يا تفتناز روتْ ثراك دماء – شعر:
محمد جميل جانودي
يا تفتناز روَتْ ثَراكِ دماء
وأصاب أهلك محنَةٌ وبلاءُ
وغدا أديْمُ الأرض أحْمرَ قانيًا
بدمائها جادت بها الشّهداءُ
يفترّ ثغر الأرض في نيسانِها
عن بسمةٍ تهفو لها الخضراء
تتراقص الأطيارُ في أجوائها
وتهيمُ فوق بساطهَا الميساءُ
لكنّ ثغْركِ يَا أُخيَّةُ واجمٌ
حزنًا على ما أفسد الجبناءُ
أعرفتِ من بالغدر جاءك حاملاً
حقدًا وقد ناءت به الغبراءُ
حقدًا توارَثه على حِقبٍ مضت
وتكفَّلتْ في نقْلِه الأبْناءُ
حقدًا بدا مذ أُخْمِدت نيرانهم
وتبددت في أرضكِ الظلماءُ
حِقدًا على جِيل الصّحابة والألى
ممن هم الأبطالُ والنّجَباء
هم باغتُوك وأنْت غافيةٌ على
صدر الربيع كأنّكِ الْحوراءُ
قتَلوا الربيع وروضه في نفْثةٍ
قد أطلقتْها حيَّةٌ رقطاءُ
ذرفَ الهلالُ على الورود بحسرة
وبكت عليْها القبّة الزرقاءُ
وأدُوا جَمالَك يا صبيّةُ خِسَّةً
ذرفتْ دمًا من خوفها الْحسْناءُ
والطفل مذهولاً تسمّر شاخصًا
من هول ما قد نكّلوا وأساؤوا
حُزْنًا على أبَويه لمّا غُيّبَا
عن نَاظرَيهِ وهدّه الإعْياءُ
مِئةٌ تواروا تحْتَ أطباق الثرى
أجسادهم هي فَحمةٌ سوداء
وُضِعُوا بجانب بعضهم في حُفرةٍ
حبٌ يُؤلّف بينهم وإخاءُ
يا تَفْتناز علا صُراخُكَ إنّما
مَن تندبينَ حجارةٌ صَمّاءُ
هل تحسبين بأن معتصمًا يُرى
قاد الجَحافل، كلُّهم أُمَناءُ
ويُجيْبُ صرْختَك التي أطلقْتِها
ويكُون منْه شهامةٌ ووفاءُ
ما تَحسبيْن أُخَيّتي وهْم بَدا
في أَلْسُنٍ نطقت به الغُرَماءُ
قد يَسْتَجيْبُ إلَيك قومٌ خُلّصٌ
لكنّما هُم قِلّةٌ ضُعَفاءُ
ما حكَّ جلْدَكِ مثلُ ظُفرِك فانظري
فيْما به قد قالت الحُكماءُ
تكفيك أحداقُ الشباب وقد بدت
تعطيك عهدًا أنهم عُظماءُ
يمضون في دحر العدا بعزيمةٍ
لا تنثني، وسيوفُهم حمراءُ
لا يظلِمُون وثأرهم ممن عدا
وقبيْلِه، وسواهُمُ بُرءاءُ
يا تفتناز، تصبّري، لا تجْزعي
عمّا قريبٍ يفْرحُ الغرباءُ
ويعود من هجر الدّيارَ لساحها
ويطيبُ فيهَا ضمَّةٌ ولقاءُ
ويُداسُ ذاكَ القُرمُطيُّ فينمحي
ويزول عنكِ الشرُّ والأدواءُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق