عبارة قرأتها :
(الخير يذهب هو وفاعله , والشر
يبقى)
على كل حال ليس من السهل فهم
العبارة تلك , وعلى الأخص عندما نقارن ذلك القول بمعتقدنا الايماني النابع من
ديننا الحنيف , والذي ينادي دائماً ويحض على فعله في كل وقت ألا وهو فعل الخير ...
فالخير دائماً عندنا مقترن بالرحمن ..والشر مقترن بالشيطان.
فكيف تتلاءم هذه العبارة مع
ثقافتنا واعتقادنا ؟
قد تقترب العبارة من معنى المثل
القائل (اعمل الخير وارمه وراء ظهرك ..أو في البحر )
فإن كان عمل الخير من أجل الخير
ولا تبتغي من وراء فعله إلا مرضاة لله أو مرضاة لضميرك أو إنسانيتك , فحتما أن هذا
الفعل لن يزول مردوده الطيب , وسيكون متوارثاً بين البشر وكما هو واقع الحال في
حالات لم تغب عن الأفعال البشرية مطلقاً.
وعلى الجهة المقابلة أو المعاكسة ,
فإن فعل الخير في ظاهره يراد منه الأجر المقابل لفاعله , وهنا يكون مقدمة للعبودية.
ويمكن توضيح ذلك ونراه على الدوام
معنا ومع غيرنا واقع نعيشه ,ولا نجد فيه أية غرابة .
فلو فرضنا أنك تبحث عن عمل يناسب
مؤهلاتك , وحظيت بالوظيفة في إحدى الدوائر أو إحدى الشركات , فوراً سوف يلاحقك
شعور في داخلك , أن رب العمل قد قدم لك خيراً كثيراً , وفي مقابل هذا الخير ستنظر
إليه دائماً صاحب اليد العليا وهو خير منك , فهو ولي نعمتك .
بينما الحقيقة عكس ذلك , فالمصلحة
هنا متبادلة بين الطرفين , فهو لو لم يكن بحاجة إليك , لكان من المستحيل أن تجد
مكاناً عنده , وأنت لو لم تكن أهلاً لهذا العمل وأنت بحاجة إليه , ماكنت لتبحث عن
مكان كهذا .
ولكن عندما تنظر لنفسك أنك قد أصبحت
مديوناً لصاحب المكان , وهو بالتالي ينظر لنفسه أنه قد قدم خيراً لك وفي مقابل ذلك
يعتبرك أدنى منه , وهنا يمكننا القول أن الخير هنا لاوجود له.
لنعرج على وضع آخر نراه منتشراً في
مجتمعاتنا وهو على سبيل المثال : لنفترض أنك قدمت معروفاً لشخص ما وهذا المعروف
ناتج من أخلاقك الحميدة ولا تطلب مقابلاً من فعله سوى أنك فاعل خير وحسب معتقدك ,
ومر بك وقت واحتجت أن تطلب معروفاً من هذا الشخص , فأول شيء يخطر في داخلك قبل أن
تطلب منه المعروف حتماً ....لن يرد طلبي لأنني قدمت له خيراً من تلقاء نفسي .وإن
امتنع عن تقديم ماتريد, فحتماً سوف يكون لسانك عليه سليطاً , ويصبح الخير هنا شراً.
وهكذا صار عندنا الخير في ظاهره
شراً , بحيث أصبح كل قادر على تقديم المعروف سيداً لآخذيه , فرب الأسرة سيداً
مطلقاً والأفراد عبيداً له , ورئيس البلدية حاكماً مطلقاً وسيداً على الجميع
والباقي عنده عبيد , والمحافظ سيداً حتى تصل الأمور للحاكم فيكون هو سيد الجميع
والناس كلها عبيداً عنده والوطن ملكه , وكل مرسوم أو زيادة في راتب أو دعماً لسلعة
وطنية فهو كرم من عنده ومن سخاء نفسه وسعة كرمه , وكل من يعترض على ذلك فقد اعترض
على ولي نعمته , بينما هذا الولي ينعم من خيرك قبل أن تنعم من خيره ومعروفه.
وهنا يصبح الخير شراً , مضافاً
إليه أنواع الشرور كلها , بينما فاعل الخير الحقيقي ينتهي خيره بموته.
فليس من العيب أن تشكر صاحب
المعروف , أو أن ترد له معروفه إن استطعت , ولكن تكون المأساة الحقيقية أن تعيش
عبداً لهذا المعروف طوال حياتك , لأنه في هذه الحالة قد ألغيت وجودك في سبيل أمر
ظاهره الخير ,ولكن فاعله قدمه لك كشرك لشراء حريتك وإنسانيتك.
د.عبدالغني حمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق