تعود فكرة هذه المقالة إلى ومضة التقطتها من
أحد أصدقائي المصريين، وهو الصديق (محمد أبو هرجة) من مدينة المحلة الباسلة التي كانت
بداية فعلية للربيع العربي سنة 2008، حينما خرجت فيها مظاهرات سلمية مدوية، قمعها
جهاز أمن المخلوع حسني مبارك بوحشية.
الومضة أتت من حديث بين الأخ (محمد أبو هرجة)،
وبين أحد الأخوة المصريين، الذين لا يذهبون في قضية التغيير في مصر إلى المدى الذي
يجعل مصر تعود إلى سياقها ؛الطبيعي الاقتصادي،والثقافي، والسياسي، ويمثل هذا الشخص
مجموعة من الناس ترضى بالقليل من مكتسبات الثورة، أو الرضى بالهزيمة أمام الفلول (
بقايا النظام السابق )، ويقابل كلمة
الفلول عندنا في سوريا الشبيحة. لذلك سماه
صديقنا محمد بالشبيه بالفلول،وقد التقط هذا المصطلح من أحد أبواب النحو العربي،
وهو الشبيه بالمضاف.
هذا الطيف من الناس الذي يسير مع الثورة حينما
يتبدى انتصارها، ويقف متحمسا، مصفقا، وإذا اشتد عود النظام في قصف مدينة، تراه عاد
منكفئا على نفسه، مشككا بالنصر، هذا الطيف من الناس هو ما سنطلق عليه : (الشبيه
بالشبيح)، وقد ظهر للجميع بعد عام من الثورة انكشاف ظاهرة التشبيح، التي تمارس
بشكل مؤسساتي، تبدأ من الإعلام إلى المؤسسة الدينية بقيادة البوطي وحسون، إلى
شراذم الرعاع والدهماء من المجرمين الذين أخرجوا من السجون، إضافة للذين تم شحنهم
طائفيا وجعلهم حطبا جزلا يحرق كل شيء، إلى المثقفين والكتاب القوميين واليساريين،الذين
يمارسون تشويشا على الناس،بإمداد النظام بإكسير الحياة، وأصبحت ظاهرة التشبيح عابرة للأوطان،، فالشبيحة
القومجيون من المحيط إلى الخليج، بل تجاوزت المحيطات، كالشبيح (هوغو تشافيز)،
وجماعة اليسار اللاتيني الصاعد بعد انقراض الظروف
الموضوعية لوجوده أصلا .
هؤلاء السابقون الذكر شبيحة بالمعنى الفكري
والأخلاقي للكلمة ، يخوضون معركة الوجود .
ولكن (الشبيه بالشبيح) يعيش منزلة بين منزلتين،
يثور بطلا أصيد في لحظة، ويعود مثبطا
يائسا من النصر في أكثر الحالات، يستسلم لشاشة التلفاز سحابة اليوم، منفعلا
مع الثورة بكل وجدانه، ولكنه لا يخرج في مظاهرة، ولا ينفذ إضرابا، ولا يساعد لاجئا
سوريا فر من جحيم الموت القادم من الشمال،ولا يصفق لثائر ولا يشد أزره، ويجلس
متكئأ على أريكته الوثيرة واصفا شباب الثورة بالزعران، ويتمنى لو أن الثورة اختطت
لنفسها طريقا غير هذا، فلا داعي للجيش الحر،وإسقاط النظام كله هو إسقاط للدولة،
ولنبحث عن حل سياسي.
الشبيه بالشبيح يدخل خلسة إلى صفحات الفيس
بوك، فإذا كان فتاة صنع حسابا باسم شاب، طبعا والعكس صحيح، ويبدأ بإطلاق
نظرياته وسخرياته المرة من الحراك وأهله، وتجده في حقيقته يمتلك حسابا على الفيس
بوك يظهر فيه على حقيقته، بصورة أنيقة، مظهرا كل مواهبه الفذة، منوها أنه من
بلاد سوريا، وإذا قلبت صفحات حسابه حجرا حجرا، لم تجد كلمة واحدة تنصر
الثورة، أو ترثي لحال بني جلدته، وفي أخر الليل، يخرج – تخرج، ملثما – ملثمة،
بالحساب الآخر منقضا على كل شيء ساخرا من الثوار الباحثين عن الزعامات.
الشبيه بالشبيح هو (بروتوس) الذي يطعن الثوار من
الخلف، ويضع قدما في الثورة وأخرى في
مستنقع التشبيح، فإذا انتصرت الثورة خرج بطلا، واذا انتصر بشار الأسد الشبيح
الأكبر، خرج من بيته مبايعا لبشار الأسد
في ساحة السبع بحرات، وإذا كان مغتربا ركب متن الطائرة، ودخل مطار دمشق
ملوحا لصورة الخالد، حامدا الله على انتهاء المؤامرة الكونية.
الشبيه بالشبيه يعاني من
اختلاط في الهوية الأخلاقية، مثل الذين
يعانون من اختلاط في الهوية الجنسية، فلابد له من جلسة علاج مطولة مع أم شهيد،
تزغرد لابنها الذي ضحى من أجل وطنه،أو مع معتقل سابق يكشف لك عن آثار الجروح التي
شوهت ظهره، ثم يلبس قميصه ويبتسم، ويقول لك : ما رح نركع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق