سوف نخرج ياصديقي من التنظير إلى التشخيص , ومنها ننطلق لحل المشاكل المعروفة , ولكن بعد تحديد أسباب وجودها , وفي هذه الحالة عند معرفة الداء يمكن البحث عن العلاج بعدها وإيجاده .
عندنا معادلة ذات طرفين وحتماً
تفاعل العناصر من اليمين في المعادلة ستؤدي إلى تفاعلات ثابتة ’ ةلن تتغير هذه
النتائج إلا بالتأثير البيئي عليها .
الاستبداد +الظلم + الفساد ← الفقر +الجهل + الكذب
نحن الان نعيش مع حراك اجتماعي جديد في منطقتنا العربية
, وهو بالفعل الربيع العربي كما يطلق عليه , ولو تتبعنا تاريخياً سنجد أن السبب
الرئيسي في انحطاط وتخلف الأمة , هو أنظمة الحكم بحد ذاتها , فكل أنظمة الحكم
عندنا تعتمد على السلطة الفردية المطلقة , هذه السلطة الفردية جعلت من الصراع على
السلطة مستمراً طوال الوقت , فالحاكم يخاف على وجوده لذلك يلجأ دائماً لتفريغ
البلاد من الأصوات الحرة والمفكرة , ومن العلماء والحريصين على مصلحة الوطن ,
والتخويف المتزامن من عدو خارجي قد يكون حقيقي أو هو يخترعه , وفي نفس الوقت ينزع
الثقة المتبادلة بين الناس , وتركيز الثروة بيده وبيد المقربين والداعمين له ,
ويعم الفساد , ويترعرع مع نموه الفقر لدى غالبية أفراد المجتمع ويسيطر الجهل
والتخلف , لتصبح نتائج المعادلة هي كما موضح أعلاه , فالكل يكذب والكل يراوغ ,
والخيانة تتجذر في نفوس الغالبية , خيانة المجتمع أو خيانة الأسرة والأفراد أو
خيانة , الدولة بحد ذاتها , لتصبح الذاتية هي المسيطر الوحيد على المجتمع ككل ,
فتجد الأب يخون أبناءه والأخ يخون أخاه ويتنكر له , والزوجة ليس عندها مانع او
الزوج أن يضحي بشريكه لقاء مصلحة ذاتية .
ويصبح المال العام ووالقطاع العام عرضة للتدمير المبرمج
وتحطيم أسس وكيان الدولة , والزعيم الأوحد غارق في عسل الشهرة والفساد والنزوات
والفواحش .
مثال بسيط : في عام 1993 كنت في العراق واشتد الحصار
المفروض على الشعب العراقي , وكانت توجد حصة تموينية توزعها الدولة للشعب (نصف
كيلو سكر ...كيلو ونصف من الرز , وثلاث كيلاوات من الطحين لكل فرد ) , ولكن نفدت
هذه المواد من المخازن , وخرج الزعيم وقتها على التلفاز ليقول : لن تستطيع الدولة
بعد الآن الايفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين في تأمين الحصة التموينية المقررة ..
بينما كان الزعيم يمتلك عشرات القصور في العراق , وكان
مفروضاً على كل قصر تحضير ثلاث وجبات طعام رئيسية , من أرقى وأشهى المأكولات
والمقبلات والحلويات , وعليهم أن ينتظروا لعله يمر الزعيم على القصر هو ومرافقيه ,
وهو حتماً لن يمر على كل قصوره , فيكون مصير هذه الأطعمة سيارات الزبالة , ويمنع
منعاً باتاً توزيع أي منها على الفقراء , والتي تكفي لعشرات الآلاف من المواطنين
يومياً . وكانت حسرة الناس الحصول على وجبة بيض شهية , ولكن كان البيض يلقى للسمك
في البحيرات الخاصة بابن الزعيم .
إن كل الأحزاب الموجودة على الساحة السورية , ديكتاتورية
شمولية إقصائية تلغي الآخر وتعتبر مشروعها هو الوحيد الصالح لبناء الأمة , كحكم
العسكر من قبل , ومن المستحيل أن تجد الخلاف بين هذه الأحزاب على تقديم الأفضل
للأمة , وإنما فقط الصراع على الحكم والايستيلاء على كل شيء , وعند الجميع أن
الشعب عندنا لايحكم إلا بالاستبداد , ولا يمكن ان يعطى الفرصة لانتخاب من يحكمه
على مشروعه وبرنامجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يتبناه , وأن مجتمعاتنا
لايمكن أن تع الديمقراطية السياسية على الأقل .
لذلك ياصديقي المدير علينا أن نبدأ أولا بتطويع الابن
وأن لايكون عاقاً في المستقبل ونستطيع محاسبته متى شئنا , والذي يمثل الابن هو الحاكم
والشعب هو الوالد .
يتبع .....
د.عبدالغني حمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق