جمعة "خذلنا المسلمون والعرب" – بقلم: فاروق مشوح

بسم الله الرحمن الرحيم

جمعة جديدة في سورية الثورة على طريق النصر؛ مهما تلبدت السماء، واكفهرت الأجواء، وعبس الصبح والمساء .. على طريق النصر سائرون، وإلى غايات التمكين واصلون، حتى وإن أعرض عنا الأقربون قبل الأبعدين، ومهما تجهّم في وجه ثورتنا الأدنون والناؤون .. فطريق الثورة السورية ليس أي طريق، ونصرها حتى وإن تأخر ليس أي نصر .. إنها سورية الشام المبارك، ومركز انطلاق أمجادها، ولؤلؤة تاج الأمة في ماضيها وحاضرها .. ومن هنا فليس من السهل أن يتركها أعداؤها تنعتق حرة بلا قيد دون غالي المهور، وتستعيد مكانتها اللائقة من دون الباهظ من الأثمان، والعزيز من الأرواح، والنفيس من التضحيات .. 

       "خذلنا المسلمون والعرب" شعارها هذا اليوم يقطر أسًى، ويتميَّزُ غيظًا، ويذوب ألمًا وحسرة .. فهل من المعقول في حالة ثورة سورية نبيلة ماجدة أن يتركها أهلها فريسة للاستبداد الحاقد، والطغيان الفاسد، والعنف الأعمى المجنون؛ وهي هي من وقفت إلى جانب أمتها ناهضة أبية لا تساوم على حق، ولا ترضى بذل أو مهانة أو خسف لمسلم أو عربي .. بل وأي حر من أحرار العالم ..

       ما يحدث في سورية اليوم يدعو كل ضمير حي منصف، وكل ذي مروءة وحس إنساني أن يتحرك ليوقف هذه القسوة البالغة، والعنف الأعمى، والموت المجاني المهين، والألم المستشري الذي لم يترك حياة نابضة في كثير من مناطق سورية المقهورة، ولم يرع حرمة لأي محذور تعارف عليه البشر .. فأين العالم وأين قوانينه الحامية للإنسان، المنادية بحق الشعوب في العيش الآمن الكريم ..

وحفظ الأرواح البريئة من الإبادة المتعسفة، وصيانة الأنفس والأموال والأعراض من الانتهاك الممنهج المقصود، والمبرمج على أهواء المتجبرين، وغرائز المتسلطين، وعبث المنفلتين بلا حد ولا رادع ولا عقاب ..

       من حق أهلنا في سورية أن يتظلموا أمام العالم، وأن يعتبوا على الأقربين، فظلمهم أشد مضاضة، وأوقع ألمًا .. ويهز نفوس المشاركين معهم في الدين والتاريخ والمصير .. وإلا فإنها خيانة الدهر، وطعن التاريخ لهذه المشتركات الرفيعة، والثوابت الأصيلة في كيان الأمة ومستقبلها ..

       كيف ترضى الشعوب الإسلامية عربية وغير عربية بما يحدث على أرض الشام المباركة، ولا تستثيرها نخوة، ولا تحرك مشاعرها شهامة، ولا ينبض في جسدها عرق للدعم والمساندة، والوقوف بوجه الباغي الذي دمر البلاد وأذل العباد، وعاث في الأرض الفساد ..

       صرخة السوريين بوجه إخوانهم، واستغاثتهم لهم بألم وعتب ودعوتهم الغاضبة في طلب العون العاجل، والمبادرة المسرعة، والمدد المتلاحق؛ ليس منّةً من أحد، ولكنه واجب جاء بعد أن استنفذ الشعب السوري كل عناصر الحراك السلمي والمقاومة السلبية والدفاع الممكن .. لكن النظام مدعوم بحلفاء محليين وإقليميين ودوليين بلا حساب أو حدود، وقف في وجههم؛تحملهم الأحقاد على الشعب السوري، وتدفعهم المصالح العاجلة، ويحركهم الخوف من حرية هذا الشعب ووعيه المتطلع الوثاب ..

       لم يكن هذا الشعار المعبر بدعًا في شعارات الثورة من أول جمعة لها؛ فكل جمعة كانت تحمل همًّا من همومها، وأملاً من آمالها، ومثلاً من مُثلها المعبرة عن آلامها التي تعاني؛ وما أكثرها، وما أقل المساعدين في تخفيفها .. يعيش الموت في كل لحظة يعبر عنه أصدق تعبير، ويبعث فيه من الصدق والبلاغة ما لا يدركه أولئك الذين ينظّرون من بعيد، وينتظرون وهم في أقصى درجات الراحة والهدوء حصيلةَ الشهداء في كل يوم ليقوموا بما يعدّونه مشاركة في أعباء الثورة .. وهم على فرش مريحة، وأجواء مترفة، لا يعكرها خوف من عدو، ولا يقلقها نداء من جرح،ولا تذهب بها ريح قاتلة مجرمة، تضمر لهذه الأنفس البريئة كل شر .. فإن من يرى تنغيصًا له في مثل هذه الشعارات عليه أن يقوم بالواجب، وأن يبذل أقصى الجهد، وأن يعيش مع هؤلاء الأبطال المعذبين القابضين على الجمر، الرازحين تحت العذاب .. وإلا فليرح الناس من لغته العابثة، ونقده الهادم، ومزاجه المغشوش ..

       وأنتم أيها الأبطال الميامين لكم الله إذا خذلكم الناس، وعزاؤكم الصبر إذا تذمر منكم اللاهون، ومكانكم في قلوب الغيارى من أبناء الأمة، ومستقبلكم النصر القريب والفرج العاجل .. والخذلان والخزي لمن لا تحركه آلام المعذبين، ولا تستثيره صرخات المظلومين، ولا تنهضه من أرضه نداءات الحق المبين, فلكم الله الناصر والمعين، "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" ...

7/جمادى الأولى/1433هـ

30/3/2012م