مما لا شك فيه أن عواصم القرار في دول العالم
الكبرى لا تنفرد باتخاذ القرارات الخاصة بالقضايا المصيرية على المستوى الدولي دون
التنسيق فيما بينها و ذلك بعيداً عن أروقة المنظمات الدولية ومن بينها مجلس الأمن الذي
تبين أنه عبارة عن هيئة إنسانية أكثر منه هيئة سياسية مادامت هناك دول تستطيع (التصرف)
بعيداً عنه .
ولست هنا بصدد تشخيص مهام مجلس الأمن والتي
يمكن تعطيلها بكلمة (لا) من أي عضو دائم فيه , إنما أريد أن أزيح بعض الستائر التي
تخفي ورائها قذارات اللعبة السياسية الدولية.
إن القرار الدولي يجب أن يمر بمراحل عدة قبل
وصوله لمجلس الأمن وهو أشبه ما يكون كالجنين في بطن الأم يمر بعدة مراحل من التطور
حتى يصبح مخلوقاً كاملاً . ولعلني أستفيد من التشبيه السابق بالولوج لحالة الثورة السورية
والتي صار من الواضح تكالب الدول على إجهاضها قبل أن تبشر بولادة سوريا الجديدة .
والغريب بالموضوع أن هذا التعمد لإجهاض الثورة
كان له ما يبرره لو أن هناك (جنيناً) شاذا سيخرج الى الحياة لكن المفارقة هنا أن ما
تحمله الثورة السورية هو ولادة سوريا العريقة من جديد وهذا ما لا تريده دول العالم
(المتحضرة ) و التي تنادي ليل نهار بالديمقراطية و حقوق الإنسان !
إن سوريا جديدة هي أكثر ما يرعبهم , فهي قلب
الوطن العربي و درة الشرق الأوسط و قد تم إدخالها منذ ستينات القرن الماضي في حالة
من الموت السريري , فهي موجودة على الخارطة لكن دون حراك .
اما سبب التغاضي الدولي عن الحالة المرضية
للدولة السورية بل و الاشتراك في توفير مقومات بقاء المرض هو ذلك الكيان الذي يقبع
إلى جوارها وهو الكيان الإسرائيلي الذي تمده دول العالم بكل أسباب الحياة ولو على حساب جيرانه .
فقضايا الشرق الأوسط ينظر لها كلها من المنظور
الإسرائيلي و شرقنا المتوسط ما هو إلا رقعة شطرنج تمتد اليه ايادي اللاعبين من خلال
النافذة الإسرائيلية التي تتحكم بحركات اللعبة كلها !
أقول في شرقنا المتوسط هناك نافذة واحدة لخروج
أي قرار دولي وهي النافذة الإسرائيلية و التي تم زرعها في قلب الوطن العربي لتكون معبراً
لتلك الأذرع التي تريد اللعب على الرقعة المهترئة للسياسة العربية .
وما يهمني في التوصيف السابق هو الثورة السورية
و كيف جعلت من سوريا ميداناً لتسابق هذه الأذرع وتنازعها على الساحة السورية .فعندما
اندلعت شرارة الثورة السورية متأثرة بحمى الثورات العربية و بدأت بالإنتشار على جغرافية
الأرض السورية اتسم الموقف الإسرائيلي بالحذر و كان لهذا الحذر تداعياته على القرار
الأمريكي و من بعده الدولي .
فالثورة السورية قامت كثورة شعبية بامتياز
أي لا وجود لأي قيادة سياسية لها , وكان طرحها الوحيد هو الحرية بكل أشكالها , ولهذا
السبب استشكل الأمر على دول العالم الكبرى و أولها أمريكا فما من ممثل للحراك الشعبي
تستطيع امريكا أو غيرها من الدول مفاوضته , و حتى تنسيقيات الثورة التي حاولت تأطير
النخب الثورية في هيئة واحدة أفرزت مجموعات من التجمعات الثورية ليست ذات باع مقبول
بالسياسة و خصوصاً الخارجية منها .
ولذلك كان الحذر هو عنوان التعامل مع طرفي
النزاع في سوريا .فمن طرف هناك نظام إجرامي مافيوي يرتبط بعلاقات معقدة ضمن محيطه الجغرافي
وهناك حراك شعبي غير موجه أو مؤدلج ومن الصعوبة بمكان مهادنة الأول والأصعب منه محاورة
الثاني لافتقاده التمثيل المطلوب .
وهكذا دخلت الثورة السورية في حالة من الفعل
ورد الفعل أي انتظار خطوة من النظام لتليها خطوة من المجتمع الدولي وهذا التصرف من
المجتمع الدولي ينم عن تواطؤ غير معلن مع النظام السوري الذي ما زال ينكر ما يحدث على
الأراضي السورية رغم هوله .
وإلا ما الحاجة للإنتظار من قبل المجتمع الدولي
و الثورة السورية أعلنت صراحة عن نفسها منذ أن دكت الدبابات درعا في الأيام الأولى
للثورة وخروج الآلاف في معظم المحافظات السورية نصرة لها .
إن أسوأ ما في الحالة السورية هو وقوف معظم
دول العالم موقف المتفرج على مسرحية درامية حيث لا نسمع من هذا (الجمهور) سوى عبارات
النقد و التنظير.
وبما أن هذه المسرحية قائمة بفصولها الدموية
ولا نجد من دول العالم سوى الوقوف موقف المتفرج لذلك وجب على الجميع الانخراط في العمل
الثوري ففي ميدان الثورة السورية لا مكان للمتفرجين فإما أن تكون فاعلاً في العمل الثوري
أو أن تجلس في الصفوف الخلفية تندب أخوانك من المضطهدين .
لم يكن ذنب الثورة السورية أنها عولت على الغرب
في إحداث تغيير ما على الساحة السورية وقد عاينت ما جرى على الساحات الثورية في الدول
العربية الأخرى وكيف كان للتدخل الغربي دور في دعم ثورات الربيع العربي , أما وقد صارت
الصورة أوضح و تكشفت المواقف الحقيقية على أرض الواقع فعلى الشعب الثائر أن ينتظر من
الداخل أكثر ما هو مطلوب من الخارج فالكلمة الحق تأتي ممن هو على خشبة المسرح وليس
ممن يتابعها بالصياح حيناً والتصفيق حيناً آخر.
يجب دفع
الثوار لإيصال صوتهم لكل من يتابع الشأن
السوري و خصوصاً اولئك الذين يصمون آذانهم
عن صرخات المظلومين . لقد قطعت الثورة
السورية الشوط الأهم وهو تحولها إلى (قضية) تشغل دول العالم أما الباقي فهو عملية إحقاق
الحق و ما دام الثوار على حق فهم بالنهاية منتصرون لا شك في ذلك .
بقلم : الرشيد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق