيها السوريون
بأنفسهم (حرب داخلية أو إعادة إعمار)، قبل أن يفكروا بأرضٍ لهم محتلة اسمها؛ الجولان!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق