الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-05-11

محاولة اغتيال جعجع: هكذا وضع "حزب الله" نفسه في موضع الشبهة! بقلم: فادي شامية


 11-5-2012
قطعت التحقيقات في محاولة قنص قائد القوات اللبنانية سمير جعجع (4/4/2012) شوطاً جيداً، إذ بات واضحاً لدى "شعبة" المعلومات كيف تمت محاولة الاغتيال، وأهم التحضيرات التي سبقتها، في حين تحتاج معرفة أسماء الجناة، والجهة التي تقف وراء عملية الاغتيال، إلى جهود إضافية؛ يصعب أن تنجح، ما لم تفرج الحكومة عن "داتا" الاتصالات، للبقعة الجغرافية المطلوبة، قبل وبعد عملية الاغتيال الفاشلة.


تقدم التحقيق
فيما يتعلق بالتقدم في التحريات، فقد بات محسوماً اليوم الأمور الآتية:  
1- أن العملية هي عملية اغتيال عن طريق القنص، وليست مجرد رسالة أمنية، وأن التحضيرات للعملية سبقت التنفيذ بعدة أشهر من الرصد وتحليل البيانات، والتأقلم مع مسرح الجريمة.

2- أن العملية تمت من خلال بندقية قنص نوع شتاير 12.7؛ يرجح أن تكون نمساوية المنشأ. وقد أجرت "شعبة" المعلومات اختباراً (إعادة تنفيذ الجريمة) من المسافة نفسها، ومن خلال الثغرة نفسها التي تسمح برؤية حديقة جعجع، وكانت النتيجة أن الإصابة قاتلة.

3- تعرّفت "شعبة" المعلومات على "مسرح الجريمة"، وهو على بعد 2 كلم من مقر جعجع، وعثرت هناك على بعض المضبوطات التي يمكن أن تدل على هوية الفاعل أو التأكد منها حال توقيفه، كما حدّدت أماكن أخرى يُرجح أن يكون الجناة؛ استخدموها للمراقبة.
  
4- استخدم الجناة 3 رصاصات اخترقت إحداها الزجاج، وكان مقدراً لها إصابة جعجع، لكن فشل الطلق الأول، وانبطاح جعجع "الطويل" على الأرض، دون أن يحاول الوقوف من جديد؛ أفشل المحاولة، ما اضطر القناص ومساعده أو مساعديه إلى المغادرة.

5- يتشكل فريق الجناة من أكثر من شخص –بالتأكيد- سواء في مرحلة الرصد، أو في مرحلة التنفيذ، أو في مرحلة الانسحاب، فضلاً عن أنه يصعب اكتشاف المكان الذي يمكن من خلاله نفاذ النار إلى معراب رغم وجود السور؛ إلا بعد مراقبة طويلة. وفي هذا المجال اهتم المحققون بأسماء "الغرباء" الذين يمكن أن يكونوا دخلوا إلى المنطقة في الأشهر السابقة على محاولة الاغتيال، وذلك بالتنسيق مع الجهاز الأمني المكلف حراسة جعجع.  

لماذا تحوم الشبهات حول "حزب الله"؟
للأسف الشديد؛ ثمة شك لدى اللبنانيين أن يكون "حزب الله" متورط في هذه العملية، بطريقة أو بأخرى. فيما يعني الأمنيين فإن الشك نفسه موجود، فالسلاح المستخدم موجود لدى الحزب –حصراً- من خلال إيران، والقدرة على تنفيذ هكذا عملية متوفرة، والعداء السياسي مستحكم، وللحزب –دون سواه- خمسة عناصر متهمة بالتورط بجرائم اغتيال مشابهة من قبل المحكمة الدولية؛ يرفض تسليمهم... لكن ذلك كله يبقى تكهنات، لم يجعلها لدى اللبنانيين –كما لدى الأمنيين- احتمالاً جدياً سوى معطيين:

المعطى الأول: الحملة المنسقة التي شنها الحزب -من خلال رموزه، كما من خلال الجماعات المرتبطة به- لنفي واقعة الاغتيال فوراً، رغم أن وزير الداخلية ووزير العدل، كلاهما (وهما ليسا من المقربين لجعجع أو 14 آذار) قطعا بوجود محاولة اغتيال، وقد تأكد هذا الأمر بعد التحقيقات التي أخذها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وبقية الوزراء على محمل الجد، فضلاً عن اهتمام واستنكار جهات دولية كبرى (لها القدرة على التأكد من المعلومات)؛ كالولايات المتحدة، ودول عربية وغربية، وتركيا... وهذه المعطيات كلها تعامل معها الحزب –كما حليفه العوني- باستهزاء مريب... وصولاً إلى "تورط" الوزير جبران باسيل بحديث صحفي، بهدف يتعدى الاستهزاء إلى تضليل التحقيق. (رفع حزب القوات اللبنانية دعوى عليه بهذا الخصوص).

المعطى الثاني: استماتة التيار العوني -ومن خلفه "حزب الله" طبعاً- في حجب "داتا" الاتصالات عن القوى الأمنية، تحت عناوين مخادعة، وهو سلوك مستهجن جداً في حالات كهذه، علماً أن موقف وزراء رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووليد جنبلاط داخل الحكومة مغاير، لكن الإصرار على جعل الأجهزة الأمنية عمياء وصماء في جريمة كهذه يدفع على الريبة.

لماذا لا تحيل الحكومة الملف على المجلس العدلي؟
يضاف إلى ما سبق أن الحكومة، وبالرغم من اهتمام أركانها –عدا الحزب وعون- لم تولِ القضية ما تستحق، من الناحية القانونية، والسبب واضح؛ هو رغبة "حزب الله" بطمس الموضوع، وإلا فإنه؛ من الطبيعي في حالات الأفعال الجرمية، التي تخل بأمن البلد واستقراره، وبهذا الحجم، أن تُحال على المجلس العدلي، سنداً للمادة 356 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وقانون العام 1958 التي يحدد الجرائم التي تحال على المجلس المذكور، ضماناً لسرعة وقوة متابعة الملف، من خلال المحقق العدلي المعين، الذي يصدر جميع المذكرات التي يقتضيها التحقيق من دون طلب النيابة العامة.  

غير أن مساراً تحقيقياً عدلياً كهذا؛ لا يمكن أن يُفتح –كما هو معلوم- دن قرار صادر عن مجلس الوزراء، لأن المجلس العدلي لا يمكن أن يتحرك عفواً، وإنما بناءً على مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، وهو ما فعلته الحكومات السابقة بالضبط في اغتيالات أو محاولات اغتيال سابقة (بعضها أقل أهمية بكثير، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ حادثة تفجير صندوق تعويضات أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة في بيروت في 31/7/2002)، الأمر الذي ترفضه الحكومة الحالية، بل ترفض مجرد مناقشته في مجلس الوزراء، بعدما عمّم الحزب الممسك بالحكومة أن الموضوع كله "تمثيلية"!. 

والواقع أن الرئيس السنيورة –أثناء توليه رئاسة الحكومة- لم يكتف بإحالة ملفات مشابهة على المجلس العدلي (على سبيل المثال: محاولة اغتيال الوزير الياس المر في 12/7/2005)، بل أحالها أيضاً على لجان التحقيق التابعة للمحكمة الدولية.

ويرى قانونيون أن هذا الأمر ما زال متاحاً اليوم، لأن المادة الأولى للوثيقة الصادرة عن مجلس الأمن والمتعلقة بإنشاء المحكمة الدولية، تجعل من اختصاص لجان التحقيق الدولية الهجوم "الذي وقع في 14 شباط 2005... وإذا رأت المحكمة أن هجمات أخرى وقعت في لبنان في الفترة الممتدة بين 1 تشرين الأوّل 2004 و12 كانون الأوّل 2005، أو أيّ تاريخ لاحق يقرّره الطرفان ويوافق عليه مجلس الأمن، هي هجمات متلازمة وفقاً لمبادئ العدالة الجنائيّة وأنّ طبيعتها مماثلة لطبيعة وخطورة الهجوم الذي وقع في 14 شباط 2005". وهذا التلازم –وإن لم يكن مؤكداً- إلا أنه متشابه، لجهة "القصد الجنائي، والغاية من وراء الهجمات، وصِفة الضحايا المستهدفين، ونمط الهجمات والجناة".

عندما سئل وزير الداخلية مروان شربل عن محاولة الاغتيال (5/4/2012) قال: "الله خلّصنا... أين يصبح البلد في حال تم اغتيال أي شخصية سياسية؟"

ويقول المثل: "ليس في كل مرة تسلم الجرة"، وبما أن الله خلّصنا هذه المرة، فلا يجوز التقصير أبداً في إثارة هذا الملف، والضغط -أقله الآن- باتجاه منح الأجهزة الأمنية "داتا" الاتصالات، كما كان يحصل من قبل –حتى أيام الوزير جبران باسيل نفسه في الوزارة-، لأن السكوت عن هذا الأمر، لا يعني حياة السياسيين من فريق معين فحسب، بل يعني أمن البلد كله، في وقت يريد كثيرون أن ينفجر الوضع المحتقن أصلاً.  
http://www.beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=75789:geagea&catid=39:features



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق