لفت نظري ياصديقي المدير عبارتين تتحدث عن الطاغية ,الأولى لأرسطو يقول فيها (لايوجد رجل حر قادر على تحمل مثل هذا الضرب من الحكم , إذا كان في استطاعته أن يهرب منه).
والقول الثاني لافلاطون
(إذا ذاق المرئ قطعة من لحم الانسان , تحول إلى ذئب , ومن يقتل الناس ظلماً
وعدواناً , ويذق بلسان وفم دنسين دماء أهله ويشردهم ويقتلهم , فمن المحتم أن ينتهي
به الأمر إلى أن يصبح طاغية ويتحول إلى ذئب )
المدير: أعتقد أن وصف الطاغية بالذئب لاختلافه عن الحيوانات
المفترسة ,والتي يقتصر افتراسها على حاجة معدتها , في حين أن الذئب يفترس أكان
جائعاً أم لم يكن جائعاً .
هذا ماقصدته بالضبط , ولكن هل تعتقد أن الطاغي بما هو مشاع
عندنا يتمثل فقط في الحاكم , أم يتعدى ذلك لأصناف كثيرة من البشر ؟
المدير : وهل يوجد عندنا حاكم طاغي مستبد ؟ لعلي أجدهم كالحملان
حديثوا الولادة , ويحتاجون دائماً لمن يرضعهم , ألم تسمع عن مبارك عندما اشتدت
شكاوي الناس من الفقر , وقف الحمل الوديع ووضع يديه فوق بعض كأنه يقف للصلاة ,
مبدياً عجزه وقال (دنا أوكلهم من فين ) .
ضحكت من تعليقه الساخر هذا ,
وشاركني أيضاً بمكره الساخر اللطيف , ثم تابعت كلامي معلقاً وموجهاً في نفس الوقت
من أجل الهدف المنشود .
طبعاً ياصديقي , ومن أين سيجد
القدرة على اطعام الناس وهو يعيش على دمائهم ولحومهم ؟ لذلك سنسعى جاهدين توضيح أهمية
الحفاظ على دم الناس وتنمية لحومهم , ولكن ليس لتسمينهم ومن ثم أكلهم , فلا تشطط بذهنك بعيداً حتى تسمع
كلامي لآخره.
المدير حاضر ياصديقي الرئيس .
لن أتناول هنا موضوع شرب دماء
الناس أو أكل لحومهم من زاوية الشرب والأكل في صفاته الظاهرية والمرئية ولكن سوف
أتناول جانباً ذو أبعاد إنسانية بحتة وعميقة , قد لايعيها الكثيرون من الناس .وأبدأ
ذلك بالقصة التالية :
في مدينة الفلوجة العراقية , وجد
شخص يصفونه بأنه على البركة , هذا الشخص كان مولعاً بالعطف على الحيوانات الشاردة
, وعندما كان يعود من عمله البسيط بعد العصر , يذهب إلى الشوارع ومكبات النفايات ,
ويجمع الغذاء المطبوخ والمرمي , ليكون طعاماً للكلاب الشاردة , وكان عندما يمشي في
الشارع تحيطه تلك الكلاب وتمشي معه وحوله وأمامه وخلفه , وكأنك ترى الزعيم عندنا
والحرس وما حوله , ولكن شتان بين من يطعم الجائع والمحتاج وبين من يأكل الانسان
والحيوان .
وكان لهذا الرجل شقيق غني جداً ,ومن
المقربين من الزعيم , وكان هذا الأخ الشقيق ينظر لأخيه بعلو وفوقية ولا يريد أن
يجده في بيته مطلقاً ...لقرفه منه ومن مستواه
المتدني حسب زعمه .
تفاجأ ممن يحسب نفسه عالياً بقدوم
هذا الرجل إلى بيته أثناء دعوة كبيرة على الغذاء لمجموعة معروفة من علية القوم كما
يدعون , ونظر إليه بغرابة توحي نظرته تلك لأخيه ... مالذي أتى بك في هذا الوقت ؟
فقال له وللحاضرين اسمعوا : أنا لم
آتي لأشارككم طعامكم ولكن انظروا لي جيداً :
فقبض قبضة بيده اليمنى من الرز
المطبوخ والمعد للأكل , ثم ضغط عليها بأصابعه بقوة ليخرج من بينها سائل أحمر لونه
كلون الدم , فقال لأخيه هذا دم الناس الذي شربته من أكل أموالهم , وأنتم أيها
الناس تأكلون من لحومهم وتشربون من دمائهم... وقفل راجعاً لكلابه .
المدير لقد سمعت بهذا الرجل الطيب
, وأنه عندما توفي رحمه الله خرجت الفلوجة كلها بجنازته, وحتى اتهمت الفلوجة في
ذلك الوقت وكان قبل الغزو الأمريكي بقليل , بأنها خرجت في مظاهرة عارمة ضد الحاكم
.
يمكننا استخلاص نقطتين رئيسيتين من
حديثنا هذا , والذي سنسعى لتحقيقه وهو الجزيء الأهم من قرارنا الجريئ :
1-
عندما نعمل بإيمان وصدق على وقف امتصاص دماء الناس بعضها
لبعض وأكل لحومها , ونبدأمن أنفسنا كأعلى مسئول في الدولة , سينعكس ذلك على البقية
, وتقل الحاجة الماسة لدى الشعب وبالتالي التخلص من الفقر والحاجة , ويعقبه التطور
والرقي والتعليم فهذا يقودنا للمرحلة أو النقطة الثانية وهي :
2-
سيقل عدد الطغاة , والذين سيبقون لن يكون لهم أثراً يذكر
على الوطن وعلى المجتمع وعندها لن يسمح المجتمع بطاغ أو مستبد يحكمهم , ومعذرة
أرسطو فلقد انتهى زمن الهروب من الطغاة وجاء وقت مجابهتهم والتخلص منهم.
يتبع......
د.عبدالغني حمدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق