الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-04-18

أيهما أهم: المظهر أم الجوهر؟! – بقلم: حذيفة العاصي


خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان واستعمره في الأرض، ومنّ عليه بالعقل والسمع والبصر واليد والقوة، لتكون عوناً له لعمارتها، وجعلها جميعها تحت تصرفه، ثم طلب من الإنسان أن يعبده ويشكره ويحمده، على ما أسبغ عليه من نعم ظاهرة وباطنة، قال عز وجل:"وََمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ" الذاريات56، وأن يسخر هذا كله في الوجه الذي أراده الله تعالى منه، محملاً إياه أمانة عبادة الله تعالى وحده، فحملها لظلمه وجهله، ولم يشفق منها، قال عز وجل:"إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً" الأحزاب 72.  


ولكن الإنسان الظلوم الجهول سرعان ما ينسى حمله للأمانة، فيُضيع الأوامر ويُقدِم على فعل النواهي، يُلهيه الأمل ويَغره طُول الأجل، فيحيد ويبتعد، يضيع الأمانة وينسى العهد، ومن رحمة الخالق به، وحلمه عليه، فإنه – عز وجل– يعود لتذكيره بالأمانة التي حملها، وذلك من خلال إرسال الرسل مبينين ومذكرين إياه بالعهد الذي أخذه على نفسه، ليَهلك بعدها من هلك عن بينة، وينجو من ينيب ويعود إلى جادة الصواب.

ثم شاءت حكمة الله عز وجل، أن يختم رسله وأنبيائه برسول خاتم، وهو النبي الأميّ محمد – عليه أفضل الصلاة والسلام– قال عز وجل:" مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً" الأحزاب40، ختمت به الشرائع ووضحت من خلاله الشريعة وأحكمت وبينت وفصلت وحفظت، وأكمل به الدين، ونسخت بشريعته كل الشرائع السابقة.

ودُعي أهل الكتاب والأمم جميعها إلى أتباع هذا الرسول الذي بشر الأنبياء السابقون به، قال عز وجل:" الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" الاعراف157، وقال عليه أفضل الصلاة والسلام:" لا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، فَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ أَوْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلا أَنْ يَتَّبِعَنِي" رواه احمد، ولكن أصحاب الكتب السابقة أنكروا وجحدوا، قال عز وجل:" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " البقرة 91، وما منعهم عن هذا إلا الحسد والكبر والغطرسة والتعالي، قال عز وجل:" بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ" البقرة90، ولم يكتفوا بالإنكار والجحود وإنما عملوا على محاولة إضلال عباد الله الموحدين وتشكيكهم في دينهم، ومحاولتهم رد المؤمنين كفاراً بعد إيمانهم، قال عز وجل:" وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ" البقرة109، "وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" البقرة217، وقال عز وجل في موضع آخر:"وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" آل عمران72–73.

ثم بعد هذا أكد الله سبحانه أن الدين عند الله هو الإسلام، قال تعالى:" إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ" آل عمران19، وأنه لن يقبل من أحد ديناً إلا الإسلام، فمن وصله هذا الأمر وعلمه وأدرك هذه الدعوة ثم أعرض عنها حوسب على هذا، قال عز وجل:" وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" آل عمران85.

وبهذا الفهم نشأت دولة إسلامية بناها رسول الله – صلى الله عليه وسلم– بالعدل والمساواة، وتطبيق الإسلام في كل حالاتها، كما طلب الله منهم:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" البقرة208، وقوله عز وجل:" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً" الأحزاب36، وقوله عز وجل:" اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت54، فكان مجتمعاً متكاملاً في مظهره وجوهره، نقل الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها، وحمله إلى البشرية جمعاء، وكان عليه أفضل الصلاة والسلام قرآناً يمشي على الأرض، هو وهذا الجيل الفريد الذي أنشاه.

حيث فهموا أولاً وعملوا وفق هذا الفهم، وعبدوا الله على دراية وعلم كما أمرهم، ظاهراً هذا في أقوالهم وأفعالهم وتصرفاتهم، مما أدى إلى إشاعة الأمن بين الناس، والعمل على إخراجهم من عبادة الأرباب إلى عبادة رب الأرباب، فرضخت لهم الدنيا وطويت أمامهم المسافات، فتحوا القلوب – بهذا الدين العظيم– قبل أن يفتتحوا البلاد، فكانوا جديرين بأن يكونوا سادة العالم، وكانوا قميينين بأن تضرب فيهم الأمثال أمام القاصي والداني، في رقة أخلاقهم وسماحتها، وصدق تعاملهم، والتزامهم بما شرع الله، واجتنابهم لما نهاهم الله عنه.

بخلاف ما عليه حال كثير منا اليوم من صلاة وصيام وحج وصرف للزكاة، يطبقون جانب العبادة، ويهملون كل الإهمال للجانب العملي والأخلاقي، وقد جاء في الحديث النبوي الذي رواه أبو هريرة –رضي الله عنه– بأن رجلاً قال: يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار، قال: يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها، قال: هي في الجنة" رواه احمد والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد.

إضافة إلى ما يقوم به أعدائنا من العمل الدءوب على نزع العقيدة من قلوبنا، واستبدالها بمفاهيم، بعيدة كل البعد عما طلبه الله ورسوله، سادت بين كثير من مسلمي هذا اليوم، ومنها أن الإسلام يجب أن يكون داخل المساجد وفي البيوت، أما خارجها فلا علاقة للدين بك، ولا علاقة لك بالدين، أي تكون علمانياً صرفاً، لا تعرف الله إلا في المسجد!!.. وأن الإيمان بالقلب ولا داعي للعمل، فما دام أنك تعتقد بقلبك، وقلبك صافي،ونيتك أصفى، فيكيفك هذا، عملت ما عملت، وأسأت ما أساءت، المهم أن قلبك صافي، والصديقة مثل أختك!! فلا تهتم بعدها قال الناس عنك ما قالوا!!

ومن أراد أن يدرك مدى التيه الذي يعيشه بعض من شبابنا وفتياتنا، ليدخل فقط إلى الفيس بوك أو المواقع أو المنتديات، ويشاهد الصور الشخصية التي يتم وضعها بجانب أسماء الأعضاء، فواحد يضع صوراً شبه عارية، وآخر يضع صوراً لفنانين عرب أو أجانب، وآخري تضع صوراً لفنانات شبه عاريات، وقد يكون اسمها واثقة بالله، أو آخر اسمه النصر قريب، في تقليد مقيت، وتتبع لسنن أهل الضلال، وتقليدهم تقليداً اعمى، رافعين شعاراً عريضاً "المهم أن النية صافية".

وعجبت لمن يدعي حباً، أو غراماً أو عشقاً، كيف لا تفضحه جوارحه، ولا تكشفه لوعته، ولا تحدث عنه عيناه، ولا يتغلى على جمر الحنين والشوق للقاء الحبيب، وتراه لو أشار له الحبيب إشارة، لما توانى لحظة واحدة أن يضع نفسه تحت تصرفه، ويجعل من نفسه خادماً له، ولما يريد، فإذا لم يكن هذا فلا هو بعاشق ولا محب بل هو مدعي كاذب؛ فما بالك بمن يدعي أنه يحب الله تعالى ثم لا يمتثل لما يطلبه منه، ولا ينتهي عما نهاه عنه، فليس هذا بمحب لربه، كلا وألف كلاً، وإلا لو كان محباً لربه كما يزعم لالتزم بأوامره واجتنب نواهيه، ووضع نفسه وهواه تبعاً لما يحب الله ولما يحب رسوله.

ولو أن كل واحدٍ فهم هذا وأحس به، لأدرك الخداع والضياع الذي أوصلته إليه الأفكار الفاسدة والهدامة، ولكن أنى لمن لم يدخل الحب قلبه أن يدرك هذا!؟ ثم لو علم بعد كل هذا أن عليه إذا كان يدعي حب الله أن يعود لالتزام ما طلبه الله منه، فيجعل من مظهره مشابهاً لجوهره، وإلا فما قيمة الأفكار التي نحملها إذا لم نطبقها واقعاً، إلا أننا نكذب في هذا، ورحم الله تعالى من جب الغيبة عن نفسه.

وإذا أدركنا هذا ووصلنا إلى هذا الفهم، بأن الجوهر هو الأصل، وبالنية السليمة نبدأ الخطوة الصحيحة، ثم يتلوها العمل، ليكون الجوهر مهماً والمظهر مهم كذلك، وبدون ارتباطهما معاً يكون الشخص الذي يدعي صفاء النية كاذباً، لأنه ادعى حبه لله ولرسوله، ولم يلتزم بالأوامر ويجتنب النواهي، والمحب لمن يحب مطيع.

وقد عرف أهل العلم الإيمان بأنه:" ما وقر في القلب وصدقه اللسان وعملت به الجوارح" وربطه الله عز وجل  بالعمل، مبيناً بأن الإيمان أولاً والعمل ثانياً هما السبب في النجاة يوم القيامة:" رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً" الطلاق11، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: " إنما الأعمال بالنيات، ولكل أمريء ما نوى"، ووضح الشافعي – رحمه الله– أن الإيمان لا يقبل ألا بشروطه الثلاثة:" وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وممن أدركهم يقولون: (( الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزي واحد من ثلاث إلا بالآخر))".

وعن هذه الحقيقة يقول أحد العلماء:" وما كان الناس في كل زمان على هذه العقيدة إلا كانوا محصنين، مدرعين، يصعب على عدوهم اختراقهم، فمن كان حاله حال الجسد الواحد، يخاف على أخيه وإخوته كما يخاف على نفسه صعب على عدوه اختراقه، وتحقق وعد الله في عباده"وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً" النساء141، ولكن ما أن فقدنا لحمة الجسد الواحد وصار كل واحد منا لا يهتم إلا بنفسه، ولا يهتم لأخيه أصابه ما أصابه، يفرح إذا ابتلي أخاه، ويناصر عدوه ويظاهر عليه، شعاراه أنه ما دام الخطر عنه بعيداً، فنفسي نفسي ولا حاجة لي بغيري، المهم أن الخطر بعيد عني، فسلط الله على هذه الأمة ذلاً، لا تزال تعاني منه ما تعاني، تنتهك الأعراض ويهان الرجال ولا حياة لمن تنادي، ولا يزال هذا البلاء بهم والذل إلا أن يرجعوا إلى تلك العقيدة الصافية".

وإذا امتثلنا لما طلبه الله تعالى وحققنا الإيمان فينا بجميع أركانه، كما حققه الجيل الأول، نكون قد وضعنا أنفسنا في الطريق الصحيح، وحققنا قول الله فينا: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" الأحزاب21، ونكون من الذين أثنى الله عليهم، فقال عز وجل: "إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" النور51، لا أن نكون من الذين يزعمون أنهم يؤمنون بالله، ثم إذا دعوا إلى أن ينزلوا تحت حكمه تولوا واعرضوا، وفيهم قال الله عز وجل: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً" النساء60، " وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ" النور48، ولا نكون من الذين قال الله فيهم:" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ" آل عمران23.

وعند هذه النقطة يظهر المؤمن من المنافق، الصادق من المدعي والكاذب، يقول عز وجل:" فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً" النساء65.

ثم لو تذكر أحدنا بأن هذه الدنيا إلى زوال وأننا لن نُخلَّد فيها، ولو كان لأحد الخلد لخلد آباءنا ولما وصلت إلينا، لو تذكر كل واحد منا هذا، وعلم أن بعد هذه الحياة الدنيا الفانية، حياة أخرى، حياة فيها خلود، وفيها جزاء وحساب، نعيم وعذاب، ولو وضعنا نصب أعيننا بأننا لم نخلق عبثاً، وإنما خلقنا لنعبد الله تعالى ووفق ما يريده منا، وما ارتضاه لنا، لا وفق أهوائنا، كي لا يكون حالنا من الذين زين لهم سوء عملهم فرأوه حسناً، قال الله عز وجل:" أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" فاطر8، وقال عز وجل: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُون" الجاثية23، وأن نعبده على علم ودراية وبصيرة، قال الله تعالى:" قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" يوسف108، وأن نوقن أن الهدف الذي خلقنا من أجله الجد لا الهزل، العمل لا الكسل، يقول عز وجل:" لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ" الأنبياء17؛ لشمرنا عن سواعد الجد والاجتهاد، بعد أن علمنا كل هذا، وعدنا بقوة وصدق إلى الله الكبير المتعال، الذي يفرح بعودة عباده إليه، وبابه مفتوح لا يغلق بوجوههم ما لم تبلغ الحلقوم، وما لم تشرق الشمس من المغرب، يقول عز وجل:" مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً" النساء147.
 هي دعوة للتأمل قبل أن يأتي يوم لن يفيد فيه صراخ أو عويل، ولا قول ربي ارجعون، بل وقت حساب يجد فيه كل إنسان ما عمل:" يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ" آل عمران30، والله عز وجل بنفسه يحذرنا ويدعونا إلى العودة إلى ما يرضيه عنا، قبل أن يعض الظالم على يديه ويقول يا ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً، يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً، وهيهات عندها هيهات، فهل نحن منتهون!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق