الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-05-25

تقييم أميركي-إسرائيلي جديد للملف السوري: إطالة الأزمة خطر استراتجي والأسد لا أمل له بالبقاء والحفاظ على جيش النظام ضروري! – بقلم: فادي شامية

المستقبل - الخميس 24 أيار 2012 - العدد 4350 - شؤون لبنانية - صفحة 4
http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=523336

لا يخفى على متابع حجم الإرباك الأميركي في التعامل مع الملف السوري، كما حجم النفوذ الإسرائيلي -في هذا المجال- وتأثيره على عواصم القرار في العالم، بما يخدم المصلحة الإسرائيلية العليا. كلا الموقفين الأميركي والإسرائيلي يريد بالفعل إضعاف نظام الأسد وتوجيه ضربة جراء ذلك لإيران، لكنهما لا يملكان رؤية واضحة حول كيفية التعامل مع الثورة، فاللوبي الإسرائيلي عمل جاهداً لإطالة عمر بشار الأسد في الحكم، تحت عنوان أن "من تعرفه خير ممن لا تعرفه"، سيما أن الأسد لم يهدد جدياً جبهة الجولان، لكن هذه الرغبة بالإبقاء على الأسد لا تعني بالضرورة عدم الرغبة بإضعافه. أما الولايات المتحدة الأمريكية، فلم يكن بمقدورها إلا تأييد الثورة، لكنها لم تكن ترغب بانتصارها السريع فعلياً، رغم كل الكلام الذي قالته الدبلوماسية الأمريكية بحق بشار "الفاقد للشرعية"!.


مع صمود الثورة شهوراً إضافية؛ تطور الموقف الإسرائيلي من التمسك بالأسد، إلى إطالة عمر الصراع وإيجاد حل في ظل بشار، وفي أسوأ الاحتمالات ترك البلد يغرق، بما يؤدي عملياً إلى تركة ثقيلة، تلهي أي نظام بديل عن فتح ملف الجولان سنين طويلة. في هذه المرحلة بالذات جاء كلام وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أمام مجلس النواب الأميركي، نهاية شباط الماضي بقولها: "لدينا قلق- إذا سلّحنا المعارضة- من وقوع الأسلحة في أيدي تنظيم القاعدة. زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري أعلن تأييده للمعارضة السورية. عليك أن تسأل نفسك، إذا سلحّنا، من سنسلح؟"، وخلالها أيضاً –أي في آذار الماضي- طالب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، وبشكل علني، الرئيس باراك أوباما بـ "تخفيف الضغوط على النظام السوري"!.

ووفقاً لهذه السياسة؛ رفضت الولايات المتحدة فكرة الملاذ الآمن الضرورية لانتصار الثورة، وبهّتت نتائج مؤتمرين لـ "أصدقاء الشعب السوري"، كما امتنعت عن تسليح كتائب "الجيش الحر"، لخوفها من وجود عناصر إسلامية بينها، بل أكثر من ذلك؛ فقد عملت الولايات المتحدة على توريد المعلومات الاستخبارية عن أية شحنة سلاح نوعي متوجهة إلى "الجيش الحر" (على سبيل المثال لا الحصر: توقيف الباخرة لطف الله-2 التي تحمل أسلحة إلى ثوار سوريا، في ميناء طرابلس بتاريخ 27/4/2012، بناءً لمعلومات مباشرة من أجهزة مخابرات غربية كبرى رافقت السفينة منذ تحميلها بالأسلحة في ليبيا، وصولاً إلى لبنان).   

بعد دخول المراقبين الدوليين إلى سوريا، وتزايد التفجيرات المنسوبة لـ "القاعدة"، تطور الموقف الإسرائيلي، -ومعه الأميركي- أكثر. في جديد هذا التطور –على ما يقول دبلوماسيون متابعون- "اكتشاف" تزايد نسبة الأسلمة في الثورة، ليس على صعيد "الأخوان المسلمين" الذين استعادوا عافيتهم فحسب، وإنما أيضاً على صعيد التيارات السلفية، والسلفية الجهادية، التي تتخذ من ممارسات شبيحة بشار الأسد أرضية لانتشارها، والأخطر هو تأكد الأجهزة الاستخبارية من تواجد وتوافد العناصر القاعدية لـ "الجهاد في أرض الشام".

هذا المعطى مضافاً إليه انعدام الأمل ببقاء بشار الأسد في الحكم، والخوف من سقوط مفاجىء للنظام، والخشية من وصول الأسلحة الكيماوية الضخمة التي يمتلكها النظام السوري إلى أيدي "حزب الله" أو "القاعدة"، يدفع راهناً باتجاه انتهاج سياسة جديدة كان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك سباقاً في شرحها بقوله (16/5/2012): "بشار الأسد انتهى أمره. على الأسرة الدولية تصعيد الضغط على نظامه. للولايات المتحدة وروسيا وتركيا دور حاسم في ذلك. بشار الأسد وكبار المسؤولين المحيطين به وحدهم يجب أن يرحلوا وليس هيكليات النظام الأخرى بما في ذلك الجيش. ومن الأفضل اعتماد الطريقة اليمنية؛ أي ترك الأسد وفريقه يغادرون البلاد من دون تفكيك الحزب والاستخبارات والقوات المسلحة"!. وأتى موقف باراك هذا؛ بعد أن أبدت أوساط إسرائيلية عديدة خشيتها من وصول مجموعات "القاعدة" إلى هضبة الجولان السورية المحتلة في حال سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد فجأة، فضلاً عن أن الجنرال يائير غولان رئيس القيادة العسكرية الاسرائيلية الشمالية أبدى خشيته أكثر من مرة من وصول مخزونات سوريا من الأسلحة الكيميائية الى أيدي "حزب الله".

ووفق هذه السياسة المعدّلة؛ لم تعد الولايات المتحدة ولا "إسرائيل" مهتمة ببقاء الأسد، باعتبار أن ذلك لم يعد ممكناً عملياً، كما لم تعد تعمل لإطالة عمر الأزمة، لأن إطالتها أظهر مزيداً من "الأدلجة" الإسلامية، التي تتنوع ما بين تطور طروح "الأخوان" وتطرف أفكار "القاعدة"، ولهذا السبب بدأت مرحلة جديدة تقوم على أساس مزيد من الضغط السياسي، سيكون مجلس الأمن ساحة هامة له، بعد الإعلان عن فشل خطة أنان، إضافة إلى ضغط عسكري، لكن مضبوط ومتابع، وبما لا يؤدي إلى وصول السلاح إلى أيدي "المتطرفين".

تنفيذاً لذلك، خففت الإدارة الأمريكية -للمرة الأولى- من ضغوطها على المملكة العربية السعودية وقطر، جراء موقفهما الداعي إلى تسليح الجيش الحر، وقد أشارت الواشنطن بوست قبل أيام "نقلاً عن مسؤولين أميركيين وخليجيين ومن المعارضة السورية، أن الثوار السوريين بدأوا بتلقّي مساعدات عسكرية ومالية جدّية، بتمويل من السعودية وقطر ودول خليجية أخرى وبتنسيق مع الولايات المتحدة"، وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الأسلحة استعملت في مواجهات مدينة الرستن الأخيرة، وأحدثت فرقاً. وفي إشارة إلى الإبقاء على قرار عدم التسليح، لكن مع غض الطرف عن التسلح، أطلقت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية فكتوريا نولاند المعادلة الآتية: "قرارنا هو دعم المعارضة المدنية بطرق غير فتاكة... وهناك دول اتخذت قرارات أخرى (في إشارة إلى التسليح)، وهذه قراراتها السيادية التي يعود لها اتخاذها" (17/5/2012).وكان سبق هذا الموقف كلام عن تعديل في المقاربة الأمريكية للملف السوري عبّر عنه المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني بقوله: "كلما تمسك الأسد بالبقاء في السلطة وقتاً أطول زاد عدم الاستقرار بشكل أكبر في بلده وفي المنطقة، ولذلك نعمل مع الحلفاء والشركاء لإجبار الأسد على التنحي في أسرع وقت ممكن" (15/5/2012).

يقول جون ماكين، المرشح السابق للبيت الأبيض، لصحيفة "لو فيغارو" (17/5/2012): "أمريكا ترفض المساعدة، وبعض دول الخليج وعلى رأسها السعودية سيقومون بتزويد الثوار بالأسلحة... لكن الحاجة إلى القيادة الأمريكية لا تزال كبيرة. يمكننا إقامة منطقة ملاذ للمقاومين وتزويدهم بالأسلحة، لكن أمريكا ترفض ذلك، ما يعتبر حلقة مخزية في تاريخنا".

ووفق دبلوماسيين عرب وغربيين؛ فإن المتوقع من الآن فصاعداً، تسارع الضغط الأمريكي على نظام الأسد، مدعوماً بتصعيد أوروبي وعربي وتركي، وذلك فور انهيار خطة أنان، بما يؤدي إلى تنفيذ الرؤية الأمريكية- الإسرائيلية الجديدة، التي لم تعد ترى مصلحة في مراوحة الأزمة على هذا الشكل، مع حرصها على الحفاظ على هيكلية الجيش والمخابرات، علماً أن تسريعاً لـ "الحل" بهذا الاتجاه، يعني حتماً فتح باب الحوار والمقايضة مع روسيا.

السؤال الذي يطرح نفسه؛ هل ستنتجح هذه الرؤية الأمريكية- الإسرائيلية المعدلة، أم سيكتشف صانعو القرار صعوبات في تحقيقها، كما اكتشفوا من قبل أن الأسد لا يمكن بقاؤه؟ لقد ثبت على وجه القطع أن أي رؤية أو معادلة سياسية حول مستقبل الثورة لا يمكن لها الحياة، ما لم تأخذ تطلعات الشارع السوري، عاملاً أول في أي تخطيط مستقبلي.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق