الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-05-27

سـوريا بـعد الأســد (6) - بقلم: د. خالد أحمد الشنتوت


يتخوف بعض السوريين، وبعض العرب، من تغيير النظام الأسدي الذي أهلك الحرث والنسل، في سوريا ولبنان، وساهم في هلاك العراق، ولن يتورع عن إلحاق الأذى بأي دولة عربية .... يتخوفون من تغييره ... ويتخوفون من البديل الذي سيحل مكانه، ويتصورون الفوضى التي حلت بالعراق، لذلك يخافون من تغيير النظام الأسدي ...

لذلك ومن متابعة مسيرة المعارضة السورية الداخلية والخارجية، تجمعت لدي معالم واضحة، وأهداف مؤكدة، اتفقت عليها فصائل المعارضة السورية، داخل سوريا وخارجها، ترسم هذه المعالم والأهداف صورة لسوريا المستقبل، سوريا ما بعد الأسـد، سوف أعرضها في هذه الحلقات بإذن الله عز وجل .


الأحـزاب في ســوريا المسـتقبل :
في الخمسينات كنت في المرحلة الابتدائية ، أعيش بين البادية والقرية ، ولم تكن أية وسائل إعلام يومذاك ، لذلك كنت أسمع الكبار يتحدثون عن حزب البعث العربي الاشتراكي ، وكان له حضور كبير في ريف حماة ، كما سمعت مرة من مدرسـنا الأستاذ أكرم حداد ( 1957) عن الإخوان المسلمين ، وسمعت أن لهم مركزاً في حماة ، وكنت يومها في الصف الخامس الابتدائي ... وكان الصراع في الريف بين الاشتراكيين يقودهم أكرم الحوراني ، والإقطاعيين يقودهم الأغوات وبعض السياسيين القدماء ...

ثم جاءت الوحدة وحلت الأحزاب ... ومالبث أن جاء عهد الانفصال لتعود الحياة السياسية في سوريا إلى التعددية ، وكنت في الصف الأول ثانوي ، ورأيت صحيفة اللواء الصادرة عن الإخوان المسلمين ، ورأيت أنشطة الإخوان تملأ المساجد ، وخاصة في العطلة الصيفية ...

ثم قامت ثورة البعث في (8/3/1963م) وحلت الأحزاب ، وعاشت سوريا في الحكم الشمولي الديكتاتوري حتى هذه الساعة ...

والذي أتصوره في سوريا المستقبل بعد أن ذاق الشعب السوري مرارة الحكم الشمولي ، والاضطهاد الديكتاتوري ، وظلم الحكم الفردي ، الذي آل إليه الحكم الشمولي ...بعد ذلك كله سوف يختار الشعب السوري حريـة تعدد الأحزاب ، والسماح لكل مجموعة محددة ( 100) مواطن مثلاً أو أقل ، غير محكومين سابقاً ، بتشكيل حزب سياسي بعد أن يقدموا طلباً لوزارة الداخلية ، يقدمون معه منهج الحزب ، ونظامه الأساسي ،  ومن واجب وزارة الداخلية الترخيص لهم بإنشاء حزب سياسي .

فوائد التعددية السياسية :
حرية تشكيل الأحزاب وتعددها كما يقول الأستاذ دندل جبر في كتابه (التعددية السياسية ) لها فوائد كثيرة ألخصها فيما يلي :

1-           الأحزاب مدارس للشعوب في تكوين رأي عالم مستنير : تعمق الوعي السياسي ، وتدرب المواطنين على العمل الجماعي ، وتعالج مشكلات الشعب وتطرح حلولاً لها .

2-           الأحزاب السياسية همزة الوصل بين الحاكم والمحكوم : فتوسع مدارك الحكام وتدلهم على الطريق السليم . عن طريق صحافتها ووسائل إعلامها .

3-           الأحزاب السياسية صمام أمن في الأمة وحائل دون استبداد الحكومة :  تحول دون نشأة العمل السـري ، وأعمال العنف .

4-           تسهم الأحزاب السياسـية في تكوين النخبة السياسية القادرة على حكم البلاد ، وقيادة مسيرتها نحو حياة حرة كريمة .

5-           التخلص من الفردية لأن الحزب السياسي السليم يرسخ العمل الجماعي.

6-           توجيه الرأي العام أثناء الانتخابات ، كي يقوم الناخب بدوره ويدلي بصوته بعد نضج رأيـه ، ومعرفة المشروع الأصلح والأكفأ لبلده ومستقبل أمته .

وللتعددية السياسية اتجاهان أحدهما يقول بالتعددية المطلقة ، ويتزعمه الأخ راشد الغنوشي ، وهذا الاتجاه يسمح بتشكيل أحزاب في المجتمع المسلم أياً كانت ، ماركسية ، ملحدة ، المهم يوجد أعضاء من المواطنين يتبنونها ...والرأي الآخر يرى بالتعددية السياسية ضمن إطار الثوابت ، ومن الثوابت في بلادنا اللغة العربية والإسلام ، فمثلاً لايسمح لحزب يقوم على محاربة اللغة العربية ، ولايسمح لحزب يقوم على محاربة الإسلام ... والكلمة الفصل للجنة تأسيس الدستور التي تختار التعددية المطلقة أو المقيدة ...

حريـة الإعـــلام  :
وينتج عن التعددية السياسية حرية الإعلام ، فلن تبقى صحيفة الثورة والبعث وتشرين صحف سوريا الثلاث بدون منازع قرابة نصف قرن ، تجد الخبر الذي نشر في التلفزيون السوري ، وفي إذاعة دمشق ، مكرراً في هذه الصحف الثلاث ... بل ستجد صحافة متنوعة ، صحيفة كذا الناطقة باسم الحزب الفلاني ، وصحيفة أخرى ناطقة باسم حزب آخر ، وهكذا ستجد عدة صحف ، لكل صحيفة اتجاه سياسي معين ، ولون ثقافي يختلف عن غيرها ، وكلها تخدم مصلحة سوريا المستقبل ...وتتنافس في تقديم أفضل المعلومات بأفضل الطرق للمواطن السوري ....

وسوف تقرأ بلغة مؤدبة نقداً لما فعله الوزير الفلاني ، في المكان الفلاني ، وخلاصة ذلك أن هذا العمل لايخدم مصلحة الشعب السوري ، وقد يخدم فرداً أو مجموعة قليلة فقط ، وقد تكون له أضرار على المصلحة العامة ، وقد يكون مثل هذا المقال سبباً في مساءلة هذا الوزير أمام مجلس الشعب ...وقد يؤدي إلى استقالة الوزير ...عندما يضغط عليه حزبـه حفاظاً على سـمعة الحزب ومصلحة سوريا المستقبل ، كما نتابع في دول أوربا وفي الكويت ...

 وسوف تسمع في سوريا إذاعات جديدة غير إذاعة دمشق ، إذاعات متعددة الأغراض التي تخدم سوريا ، إذاعة يشرف عليها الحزب الفلاني ، بتوجهاته المحافظة ، وإذاعة يشرف عليها الحزب الآخر بتوجهاته المختلفة عن الأول ، وهكذا ...يستطيع المواطن أن ينتقي من هذه الإذاعات مايعجب ذوقـه وسـمعه ...

والأمـر نفسـه ستجده في محطات التلفزيون ، سوف تجد تسابقاً وتنافساً من أجل شـد انتباه المستمع والمشاهد السوري والعربي ، وطرح مشروعات ثقافية وفكرية متنوعة ، تثري البيئـة الثقافية وتنميها بالتنوع الثقافي والفكري ....
وسـوف يكون مجلس الشعب هو القائد الفعلي والحقيقي لسوريا المستقبل كما سنرى في حلقة قادمة بإذن الله ... ومجلس الشعب الحقيقي أو البرلمان هو عصارة ماتقدمه التعددية السياسية للبلد ، تجد الاتجاهات السياسية ، والمذهبية ، والقومية ، والفكرية كلها موجودة في مجلس الشعب ، كل بحجم هذه الفصائل الوطنية ، وكل ينافس الآخر من أجل تقديم أفضل المشاريع للنهوض بالبلد ، وأمنه ، واقتصاده ، والقرار المعمول بـه ؛ هو القرار الذي حصل على أصوات الأكثرية في مجلس الشعب ، وجميع أعضاء المجلس والحكومة ينشطون بكامل الرضا والسرور لتنفيذ ماقررته الأكثرية ....

الدكتور    خالد احمد الشنتوت        باحث في التربية السياسية 

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا أخي د.خالد لهذه الإضاءات القوية على مستقبل بلدنا الحبيب ..

    ولكن !!!!!

    هل نحن مستعدون حقاً لتحمل هذه النقلة الواسعة من حرية الإعلام ، وحرية الرأي ، والتعددية ؟
    أسئلة حساسة كثيرة تنتظر منا الإجابة بشفافية وجرأة ، اليوم وليس غداً ، وإلا فاجأنا الغد بما لم نتوقع ، وربما وقعنا في دائرة النار التي وقع فيها غيرنا عندما وصلوا إلى السلطة !!!

    د.أحمد كنعان

    ردحذف