من خاف الله، خافه كلُّ مخلوق، ومن خاف غير الله، خاف من كلِّ مخلوق، ويقول
القاضي عياض رحمه الله: من خاف الله لم يضرَّه أحد، ومن خاف غير الله لم ينفعه
أحد.
إنَّ مشكلة حكَّام المسلمين مع شعوبهم، تتمثَّل في عدم خوف هؤلاء الحكَّام
من الله، ولو خافوا الله في شعوبهم، لصلحت حالهم وحال شعوبهم، ولكنَّهم خافوا دول
الكفر المساندة لكراسيهم وعروشهم، وهان الله عليهم، وقلَّ قدره في قلوبهم، فقست
قلوبهم، وزيَّن لهم الشَّيطان سوء أعمالهم، فظلموا شعوبهم بكلِّ أنواع وأشكال
الظُّلم، بل تفنَّن بعضهم في الظُّلم والقهر، حكموا شعوبهم بالحديد والنَّار، ومن
أثبت شدَّته وقوَّته وظلمه لشعبه، كان المقرَّب والمحبَّب عند أسياده، فتقول له
دول الكفر قاطبة قولة الشَّيطان: أنت.. أنت..
لقد شاع عند الكثير من حكَّام العرب والمسلمين أنَّه لا ينفع مع الشُّعوب
العربيَّة والإسلاميَّة إلا القسوة والشدَّة، ولكي تحكم الشَّعب لا بدَّ أن تكون
قوِّياً قاسي القلب صلباً، نظراتك تهديد، وكلامك وعيد، وفعلك قتْلٌ وتنكيلٌ وتشريد.
إنَّه فهم سطحيٌّ ساذج، انتهى أمام مرأى الجميع إلى مزابل التَّاريخ، انتهى
بالقذَّافي إلى مجاري الصَّرف الصِّحي، وانتهى بمبارك إلى غياهب السُّجون، وانتهى
بابن علي طريداً غريباً منبوذاً، وانتهى بعلي صالح حريقاً مشوَّهاً، وقريباً
فشَّار الجزَّار سينتهي أمره مقتولاً في دورة المياه.
إذا قسا قلب الإنسان، صار أقسى من الحجر الصَّوَّان، لأنَّه تُنزع منه الرَّحمة،
وقابليَّة الهداية للذكرى والموعظة، فيصير لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، فهو أشدُّ
صلابة وقسوة من الحجارة الصَّمَّاء، قال الله تعالى في ذمِّ بني إسرائيل: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ
أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ
وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا
يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾البقرة: 74.
قال القرطبي رحمه الله في تأويلها: (القسوة: الصَّلابة والشِّدة واليبس، وهي
عبارة عن خلوِّها من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى).
إنَّ جبل الطُّور الأشمَّ الأصمَّ القاسي خشع واندك من خشية الله والخوف
منه، وإنَّ الجبال الرَّاسيات الشَّامخات القاسيات اليابسات لتهبط فرقاً وخوفاً من
ربِّها، فما بال قلب طاغوت الشَّام سادراً لاهياً، وكأنَّ ما يحدث لا يعنيه ولا
يهمُّه، حتَّى يروي بعض المقرَّبين منه أنَّه يمارس حياته اليوميَّة العاديَّة،
حتَّى تمارين الرِّياضة الصَّباحيَّة يؤدِّيها مع عقيلته، قبل تناول طعام الإفطار،
وقبل أيَّام احتفل بعيد ميلاد أحد أبنائه، أيُّ قلب هذا؟!. وأيُّ إنسان ذا؟!.
والله إنَّ الواحد منَّا لو مرَّت قطَّة فجأة أمام سيارته واضطر لدهسها،
بقي أسبوعاً كاملاً وقلبه يعتصر من فعلته، وإنَّه ليستغفر الله ويتوب إليه ويطلب عفوه
من عملته، فكيف بهذا الأحمق الذي لا يمضي يوم في بلاد الشَّام إلا وعشرة شهداء على
الأقلِّ يمضون إلى ربِّهم بسبب حمقه وتفاهته وقلَّة عقله، وحقده وكرهه، وحبِّه للسُّلطة
والجاه والمنصب، إنَّها قسوة القلب..
عن عائشة رضي الله
عنها، قالت: سمعت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، في بيتي هذا يقول: (اللهمَّ من
ولي من أمر أمَّتي شيئاً، فرفق بهم، فارفق به، ومن ولي من أمر أمَّتي شيئاً، فشقَّ
عليهم، فاشقُق عليه)
هذا دعاء من النَّبيِّ
صلَّى الله عليه وسلَّم على من تولَّى أمور المسلمين الخاصَّة والعامَّة؛ حتَّى الإنسان
يتولَّى أمر بيته، وحتَّى مدير المدرسة يتولَّى أمر المدرسة، وحتَّى المدرس يتولَّى
أمر الفصل، وحتَّى الإمام يتولَّى أمر المسجد، ولهذا قال: (من ولي من أمر أمَّتي شيئاً).
و(شيئاً) نكرة في سياق الشَّرط، وقد ذكر علماء
الأصول أنَّ النَّكرة في سياق الشَّرط تفيد العموم.
قد يظنُّ بعض النَّاس
أنَّ معنى الرِّفق أن تعطي النَّاس ما يشتهون ويريدون، بل الرِّفق أن تسير بالنَّاس
حسب أمر الله ورسوله، وتسلك أقرب الطُّرق، وأرفق الطُّرق بالنَّاس، ولا تشق عليهم في
شيء ليس عليه أمر الله ورسوله، فإن شققت عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله؛ فإنَّك
تدخل في الطَّرف الثَّاني من الحديث؛ وهو الدُّعاء عليك بالمشقَّة والتَّعب.
يشقُّ عليه إمَّا
بآفات في بدنه، أو في قلبه، أو في صدره، أو في أهله، أو في غير ذلك؛ لأن الحديث مطلق:
(فاشقق عليه) بأيِّ شيء يكون، وربَّما لا تظهر للنَّاس المشقَّة، وقد يكون في قلبه
نار تلظَّى والنَّاس لا يعلمون، لكن نحن نعلم أنَّه إذا شقَّ على الأمَّة بما لم ينزل
به الله سلطاناً؛ فإنَّه مستحقٌّ لهذه الدَّعوة من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
إنَّ الأسد
الأب قد شقَّ الله عليه بمرض الجسد، وبفقد أغلى ولد، وبالدُّعاء عليه باللَّعنة من
عامَّة أهل البلد، والأسد الابن سيأتيه مقت الله وغضبه عمَّا قريب، فالله يملي
للظَّالم حتَّى إذا أخذه لم يفلته، والله يمهل ولا يهمل، وأهل الشَّام أهل
الرِّباط والثُّغور والجهاد، وتسلُّطه عليهم قتلاً وضرباً وسحلاً واعتقالاً وتشريداً،
لن يذهب عند ربِّنا هباءً منثوراً، وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين.
فرعون قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾النازعات: 24. نازع الله في
ربوبيَّته، فانتقم الله منه انتقاماً بقي إلى قيام السَّاعة، فقال الله تعالى: ﴿فَأَخَذَهُ
اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى﴾النازعات: 25. وترك جثَّته عبرة لكلِّ معتبر، فقال الله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ [يونس: 92].
وإنَّ فشار الجزَّار قد نازع الله في ربوبيَّته، فأمر جنوده بإكراه النَّاس
على السُّجود لصوره، وعلى قول: لا إله إلا بشار، وقد اعتدى على بيوت الله، وعلى
قتل المصلين وهم راكعون وساجدون في المساجد. فصار انتقام الله منه قاب قوسين أو
أدنى، وإنِّي أرى نهايته وخيمة، وستكون عظة وعبرة. فأسأل الله أن يحنه عاجلاً غير
آجل..
كلُّ من في الأرض يدعو عليه بالهلاك والدَّمار والثُّبور، ولا تعدم أمَّة
المليار مسلم من رجل لو أقسم على الله لأبره، وتأخر النَّصر لحكمة لا يعلمها إلا
الله، وقد يكون تأخُّر النَّصر لتمحيص صفِّ أهل الشَّام وغربلته وتنقيته، ليهيئهم
لأمر عظيم وجسيم، ألا وهو قيام الخلافة على منهاج النُّبوَّة.
وإرجاع الخلافة من جديد للأمَّة بعد غياب طويل، وبُعْد من المسلمين عن
دينهم وعقيدتهم، وتكالب قوى الكفر جميعاً على أهل السُّنَّة والجماعة، من أمريكان
وصهيون ومجوس وملحدون، تحتاج إلى رجال أفذاذ أقوياء يحملون الرَّاية، ويعيدون
للأمَّة مجدها وعزَّها، ولذلك لا بدَّ لهؤلاء الرِّجال من تمحيص وإعداد وتربية
لهذه المهمَّة العظيمة.
إنَّ أبناء المتعة، وأحفاد عبد الله بن سبأ، وأذناب ابن العلقمي، هم وراء
هدم الخلافة العثمانيَّة، آخر خلافة كانت تظلِّل أهل الإسلام بظلالها، وهاهم عندما
شعروا بأسود أهل السُّنَّة في الشَّام، يريدين عودة الخلافة من جديد، أتوا من كلِّ
حدب وصوب، وجيَّشوا وحشدوا على أهل السُّنَّة جميع أصدقائهم من اليهود والأمريكان
والغرب، حتَّى يُجهزوا على ثورة أهلنا في الشَّام، ولكن هيهات.. هيهات أن ينالوا
ذلك، فأهل الشَّام باتِّفاق علماء الأمَّة: هم الفرقة النَّاجية والطَّائفة المنصورة،
ولم يرد خلاف بين أهل الحديث، ودعاة الأثر، وأتباع السَّلف الصَّالح في ذلك. إنَّ
ارتباط بلاد الشَّام بالفرقة النَّاجية، والطَّائفة المنصورة: ارتباط منهج وعقيدة. ولا
يفرَّق بين مكَّة والمدينة وبلاد الشَّام؛ فقد ربط الله سبحانه وتعالى بين مكَّة وبلاد
الشَّام في سورة الإسراء: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ
آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الإسراء:1]. فكما كانت البداية في مكَّة،
وانطلق نور الإسلام من بطحائها، ستكون النِّهاية نصراً مؤزَّراً للإسلام في بلاد الشَّام.
أرض الشَّام
أرض الخلافة على منهاج النُّبوة، وهي أرض الأنبياء، وهي أرض المحشر والمنشر، وهي
ملاذ المؤمنين، والملائكة باسطة أجنحتها عليها، والله يجتبي إليها خيرته من خلقه،
والله عزَّ وجلَّ تكفَّل بالشَّام وأهله، والطَّائفة المنصورة المؤيَّدة من الله
في الشَّام، وصلاح أهل الشَّام علامة على بقاء الخير في الأمَّة، وفسادهم علامة على
انتفائه عنها، والإيمان حين تقع الفتن بالشَّام.
فهل يعي
المسلمون حقيقة الشَّام وأهله، فيقفون حكَّاماً ومحكومين وقفة رجل واحد، قلباً
وقالباً، ظاهراً وباطناً، لمساندتهم ومؤازرتهم ومساعدتهم في الوقوف في وجه قوى
الكفر والزَّندقة، والمكر والدَّهاء والمراوغة والكذب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق