بعد فشل الأسد في إقناع العالم
بضرورة استمراره في الحكم على رأس النظام في سورية، وتصاعد الثورة بشكل يقترب من انفلات
زمام الأمور من يد الأسد و عصابته، لجأ الأسد إلى تنفيذ الفقرة الأخيرة من الوثيقة
الأمنية التي وضعتها اللجنة الأمنية في بداية الثورة في شهر أبريل 2011م ، وهي "تخيير
الشعب السوري بين الأمان مع النظام أو الخراب مع الحرية ، وبنفس الوقت "تخيير
العالم ما بين نظام الأسد وارهاب القاعدة".
مستغلة خطاب رئيس تنظيم القاعدة في أغسطس الماضي
لثوار الشام ، الذي اعتبرته عصابات الأسد بمثابة المقدمة لهذه الخطوة وكانت تنتظره
منذ بداية انطلاق التظاهرات.
وفعلا تم البناء على هذا الخطاب
للمباشرة بهذه المرحلة ، و بدأ التطبيق
العملي مع بداية تنفيذ خطة عنان ، و كان الهدف الرئيس من وراء هذا التوقيت اقناع
العالم من خلال مشاهدات المراقبين الدوليين لتفجيرات مشابهة لتفجيرات القاعدة ،
بأن سورية ماضية نحو الارهاب في حال استمر المجتمع الدولي في دعم مطالب الشعب
الثائر .
لكن الحقيقة والتي يعلمها الاسد
قبل العالم أن لا وجود للفكر القاعدي في سورية ، وهذا يثبته الأسد بنفسه منذ أمد
بعيد حين صرح في مقابلة مع أسوشيتد برس نشرت يوم الأحد 25 أيار/ مايو 2003 بأنه يشكك في
وجود “القاعدة”، المجموعة الإرهابية المسؤولة عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والضربات
الأخيرة التي نفذتها في كل من المملكة العربية السعودية والمغرب.
و يقول بأن: وجود القاعدة أمر ”غير
منطقي
“ ويتساءل
”هل هناك فعلاً كيان يسمى القاعدة؟“
”هل كان في أفغانستان؟“
”هل القاعدة موجودة الآن؟“
و قال أيضا بأن أسامة بن لادن، الإسلامي
المتطرف المولود في السعودية، والذي يقوم بقيادة القاعدة ”لا يستطيع التحدث على الهاتف
أو استخدام الإنترنت، ولكنه يستطيع إدارة الاتصالات في جهات العالم الأربع، إن هذا
الأمر غير منطقي“..
إذن هو يعلم أن وجود التنظيم في
العالم غير منطقي ، وأن فكره موجود نتيجة الظلم الممارس من قبل الدول التي تضطهد
الشعوب فقط.
وبالتالي استطاع الأسد استغلال هذا الفكر في
انشاء تنظيم داخل أجهزته الأمنية وخاصة فرع المخابرات الجوية ، للعمل على تسويق
الجانب المكمل لهذا الفكر في العالم ، لاستغلاله في تحقيق مكاسب سياسية من خلال
اللعب بنفس الأداة التي يرغب الغرب تسويقها ، و ظهر هذا الاستغلال في تفجيرات
لبنان بداية و من ثم اغتيال الشهيد رفيق الحريري وما تبعه من اغتيالات .
ومن ثم تطور العمل التنظيمي
الارهابي في سورية عندما بدأت سورية بتنظيم الكوادر وارسالها الى العراق ولبنان
مستغلا بعض البنى الهشة للتنظيمات الفلسطينية – ( كفتح الاسلام).
وطبعا كان هذا التنظيم أداة جيدة
للتعامل مع القوى الأساسية اللاعبة في المنطقة وخاصة أمريكا، وهذا ما تثبته أحد
وثائق ويكيليكس في 11 ديسمبر 2010م ، والتي كانت عصابات الأسد تستجدي التعاون
الاستخباري مع الأمريكان بغية فك الحصار السياسي والاقتصادي العالمي على سورية بعد
جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري حيث ورد فيها أن : ” على البلدين مواصلة العمل للتعاون
على التهديدات الماثلة أمام كل من الولايات المتحدة وسوريا وبينها انتشار الجماعات
التكفيرية في المنطقة مثل تنظيم القاعدة ووقف تسلل المقاتلين الأجانب إلى العراق.
وقال مدير إدارة الاستخبارات السورية
إن بلاده كانت أنجح من الولايات المتحدة والدول الأخرى في المنطقة في مجال مكافحة التنظيمات
الإرهابية "لأننا كنا عمليين لا نظريين". في اختراق الجماعات .
وأرجع نجاح سوريا في ذلك لقدرتها على
التغلغل داخل تلك الجماعات، وقال "من حيث المبدأ نحن لم نهاجمهم أو نقم بقتلهم
على الفور, نحن نقوم باختراقهم ونقوم بالتحرك في الوقت المناسب".
ووصف المملوك عملية اختراق الجماعات
"الإرهابية" وزرع عملاء داخلها بأنها معقدة،
واعترف مدير المخابرات السورية – حسب
البرقية الأميركية - بأن عددا من "الإرهابيين" يواصلون التسلل إلى العراق
من سوريا؛ وأن بلاده تواصل التصدي لذلك بكل الوسائل؛ "لكن إذا تعاونا سويا سنحقق
نتائج أفضل وسندافع عن مصالحنا المشتركة بشكل أفضل".
وقال إن تجربة التعاون السابقة بين
بلاده والاستخبارات الأميركية لم تكن تبعث على السرور، وأعرب عن أمله بأن يتم بناء
التعاون في المستقبل على "أسس متساوية" بمعنى أن يتاح لسوريا تصدر مساعي
مكافحة الإرهاب". وهذا ما كانت تهدف إليه سورية من وراء ايجاد هذا التنظيم
الارهابي.
فمن خلال تلك الوثيقة نلاحظ أن
عصابات الأسد كانت دائما تمتلك زمام المبادرة في اي عمل ارهابي في المنطقة .
لكنها فشلت في تسويق الفكر القاعدي
داخل سورية، و تحاول جاهدة استغلال التنظيم الذي أوجدته في تطبيق خطتها ، وهي تستطيع
تطبيق الشق المتعلق بالتنظيم ، لكنها لا تستطيع تسويق الجانب المتعلق بالفكر
القاعدي ، لذلك تجد عملياتها لا يوجد من يتبناها ، وان ظهر من يتبناها فهو لا ينتمي
إلى الفكر القاعدي.
أيضا الاخراج الاعلامي للعمليات
الارهابية كان فاشلا بمعنى الكلمة ، فالكل رأى الجثث المربوطة والموثوقة في مكان انفجار
دمشق، والكل شاهد إحدى الجثث وهي باللباس الداخلي؛ وكيف كان يتم إلقاء جثث الشهداء
التي اختطفها الأمن من ساحات التظاهر في مواقع التفجير ، والكل رأى جثة سائق السيارة
المفخخة في حلب و كيف أنها لم تنفجر بحزام ناسف كما ادعى النظام ....الخ.
فالنظام فشل اعلاميا في تسويق فكرة
وجود القاعدة في سورية، لكن الجميع يعلم أن فكر القاعدة موجود في العالم ، لكنه
بدون تنظيم، وإنما هو عبارة عن مجموعات جهادية في الدول التي تعاني من الاضطهاد و
الاستبداد و غياب مقومات الدولة ، وأن بعض
الحكومات الاستبدادية تحاول استغلال الفكر القاعدي في ايجاد تنظيمات ارهابية تحقق
لها مصالحها .
أما في سورية فهناك تنظيم ارهابي
لكنه بدون فكر قاعدي لأنه موجود أساسا ضمن تكوين أجهزة الأمن الأسدية .
وبالتالي إن كان العالم صادقا في
التخلص من التنظيمات الارهابية عليه أولا التخلص من النظام الاستبدادي المؤسس له والذي
يعيث فسادا في البلاد والعباد.
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق