لم تقدّم المبادرات كلّها حتى الآن سوى شراكة
مع نظام عصابات الأسد في القتل والتدمير والإنهاك..... وقد سئم الشعب الموجوع المنكوب
أفلام المراوغة والتضليل المعروضة في مهرجان المبادرات المستمر على وقع الدم السوري.
مبادرة عنان ميتة من أول يوم. وستموت كل المبادرات
الشبيهة؛ لأنّ ما يحدث في سوريا هو حرب بين إرهاب نظامٍ شرس مجرم مستبد، وإرادة شعب
جبّار شجاع يطالب بالحرية والعدالة والكرامة. ولن ينجح بذلك أي مسعى ترقيعي في إسكات
صوت الثورة وإنقاذ نظام الاستبداد السوري؛ فهل يعقل أن يتوقّف النزيف الشديد في الجرح
الغائر بلصقة رقيقة؟ وهل تنجح لصقة صغيرة في إغلاق فوهّة رشاش وإيقاف رصاصها؟
آلاف الصّرخات الموجعة والنداءات المطالبة
بالغوث والعون، انطلقت وتنطلق من هدير الشعب المظلوم المطالب بالحريّة: من حناجر الأمهات
المفجوعات والنساء الثكالى والرجال المنكوبين والأطفال المذبوحين، في الحولة وحمص وإدلب
وحماة ودرعا ودمشق ، وكل سوريا..آلاف الصرخات المنهوكة الأنفاس لامست أسماع السماء؛
لكنها لم تلامس عميقا أصغر جزء في ضمير كثير من الأنظمة العربيّة والعالميّة.
وبعد مجازر مروّعة يأتون، أخيراً ليطردوا السفراء
السوريين. ثم يقرر الوزراء المستعربون أن يجتمعوا ليناقشوا الوضع السوري المتأزم، بحسب
أدبياتهم... لكنّ الشعب لن يكتفي بالتصفيق لهذا التطوّر الذي فرضه الدم النازف في الشارع
السوري، وقد أرهقه انتظار العون من الآخرين. كما ملّ سماع مصطلحات الطائفيّة التي يفرضونها
عليه منذ أكثر من سنة، لكي يجلد ذاته كلّما قرّر حمل السلاح في وجه البطش والاعتداء.
إن نصر الشعب في استمرار كفاحه البطولي من أجل الحق، بكل الوسائل المتاحة: بالسلم والسلاح،
من دون أن يعبأ يتخويف الآخرين له.
العالم كان يهدر الوقت والحق بمبادرة عنان
ولجنة مراقبيه، وبغيرها من مبادرات قديمة وجديدة؛ فكأنّ جرائم القتل والتعذيب والتدمير
لم تكن موثّفة بالصور والأشخاص وبالمعلومات الاستخباراتية، لتؤكد مسؤولية عصابات نظام
الأسد في القيام بها. وكأنّ الحرب التدميريّة التي يقودها نظام بشار وعصاباته ضد الشعب
السوري تحتاج إلى أكثر من كلّ هذا الوضوح الجلي الصارخ، لكي تقتنع بوجودها الوحشي أنظمة
الأمم المتحدّة وأنظمة الجامعة العربية؟ إنّه العمى الاختياري الذي يتبناه العالم في
وجه واقع المذابخ والتقتيل الإرهاب، الذي يفرضه النظام الأسدي على الشعب ، مدعما بكثير
الأدلة والبراهين والإثباتات!!
لجان المراقبة المختلفة في أشكال الأثواب والأسماء
والأزياء، وأنواع المبادرات الروسية والفرنسية والأمريكية والعربية، في عناوينها المتنوّعة،
لا تهدف إلى وقف حمام الدم الشعبي؛ بقدر ما يهمّها إيجاد وسيلة لمنع خلخلة التوازن
التقليدي القائم في المنطقة، والذي يحمي عروش آخرين ومصالح دول كبرى.. ونظام الأسد
أحد دعائم التوازن الموجود
الشعب السوري يرد بقوة على الاستخفاف بدمائه
وعقله وحقوقه، من خلال تصعيد الثورة الشعبيّة ورفع حالة الكفاح المسلّح المشروع. فهو
لن تكفيه عبارات الإدانة والاستهجان والاستنكار، ولا تقنعه مواقف سياسية مجزوءة. الشعب
يدرك حجم المؤامرة الداخلية والعربية والدولية، على الرغم من كثير التضليل لحرف رؤيته.
وساذج من لا يرى، هذه المؤامرة المتمثلة في وأد الإرادة الشعبيّة التّحرّريّة الشعبيّة
المستقلّة. وهو يدرك، أيضاً، أنّ كثيرا من أنظمة الجامعة العربية وأنظمة الأمم المتحدّة
كانت شريكة لبشار، ومازال بعضها يراهن عليه في حلبة الصراع.وأخيرا، يؤمن الشعب أن ثورته
التحرّرية تخيف كثيرين؛ لذلك يسعون للجمها في سوريا قبل أن تصل إليهم؛ وبستخدمون أفانين
الخبث والمراوغة والتحايل والخداع، كأدوات لإحباط الشعب السوري والعربي وتركيعه لإرادة
الأقوى. لكنّه أقوى من أن تلين عزيمته.
مبادرة عنان التي اخترعها حكام جامعة أنظمة
العرب وزعماء أنظمة الأمم المتحدّة، ليست لصالح حقوق الشعب السوري، وليس هدفها أمن
الشعب السوري وأمانه؛ بل جرى تشكيلها لتكون أداة التقصي والبحث عن حلول تحافظ على التوازن
الذي يحمي مصالح أنظمة كثيرة، ولتمنح في هامشها النظام الأسدي مزيدا من الوقت والفعل،
ليستغله في تطويع الأمور نحو حلول إعادة السيطرة.
الشّعب السوري يعرف الحقيقة، ويعرف صديقه وعدوه،
ولن يسقط في مصيدة المبارات المراوغة، وفي سباق اللجان الدوليّة الماشية بظهر سلحفاة،
بل سيسعى إلى إسقاط تخاذل الجامعة العربيّة والأمم المتحدّة وإيقاف مهزلة الأغدانة
وبعثات المراقبة والتقصّي؛ فالشعب المجبول بتراب الأرض ومائها هو الخزّاف الماهر. ولن
يخطىء في جبل الثورة وإنتاج النصر..
د. سماح هدايا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق